لم يَفُتِ الوقتُ بعد!
في كتابِ الجواهرِ والدُّررِ لابنِ حَجَرٍ العسقلانيّ:
كان الإمام الكسائيُّ رحمه اللهُ راعياً للغنم حتى بلغ أربعين سنة، وفي يومٍ من الأيام وهو يسير رأى أُماً تحثُّ ابنها على الذهاب إلى الحلقةِ لحفظ القرآن، والولدُ لا يريدُ الذهاب!
فقالتْ له: يا بُنيَّ اذهَبْ إلى الحلقة لتتعلم، حتى إذا كبرتَ لا تصبح مثل هذا الرَّاعي!
فقال الكسائيُّ في نفسه: أنا يُضربُ بي المثل في الجهل؟!
فذهبَ، فباعَ غنمه، وانطلقَ إلى العلم وتحصيله فأصبح إماماً في اللغة، إماماً في القراءات، ويُضربُ به المثل في علوِّ الهمَّة!
من الأشياءِ التي لاحظتها في المشكلات التي طلبَ أصحابها منِّي نصيحةً فيها، أو من خلال الأسئلة في محاضراتي، وحتى من القصص التي أسمعها، هي اعتقاد النَّاس أنهم بمجرد الوصول إلى عمرٍ مُعيّن فإنّ الوقت قد فاتَ لفعل شيءٍ ما! وما يزيدُ الطين بلَّةً أنه لا يوجد عمر مُحدد يشعرُ الناسُ معه أنَّ الوقت قد فات لفعل شيءٍ جديد، بعض التلاميذ إذا أنهى سنته الدِّراسية الأولى ولم يُعجبه تخصصه، ولم يجد نفسه فيه، يُشعركَ أنه يجب أن يتحمل لأنه مضطر ، العُمْر لم يعد يسمح بالعودة إلى الوراء، هذا وهو في العشرين من عمره!
بعض النّاس يريدون أن يُصلُّوا على كرسيٍّ وهم في الأربعين، ويشعرونك أنه لم يعد بالإمكان فعل شيء غير انتظار ملك الموت!
الأربعين هذا الذي يراه الناس وقتاً متأخراً للبدء، نزلَ فيه الوحي على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فغيَّر به الدُّنيا كلها! ولن أقول لكَ إنَّ نوحاً عليه السلام كان عمره ألف عامٍ حين كتبَ الصّفحة الأخيرة من الحكاية!
العجز والاستسلام ليس له عُمْر، لأنه ليس مرتبطاً برقم بقدر ما هو مرتبط بعقليَّة، وطريقة تفكير، ونظرة إلى الحياة!
تعلَّمَ ابنُ الجوزيِّ القراءات العشر وهو ابنُ ثمانين سنة، ومن الناس من يخجل أن يذهب إلى دار تحفيظ وهو ابن ثلاثين!
هنري فورد اسَّسَ شركته العملاقة حين بلغَ الخامسة والأربعين، مهما كان عُمرك يمكنك أن تبدأ!
أبو أيوب الأنصاريّ شاركَ في حصار القسطنطينية وهو ابنُ مئة سنة، وقبره ما زال ماثلاً عند أسوارها يُخبرنا أن العمر مجرَّد رقم!
هارلاند ساندرز أسَّسَ سلسلة المطاعم الشَّهيرة "كنتاكي" في الثانية والسِّتين من العمر! الأمور تتعلق بالهمم لا بالسنوات، بالعقلية لا بالشيب، بالنظرة إلى النفس والحياة لا بالتجاعيد!
الشيءُ الوحيد الذي يمنعك من أن تبدأ هو العجز والاستسلام، حتى في الحُبِّ لا يفوتُ الوقت أبداً، مصطفى محمود وجدَ السَّعادة والحُب بعد تجربتي زواج فاشلين!
والشيء بالشيء يُذكر الأسبوع الماضي حصلت زوجة الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي على درجة الدكتوراة في تفسير علوم القرآن وهي في الخامسة والسِّتين!
القضية كلها إرادة، دعوا أعماركم خارج الموضوع!