إن مَنْ يجري ويهرب من عدوِّه أو سَبُعٍ يَخشى غائلته، عليه أن يمضي قدمًا، ويهرول سريعًا، ولا يفِّكر أدنى تفكير في أن يستدير
أو ينحرف بجزءٍ من جسمه يمينًا أو شمالًا؛ لأن هذا الالتفات، سيُؤثِّر فيه تأثيرًا كثيرًا.
فما بالك بإنسان له أهداف، كلما دنا أو أوشك للوصول إلى الغاية، تذكَّر الماضي، وتحسَّر عليه، وندب حظَّه، فمهما كثُرت المصائب
وتكالبت المحن، فإنها لا تَعوق المسلم صاحب الهمَّة عن المُضي قدمًا؛ بل عليه أن ينسى ذلك الماضي، ويردمه بما فيه
من أحزان وهموم، ويبدأ صفحة جديدة ملؤها الإشراق والأمل.
أذكر شابًّا فوق الثلاثين، جلست معه عدة أيام، وفي كل يوم من هذه الأيام لا يزال يتحدَّث إليَّ عمَّا لاقاه من قسوة أبيه
وسلاطة لسان والدته عليه، فكلما تذكَّر ذلك تألم ألَمًا شديدًا، وتغيَّرت ملامح وجهه، وهذا الحَدَث ما زال ملازمًا له حتى أثَّر في حياته
وحتى بعد زواجه أصبح شبح والده وسلاطة لسان أُمِّه يُلاحقانه بسبب كثرة ما يجترُّ الماضي ويتذكَّره، فأصبح يعيش في قَلَق
واضطراب وتعاسة؛ لذلك طلَّق زوجته، وعاش وحيدًا منبوذًا من كل أحد.
يقول د. علي الحمادي :
"إن نعمة النسيان نعمة عظيمة، فمن أراد راحة البال وحسن العاقبة والمآل، فليحاول أن ينسى ما يلقاه من الآخرين، أو ما يُبتلى به
من مصائب الدنيا، وليبدأ صفحة جديدة مع إخوانه الذين قصروا في حقِّه، فإن ذلك من علوِّ النفس، وسموِّ الهمة".
فإذا حقَّقت ذلك، فسوف ترى تغيُّرًا في حياتك، وتطوُّرًا في تصرُّفاتك وأخلاقك، وستفتح لك الدنيا من أوسع أبوابها بإذن الله.
د. إبراهيم بن فهد بن إبراهيم الودعان.