"لم يحلُ لي من بعد وجهك منظر"
كل الدُّنا عرضٌ وأنت الجوهر
طال الزمان فقصَّرت أيامه
وأمام وجهك كلُّ طول يقصر
وأمام وجهك للحروف خشوعها
ولها الصبابة والرحيق الأخضر
تأتي إلى عينيك وهي ظوامئ
فتعود وهي بكل خير تمطر
يا قِبلة العشاق ألفُ تحية
تُزجى وألف قصيدة تتبختر
تُهدى إليك من الفؤاد محبة
بمشاعر القلب المؤرق تُمهر
من أين أبدأ ؟ والمشاعر جمَّة
من تحت جلدي نبضها يتفجر
تتخشَّب الكلمات حين أزفها
خجلاً إذا قدمتها تتأخر
أصبحتُ من فيض المشاعر عاجزاً
فكأنني من فِطنتي لا أشعر
أعلنت للعشاق بعض صبابتي
وأجلُّ أشواقي الذي لا يظهر
آتي إليك يلفني حبل الأسى
ومدامعي من حُرقتي تتحدَّر
آتي إليك محمّلاً بمواجعي
وعلي من شفق الفجيعة مِئزر
فأطوف حولك ، أستحيل قصيدة
في كل أفق للروائع تبحر
يُطوى الزمان قديمه وجديده
فتلوح من كل الجهات الأعصُر
فأرى " أبا جهل " عليه كآبة
من غيِّه ومهانةٌ تتمعر
تتكسر الآمال فوق جبينه
والمُرُّ في أنَّ المُنى تتكسر
" وبلال "يُعلن للبطاح نشيده
" الله من كل الخلائق أكبر"
فتهشُّ "مكة " للنشيد يشدها
طُهْرُ الكلام ومستواه المبهر
وسنابك الخيل العراب يزفها
أملٌ على وقع السنابك يكبر
وقلوبُ فرسان الضياء نقية
تطوى على هدي الكتاب وتنشر
تتنكب العقبات وهي مخيفة
عند المبادئ كلُّ هولٍ يصغر
وينثُّ من تحت العجاج مصفَّد
فَزِعُ الفؤادِ له جبين أغبر
طوت الهموم خصوبة في زنده
وبنى العذاب بمقلتيه العِثْيَر
فأقول من هذا ؟ فيبتسم المدى
ويقول : سلطان الضلالة " قيصر"
وأظل أقرأ في شموخك لوحة
أبعادها مثل الهوى لا تحصر
شاخ الزمان وأنت في حلل الصبا
تزهو فلا تبلى ولا تتغير
شمس البداية في ربوعك ثرة
والليل عندك مستهام مقمر
نهر البياض إلى يديك مصبه
بالحب والشوق المعتق يزخر
تعبت خُطا الأحباب وهي مشوقة
ووقفت ترقب ركبهم لا تفتر
تغشاك من حلل السواد مهابة
لغة من النمط المحكك تسحر
فكأنك العين التي تحتفها
أهدابها وجبال مكة محجر
رحل البياض إلى السواد تألقاً
من روعة الضدين حيك المنظر
عجزت عن التفسير كل معاجمي
ومتى دلالات الجمال تُفسَّر؟
تتزاحم الأفواج حولك تبتغي
زلفى لربِّك ، والمهيمن ينظر
دلفت إليك على الظهور ذنوبها
تشكو وقد تشكو الذنوب وتجأر
يستغفرون من الخطيئة أغرقت
روض النفوس فطال فيه المنكر
زُمر الرُّخام ، الصُّبح أثواب الهدى
شوق إلى اليسرى وربك يغفر
قِطَعُ الرخام،الصبحُ ،أثواب الهدى
الحِجْرُ ، زمزمُ ، والمقام ، المنبر
صوتُ المؤذن ، والقناديل التي
خشعت ، أكفهمُ إذا ما كبَّروا
تتقافز الخطرات ملء جوانحي
فيلوح لي خلف الجموع المحشر
اللهَ ما أزهى الحياة إذا ارتدت
ثوب العفاف وعفّ فيها المخبر
واليوم يا مهوى الفؤاد حياتنا
نكدٌ نصوم على الجراح ونفطر
ماذا أقول ؟ كبيرة مأساتنا
ضيَّعتُ كم أنسى ، وكم أتذكر
نبني ومن دمنا يقوم مهللٌ
بالزهو ، مفتول القوام مغرر
وتشق أكناف الظلام خيولنا
كل يقول أنا بهذا الأجدر
نصفو على دَخنٍ فتذهب ريحنا
ويظل في وسط الطريق المبصر
نصحو على لغة الخلاف فلا لنا
لغةٌ ، ولا رأيُ الحصيف يُقدَّر
وقبائل الأغراب تلعن بعضها
وعلى قناديل الخيانة تسكر
اليومَ في " بغداد " ألف حكاية
ثكلى "وحزب البعث" فيها المصدر
نهران من وجع القلوب بقلبها
يُجْريهما وجع الشعوب العسكر
دارُ السلام ، قنابلٌ موقوتةٌ
ومحاجرٌ ، ومدامع تتضجر
لغةُ الرصاص فطورهم وعشاؤهم
رشاشها في كل وجه يُشهر
أرخى النخيل على "الفرات" عسيبه
وبكى على زمن الرشيد الإذخر
والشعر مقصوص الجناح مكبلٌ
فوق الشفاه الداميات مسمَّر
من أين يصدح شاعرٌ بقصيدة
والرُّعب يضحك والمدافع تزأر
من أين ؟ والشعر العظيم مكبلٌ
أضلاعه في كل يوم تكسر
في كل بيت قائدٌ وكتيبة
وبكل قافية تَعلَّق مخبر
الشعر في " بغداد " شيء طارئ
والشعر في عُرف الطغاة تذمُّر
الشعر يستدعي الطوارئ عُنوةً
فيدار تحقيق ، ويكتب محضر
قل لي بربك كيف تنهض أمة
يبني لها العلياء هذا القسور
يا قِبلة العشاق أورق في فمي
هذا الشجى إن المواجع تثمر
إني لأقرأ في الصفوف تخاذلاً
والشعر يقرأ ما تكن الأسطر
إني لأبصر في العيون غشاوة
ولذا أقولُ بما أرى وأُذكر
يلد الضلال بنيه فوق دُجُنَّة
ولذا بنوه عيونهم لا تبصر
عُجِنوا من الحقد الدفين فطلعهم
مرٌّ وكسر نفوسهم لا يجبر
يا قِبلة العشاق وجه بلادنا
صبحٌ على كل البرية يُسفر
من ناظريك يهل مزنُ عقيدة
طينُ القلوب به نديٌّ مزهر
وعلى مآذنك الشموخ محلقٌ
والمجد من أطراف ثوبك يُظفر
أنتَ القصيدةُ سحرها ودلالها
تتكرر النجوى ولا تتكرر
يا قِبلة العشاق نصف قصائدي
حزنٌ لحزن الناس لا أتنكر
أقسو على الشعر الجميل محبة
وذنوب صُنَّاع الصبابة تُغفر
والعذر قد يُنكي المحبُّ بصدقه
فأنا محبٌ والمتيم يُعذر
إن الحديث عن الجراح كبيرةٌ
لكنْ سكوتي عن أسانا أكبر
صالح بن سعيد الزهراني