عن حرملة بن عمران أنه سمِعَ يزيد بن أبي حبيب يُـحدِّث أن أبا الخير حدَّثَه، أنه سمِعَ عقبة بن عامر رضي الله عنه قال:
سمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كُلُّ امرئ في ظلِّ صدقته، حتى يفصل بين الناس، أو قال: يحكم بين الناس))
قال يزيد: فكان أبو الخير مرثد لا يخطئه يومٌ إلَّا تصَدَّق فيه بشيء، ولو كعكة، أو بصلة أو كذا [1].
من فوائد الحديث:
1- قوله: ((كل امرئ في ظل صدقته))، يدُلُّ على أن المتصدِّق أحد الذين يُظِلُّهم الله في ظِلِّه يوم القيامة.
2- الأصل أن صدقة السر أفضل؛ لقوله تعالى: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: 271]
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((سبعة يُظِلُّهم الله في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلَّه...))، وذكر منهم:
((ورجلٌ تصدَّق بصدقة فأخفاها؛ حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))؛ (متفق عليه) [2]، وهذا الأصل في الصدقة: أن إخفاءها أفضل
لكن إن ترتَّبَ على إظهارها مصلحة راجحة؛ مثل: إذا كان في إسراره بها إساءة ظَنٍّ به بأنه لا يخرج الزكاة، أو اقتداء الناس بالـمتصدِّق إذا أظهر زكاته
فيكون هذا من باب: ((مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنةً، فله أجْرُها وأجْرُ من عَمِلَ بها إلى يوم القيامة))، ونحو ذلك من المصالح
ففي مثل هذه الحالات قد يكون إظهارُها أولى، والله أعلم[3].
3- إن الإنسان بالصدقة يخرج بها عن دائرة البخلاء إلى دائرة الكرماء؛ لأنها بذل مال، والبخل إمساك المال
فإذا بذلها الإنسان خرج من كونه بخيلًا إلى كونه كريمًا.
4- مضاعفة الحَسَنات.
5- أنها تجبر قلوب الفقراء، وتدفع حاجتهم.
6- أن من يدفعها يجد في صدره انشراحًا، وفي قلبه محبةً للخير.
7- تدل على تكاتُف، وتلاحُم المجتمع.
8- أنها تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء، وهذه فائدة عظيمة، يعني أن الإنسان يموت على أحسن حال، وحُسْن خاتمة.
9- أنها تلين القلب وتبعُث على الرحمة[4].
10- أحد رواة الحديث، وهو أبو الخير مرثد، أخذ بتطبيق الحديث عمليًّا، فجعل على نفسه التصدُّق كل يوم بشيء.
11- فعل المعروف لا يضيع عند الله.
12- في يوم القيامة يكون الفصل بين الناس، الكل يأخذ حقَّه من الآخر.
13- شك أحد الرواة في الحديث، هل قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يفصل بين الناس))، أو قال: ((يحكم بين الناس))
والمعنى واحد؛ لكنه من باب التثبُّت والدقة في النَّقْل.
14- هناك أعمال غير الصدقة تُظِلُّ صاحبَها يوم القيامة، فمن ذلك:
أ- إنظار المعْسِر حتى يُسدِّد دَيْنَه أو التخفيف من الدين عنه؛ فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ((من أنظر معسِرًا أو وضع عنه أظلَّه الله في ظِلِّه))[5].
ب- حفظ سورتي البقرة، وآل عمران؛ فعن النواس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه يقول: سمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
((يُؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدمه سورة البقرة وآل عمران))، وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال
ما نسيتهن بعد، قال: ((كأنهما غمامتان أو ظلَّتان سوداوان بينهما شرقٌ، أو كأنهما حزقان من طير صوافَّ تحاجَّان عن صاحبهما))[6].
15- الحث على فعل الخير.
16- الأعمال الصالحة تنفع صاحبها في الدنيا والآخرة.
17- على المسلم أن يقدم ما يستطيع من عمل الخير، ولا يـحتقر شيئًا، ولو كان يسيرًا، فإن ما تُقدِّمه هو في الحقيقة يعود لنفسك.
18- هذا الحديث من العلم الذي نشره عقبة رضي الله عنه.
19- فضل العلم وتبليغه للناس.
20- استغلال العمر واستغلال الفرص قبل الفوت.
21- أهمية العمل الصالح.
22- الصدقة تُنجي صاحبها من النار.
23- كرم الله للعبد في يوم القيامة.
24- المداومة على العمل الصالح.
25- العبرة بالإخلاص في العمل لا بالكثرة والقلة[7].
________________________
[1] مسند الإمام أحمد 28/ 568، رقم 17332، وقال مُحقِّقوه: إسناده صحيح، المستدرك على الصحيحين؛ للحاكم 1/ 576، وقال:
صحيح على شرط مسلم، صحيح ابن حِبَّان 8/ 104، رقم 3310، قال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
[2] صحيح البخاري 2/ 111 رقم 1423، 8/ 163 رقم 6806، وصحيح مسلم 2/ 715، رقم 1031.
[3] فتوى لفضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العقيل؛ موقع طريق الإسلام.
[4] من 29 مستفاد من شرح رياض الصالحين؛ للشيخ ابن عثيمين 1/ 1381.
[5] صحيح مسلم 4/ 2301 رقم 3006.
[6] للاستزادة ينظر إلى خطبة جمعة للشيخ/ منديل بن محمد الفقيه؛ موقع الألوكة، والحديث في: صحيح مسلم 1/ 541 رقم 805.
[7] من 2226 مستفاد من الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني؛ للساعاتي 9/ 156.