عن أنس رضي الله عنه قال: ((لما كان يوم أحد، انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم
مجوِّبٌ به عليه بحَجَفَةٍ له[1]، وكان أبو طلحة رجلًا راميًا شديد القِدِّ[2]، يكسر يومئذٍ قوسين أو ثلاثًا، وكان الرجل يمر معه الجَعْبَة من النبل فيقول:
انشرها لأبي طلحة، فأشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، لا تشرف، يصيبك سهم من سهام القوم
نحري دون نحرك، ولقد رأيت عائشةَ بنت أبي بكر، وأم سليم، وإنهما لمشمِّرتان، أرى خَدَمَ[3] سُوقِهِما، تُنقِزان القِرَبَ على متونهما
تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم، ولقد وقع السيف من يدي أبي طلحة، إما مرتين وإما ثلاثًا))[4].
من فوائد الحديث:
1- شجاعة عائشة وأم سليم رضي الله عنهما في شهودهما المعركة.
2- تقديم العون والمساعدة من قِبَلِ النساء في المعركة.
3- نالت النساء الشرف والأجر في فعلهن.
4- في هذا الحديث يصف لنا أنسٌ رضي الله عنه وصفًا دقيقًا حال عائشة وأم سليم رضي الله عنهما، وكيف يقومان على خدمة الآخرين.
5- لا يجوز للرجل أن ينظر للمرأة التي لا تحل له، أما إذا كان صغيرًا، فإنه لا حرج عليه في ذلك، كحال أنس رضي الله عنه في ذلك الحين.
6- خوف الصحابة على نبيهم صلى الله عليه وسلم أن يصيبه شيء، فهم يفدونه بأهلهم وبأرواحهم.
7- كانت مهمة عائشة وأم سليم رضي الله عنهما شاقة ومتعبة ومحفوفة بالمخاطر، وهي سقاية القوم بملءِ القِرَبِ من الماء، ثم حملها على الأكتاف
ثم الوصول بها إليهم، وإذا انتهت، عُدْنَ مرة أخرى بتعبئتها، وحملها إليهم، وهذا ديدنهن سائر اليوم وطوال المعركة.
8- قوة أبي طلحة الأنصاري وشجاعته.
9- قوة وجلد الصحابيتين، وشدة حماسهن.
10- من شدة النبل الذي أصاب الصحابة، انهزموا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، بعدما ترك الرماة موقعهم.
11- لقد عفا الله عن المسلمين الذين انهزموا من أرض المعركة؛ حيث قال سبحانه:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ﴾ [آل عمران: 155].
12- إن الأنبياء قد يصابون ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام والأسقام؛ ليعظم لهم بذلك الأجر
وتزداد درجاتهم رفعة، وليتأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكاره. [5].
13- فيه منقبة وفضيلة لأبي طلحة رضي الله عنه.
14- وقوع السيف من أبي طلحة رضي الله عنه بسبب النعاس الذي أنزله الله عليهم؛ كما قال تعالى: ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ
وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴾ [الأنفال: 11].
15- الأيام دول؛ حيث انتصر المسلمون في بدر وانهزم المشركون، وفي أُحُدٍ كان النصر للمشركين على المسلمين، لكن مع ذلك لم تنكسر شوكة المسلمين[6].
16- تميز أبو طلحة رضي الله عنه بالرمي.
17- قوله: ((وكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل، فيقول: انشرها لأبي طلحة)) يدل على معرفة الصحابة رضوان الله عليهم لقدرة أبي طلحة على رمي السهام، وحذقه في ذلك.
18- الهزيمة طعمها مر، وأثرها النفسي شديد.
19- تميز أبو طلحة رضي الله عنه بكرمه وشجاعته وفدائيته.
20- قوله: ((فأشرف صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم)) فيه دلالة على شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم.
21- التوكل على الله لا يمنع من الأخذ بالأسباب.
22- فداء الصحابي للنبي صلى الله عليه وسلم بأبيه وأمه.
23- النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من القتل حتى يبلِّغَ رسالة ربه؛ قال سبحانه: ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67].
24- دقة وصف أنس رضي الله عنه لشخصية أبي طلحة رضي الله عنه، فلم يكن راميًا فقط، وإنما كان أيضًا قويًّا في رميه
ومتمرسًا في إتقان عمله، فلم يكن مبتدئًا، أو متدربًا، أو لا يحسن الرمي، بل كان بارعًا.
25- قوله: ((يصيبك سهم من سهام القوم)): لا شك في أن السهم إذا أطلق من القوس يكون قويًّا، وقد يصيب الإنسان.
26- كأن أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه في ذلك اليوم أمة وحده.
27- الإيجابية العظيمة لهذا الصحابي تتمثل في أشياء كثيرة؛ منها:
أ- المسارعة للدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ب- رمي النبل دونه صلى الله عليه وسلم.
ج- فداؤه بالأب والأم.
د- فداؤه بالنحر حينما قال رضي الله عنه: ((نحري دون نحرك)).
________________________________
[1] أي: ساتر له قاطع بينه وبين العدو بترس صغير؛ [تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي، 1/ 108].
[2] شديد القِّد: يريد أنه شديد وتر القوس، والقِد: سير من جلد غير مدبوغ؛ [فتح الباري، 7/ 128].
[3] أي: الخلاخيل؛ [فتح الباري، 1/ 110].
[4] صحيح البخاري 5/ 37، رقم: 3811، صحيح مسلم رقم: 3/ 1434، رقم: 1811، نقلته من كتابي (خمسون موقفا للنبي
صلى الله عليه وسلم مع النساء، ص: 24)، وزدتُ عليه أكثر من عشر فوائد.
[5] من (11 - 12) مستفاد من فتح الباري لابن حجر 7/ 364.
[6] مستفاد من فتح الباري 6/ 79.