اضطراب الصمت الاختياري (التباكم) لدى الأطفال
د. عبد الرحمن سيد سليمان أستاذ الصحة النفسية - كلية التربية- جامعة عين شمس
مقدمة : محاولات تحديد المصطلح:
(أ) إشكالية التعريف:
الاختلاف حول ترجمة المصطلح الأجنبي Selective Mutism هو ما يلاحظه كل من يتعامل معه للوهلة الأولى. فقد حاول باحثون عديدون التصدي لتعريبه باعتباره مصطلحا حديثا نسبيا. وقد تناوله كل باحث من هؤلاء في ضوء وجهة نظر معينة، وحسب زاوية الرؤيا التي يفضلها هذا الباحث أو ذاك. لذلك يرى الباحث الحالي أن عرض بعض هذه المحاولات - على قلتها- خطوة مهمة في سبيل الوصول إلى اتفاق حول مرادف. عربي لهذا المصطلح الأجنبي، يرتضيه العاملون في المجال. وهذه المحاولات القليلة يمكن الإشارة إليها على النحو الآتى:
(1) يترجمه عادل الأشول (1987: 311) في موسوعته للتربية الخاصة الخرس الانتقائي أو الاختياري ويعنى به حالة مرضية نجد فيها الفرد يرفض الكلام، وقد يبدو غير قادر على السمع والكلام معا.
(2) ويعرّف جابر عبد الحميد وعلاء كفافي (1990: 1098- 1099) الصمت الانتقائي، كما يطلقان عليه - تعريفا معجميا يلقى الضوء على طبيعته ولعض أسبابه؟ بأنه اضطراب نادر يحدث في مرحلة الطفولة، يتميز بالرفض المستمر للحديث في معظم المواقف الاجتماعية، بما فيها مواقف الدراسة، على الرغم من قدرة الطفل على الكلام وعلى فهم اللغة. ولا يحدث في هذه الحال أي من الاضطرابات الجسمية أو العقلية الأخرى. وقد تكون الحماية الأمومية الزائدة والبقاء في المستشفي لفترة، أو الالتحاق بالمدرسة من العوامل التي تهيئ لهذا الاضطراب.
(3) ويرى محمود حمودة (1991: 281) أن البكم الاختياري- كما يطلق عليه- يتميز برفض الطفل أو المراهق الثابت للتحدث في واحد أو أكثر من المواقف الاجتماعية العظمى، مشتملا المدرسة، برغم قدرته على فهم اللغة وقدرته على الكلام، وليس ذلك عرضا للإرهاب الاجتماعي أو الاكتئاب أو اضطراب ذهاني مثل الفصام... والطفل المصاب بالبكم الاختياري يمكنه أن يتواصل بواسطة الإيماءات مثل هز الرأس، أو بواسطة مقاطع كلامية مختصرة بنغمة واحدة، والغالب أنه لا يتحدث في المدرسة، ولكنه يتحدث طبيعيا في البيت، ونادر، ما يرفض التحدث في المواقف الاجتماعية.. وهؤلاء الأطفال لديهم مهارات لغوية طبيعية غالبا.
(4) ويترجمه عبد العزيز الشخص والدماطي (1992: 162) في قاموسهما للتربية الخاصة وتأهيل غير العاديين: البكم- الخرس الاختياري ويذكران أنه أحد التصنيفات المذكورة في النظام الثالث للجمعية الأمريكية للطب النفسي والمعنون بـ "دليل تشخيص الاضطرابات النفسية وإحصائها". ويشيران إلى أن هذا المصطلح يعنى رفض الفرد للكلام والتحدث بحيث قد يبدو غير قادر على السمع والتحدث.
(5) ويعرف خليل فاضل (1996: 160) الخرس الاختياري بأنه حالة مرضية نفسية يعرفها أكثر أطباء النفس المختصين بالأطفال. ويشخصونها على أنها الرفض الكامل للكلام خارج البيت، أو في غير محيط الأسرة أو الأقرباء. ويعتبرها "خليل فاضل" حالة من حالات الاضطراب العاطفي والانفعالي، وأنها من أهم خصائص الأطفال الذين يصابون بالخجل والحساسية الفائقة، وعدم القدرة على إقامة علاقات مع الآخرين سواء كانوا أطفالا أم كبارا.
(6) ويترجم رشاد موسى وآخرون (1999: 86) في قاموسهم للصحة النفسية هذا المصطلح على أنه يعنى البكم أو الخرس الاختياري.
و المتتبع لمحاولات تحديد المصطلح السابقة الإشارة ليها وغيرها يمكنه الخروج بالملاحظات التالية:
1- إن هناك اختلافا بين الباحثين على استخدام مصطلح واحد للتعبير عن هذا الاضطراب؟ فمن العرض السابق لمحاولات تحديده نجد أن البعض يطلق عليه الصمت الانتقائي (جابر وكفافي، 1990) وربما يكون وراء هذه الترجمة الطبيعة الغالبة على الاضطراب، ونعني بها تفضيل السكوت في بعض المواقف. في حين يطلق عليه البعض الثاني البكم الاختياري (محمود حمودة، 1991) وربما يكون وراء هذه الترجمة النظرة الكلينيكية التي تعكس اهتمام الطب النفسي بالأعراض التشخيصية للاضطراب.
والبعض الثالث يطلق عليه الخرس الانتقائي أو الاختياري (عادل الأشول،1987) ليشير به إلى حالة من رفض الكلام. في حين يطلق عليه البعض الرابع البكم أو الخرس الاختياري (الشخص والدماطى، 1992) وربما يعكس هذا التعريف- كسابقه- النظرة التي تعتبر الأطفال المصابين به أطفالا ضمن فئة ذوى الحاجات الخاصة. والبعض الرابع يطلق عليه الحبسة الكلامية المتعمدة (الشربيني،1994).
2- أنه يتعين على من يتصدى لتعريف هذا المصطلح أن يشير إلى عدة أمور منها:
أ- أن رفض الكلام من قبل الطفل لا يكون دائما ولكن تحت ظروف بيئية أسرية أو مدرسية معينة.
ب- أن رفض الكلام من قبل الطفل يكون عمدا وعن قصد.
ج-أنه نادر الحدوث في مرحلة الطفولة (حيث تصل نسبة حدوثه إلى أقل من 1% من الأطفال المحولين لعيادات الإرشاد النفسي بالولايات المتحدة الأمريكية، كما لوحظ أنه يكثر بين الإناث.
و يرى الباحث الحالي أنه من الممكن إطلاق تسمية "التباكم" على هذا الاضطراب إذ أن كلمة "التباكم" تعني إدعاء البكم، فضلا عن أن الامتناع عن الكلام يتم على مستوى الوعي أو الشعور فهو فعل إرادي، ولا علاقة له بسوء وظائف الجهاز الكلامي.
3- أن كلمة الخرس هنا غير دقيقة؟ فمن ناحية يكون الامتناع عن الكلام ليس راجعا إلى عيب ولادي أو خلقي في جهاز الطفل الكلامي، ومن ناحية ثانية أن الطفل يرفض الكلام في حين أنه بالفعل قادر عليه، وعادة ما يكون الطفل ذي الصمت الاختياري، متوسط الذكاء، مهتما بالتواصل مع الآخرين، لكنه في نفس الوقت غير قادر على تحقيق ذلك الوجود "عطل نفسي" لهذا فهو قد يعبر عن نفسه بالإيماءة، و الحركة الصامتة، الرسم، هز الرأس، الهمس، أو حتى الكتابة أحيانا.