روى الإمام الشَّعرانيُّ في كتابه "لواقح الأنوار القدسيَّة":
إنه رأى الإمام جلال الدِّين المحليِّ يخبزُ لعجوز من عجائز الحيِّ!
فقال له: ألا يشغلك هذا عن العلم؟!
فقال له: قطعنا عمرنا في الاشتغال بالعلم، وآفات العلم كثيرة، قلَّ أن ينجو منها أحد! وما رؤيَ أحدٌ من مشايخنا بعد موته في المنام، فقال: لقد غفرَ اللهُ لي. إلا وقال أنه قد حصل ذلكَ بقضاء حوائج الناس! وما بلغني أن أحداً قد قال أنه غُفِرَ له بعمله!
وكان من عادة جلال الدين المحليِّ في الليالي الباردة المطيرة، أن يطوف على عجائز الحيِّ فيسألهُنَّ إن كانت لهُنَّ حوائج من السوق فيقضيها!
وجاءته مرَّةً امرأةٌ عجوز وهو في حلقته وحوله طلابه، وطلبتْ منه أن يشتري لها زيتاً من السوق!
فتركَ درسه وقام ليقضيَ حاجتها!
فقالوا له: تتركُ الدّرس لأجل هذه العجوز؟!
فقال: نعم، إنَّ حاجتها أولى عندي ما حاجتكم!
ما عُبدَ الله سبحانه بشيءٍ أحبّ إليه بعد ما فرضه على عباده بمثل جبر الخواطر، وقضاء حوائج الناس!
إنَّ الله عند المنكسرة قلوبهم، العسيرة حوائجهم، المثقلة أكتافهم، المنهكة أرواحهم!
عند المريض الذي لا يجد ثمن علبة دواءٍ تشتريها له فتخفف ألمه، وتحفظ له ماء وجهه!
عند المدين الذي أشغله الدَّين فهو يحمله على كتفيه كالجبل، تسامحُ فيه أو تُنقص منه إن كنت صاحبه، أو تساعده في سداده إن كان لغيركَ!
عند الأرملة التي في حجرها أيتام ولا أحد لها إلا الله، تجعلُ لها مبلغاً شهرياً ولو قليلاً، ويا للمجد لو لم تعرف أنه أنتَ!
عند أختك المطلقة أو ابنتك، تعرفُ أنها مكسورة، وأن الكلام الجارح يهدُّ الروح، فلا تكون أنت والدُّنيا عليها، فإنَّ الدَّم لا يصيرُ ماءً ولو كان هناك تجربة زواج فاشلة!
عند أبٍ عاجزٍ أو أم مريضة، تكون لهما كالعبد لسيده، فإن الصخرة التي سدَّتْ فم الغار قد انفرجت للراعي الذي وقف باللبن عند رأس أبويه بهدوء مخافة أن يوقظهما، وأولاده حوله يتضاغون من الجوع ولكنه أقسم أن لا يشرب أحدٌ قبلهما!
عن الغضب تكتمه وأنتَ قادر على إنفاذه، وعند الانتقام وهو أسهل عليك من شربة الماء ولكنك تقول عفوتُ حتى يعفو الله عني، وما عند الله خير وأبقى!