في ظِلِّ البيت!
في كتابِ "قصص من التاريخ الإسلامي" لأبي الحسن الندوي، أنَّ الإمامَ أبا حنيفة كانَ من عادته أن يجلسَ في ظِلِّ بيتِ أحدِ أصحابه، واقترضَ هذا الصاحبُ من أبي حنيفة مالاً، وجاءَ اليوم التالي للقرض، وجلسَ أبو حنيفة بعيداً عن ظِلِّ البيت!
فسألَهُ صاحبه: لماذا تجلسُ بعيداً؟
فقالَ له أبو حنيفة: خفتُ أن يكونَ من الرِّبا.
فقالَ له: لكنكَ كنتَ تقعدُ قبل أن تُقرضني.
فقالَ له أبو حنيفة: كنتُ أقعدُ وأنتَ المُتَفَضِّل عليَّ بظلِّ بيتك، وإني أخافُ الآن أن أقعدَ وأنا المُتَفَضِّل عليكَ بالمال!
هذه القصة تُسجَّلُ في بابِ الورعِ لا في بابِ الفِقه!
والورعُ هو تركُ بعض الحلال خشية الوقوع في الحرام!
وقد ضربَ الأوائلُ قصصاً في الورعِ تكادُ تكونُ أقرب إلى الخيال!
جِيء لعُمر بن الخطاب بطيبٍ وأرادَ أن يقسمه بين نساءِ المُسلمين، فقال: لو أعرفُ امرأةً تُجيدُ قسمته.
فقالتْ له زوجته: أنا أقسمه لكَ.
فقال: أنتِ لا، أخشى أن يعلقَ بثيابكِ شيء منه، فأُصيبُ من الطِّيبِ ما لا يحل لي!
واستعارَ عبدُ الله بن المُبارك قلماً وهو بالشام، فلمَّا عادَ إلى مرو، وجدَ أنه نسيَ أن يُعيدَ القلمَ لصاحبه، فرجعَ إلى الشام وردَّ القَلمَ لِمَن استعاره منه، ثم عادَ مجدداً إلى مرو!
وكانَ عُمر بن عبد العزيز يقسمُ تفاحاً بين الناس، فجاءَ ابنُهُ وأخذَ واحدة، فوثبَ عليه عُمر وانتزعَها منه، وأعادَها مكانها! فعادَ الصغيرُ إلى أمه باكياً، فأخرجتْ درهمين، وأرسلتْ إلى السوق تشتري تفاحاً، وأطعمتْ ابنها، ولما جاءَ عُمر بن عبد العزيز وضعتْ التفاح أمامه، فقال: من أين هذا؟
فقالتْ له: اشتريته من السوق.
فمدَّ يده وتناولَ تفاحة وقال: لقد كنتُ اشتهيتُهُ اليوم!
خليفةُ المُسلمين اشتهى تفاحاً كانَ بين يديه، فمنعه الورعُ أن يأكلَ منه!
وروى ابن كثير في البداية والنهاية أنه جاءتْ أُخت بِشر الحافي إلى الإمام أحمد وقالتْ له: إنَّا نغزلُ على سُطوحنا، فتمرُّ بنا مشاعلُ السُلطان، ويقعُ الشعاعُ علينا، فهل يجوز أن نغزلَ في شُعاعها؟
فقالَ لها الإمام: من أنتِ يرحمكِ الله؟
فقالتْ: أُخت بِشر الحافي.
فبكى، وقالَ لها: من بيتكم يخرجُ الورع، لا تغزلي في شعاعها!