الشائع أن الدين والعلم متناقضان! وفي حين يبذل المتدينون جهدصا كبيرًا لإثبات عكس ذلك، يصل بعض المتدينين إلى
علم النفس ويعتبرونه مخالفًا للعقيدة، وما هو إلا مجرد نظريات لا نحتاجها، وغالبًا يقولون لك أيضًا: المؤمن لا يكتئب
ولا يمرض نفسيًا! وعلى النقيض تماما، يحاول بعض علماء النفس اعتبار الدين موروثا لا داع له، في ظل التفسيرات العلمية
والتقنيات العلاجية المتنوعة، وقد يصفون المتدينين بالمرضى النفسيين! وفي هذين الاتجاهين تعسف واضح.
الحاجة للدين
الحقيقة أن علماء النفس لا يمكنهم الفصل بين الدين والإنسان، حيث إن الدين عامل من عوامل الحياة من حيث كون الإنسان
إنسانا لديه معتقدات تنتج عنها أخلاقيات وسلوكيات يحتاجها الفرد والمجتمع، فالدين يزود الإنسان بالقيم والاتجاهات
الإيجابية، كما ساهم الدين عبر العصور بنقل الثقافة الإنسانية جيلًا بعد جيل، وكذلك يدعو الدين إلى التوافق بين السلوك
الظاهري والنوايا الطيبة، وينشر الدين المبادئ الروحية التي تنظم العلاقة بين الناس.
الحاجة لعلم النفس
وعلى الاتجاه الآخر، لا يمكن للمتدين أن يرفض علم النفس لعدة أسباب، منها أن كثيرا من مبادئ علم النفس تبناها علماء
الدين كابن سينا وابن القيم واعتبروها قيمة أساسية في الطب، ومنها أن الدين يثبت المرض النفسي يصيب المؤمن
وغير المؤمن، وكذلك يأمر الدين بالتداوي بأفضل ما توصل إليه البشر من وسائل علاجية.
كيف ينظر علماء النفس إلى الدين
على الرغم من النظرة السلبية لدى “سيجموند فرويد” تجاه الدين، إلا أنه يقر بأن النظريات التي يجاهر بها المؤمنون عميقة
وحاسمة إذا ما قورنت بالمحاولات التفسيرية الشاقة التي يمكن أن يقدمها غير المؤمنين، والمؤمنون يميزون على الفور
ما هو نبيل وما هو منحط، ويرى “ألفرد أدلر” أن الدين قد تم تفسيره في كثير من الأحيان بشكل خاطئ إلا أنه يهتم فعلًا
بخلاص البشرية من خلال الاهتمام المتبادل بين الأفراد، وهو الهدف الاجتماعي الذي يعتبره “أدلر” أحد أركان الحياة إلى
جانب العمل والحب، ويتحدث “وليام جيمس” عن الصلاة لا سيما دعوات المرضى، ويرى أنها تساهم بالشفاء كحقيقة طبية
ينبغي أن تشجع لتكون تدبيرًا علاجيًا، لأن العبادة تهدئ العقل كما يرى “فيكتور فرانكل” الذي يدعو أن يترك الباب مفتوحًا
للدين، ويترك الأمر للفرد ليقرر معنى المسؤولية ومضمونها سواء أكانت تجاه الإنسانية أو المجتمع أو الرب.
الدين والصحة النفسية
يرى علماء النفس أن العلاقة إيجابية بين الدين والصحة النفسية، فقد أشارت الدراسات إلى أن المتديّنين أقل عرضة للتورط
في تعاطى المخدرات وارتكاب الجرائم والانزلاق إلى الطلاق بل وللانتحار أيضًا، كما إن هؤلاء المتديّنين كانوا أفضل من
الناحية الصحية الجسمية، وكانوا يعيشون حياة أطول… أما الأمهات المتديّنات ممن لهن أطفال يعانون من أوجه عجز كالتأخر
العقلي، فبعضهنّ كنّ يقاومن الاكتئاب بشكل أفضل. وكان المتديّنون بصفة عامة قياسًا إلى غير المتدينين أقل تعرضاً للطلاق
والبطالة والمرض والحوادث المميتة، وأصبح من الواضح أن الناس المتديّنين يبدون أكثر سعادة وأكثر رضًا عن حياتهم من غير المتدينين.
العلاقة بين العلاج النفسي والاعتقاد الديني
هناك اتجاه في الدراسات النفسية يشير إلى سهولة العلاج النفسي لدى الأشخاص ذوي الاعتقاد الديني القوي، الأمر
الذي دفع بأنصار هذا الاتجاه إلى اعتماد أسلوب علاجي نفسي عُرف “بالعلاج الروحي” القائم على دعم الجانب الديني في
شخصية الفرد، ويركز هذا الموقف على الأثر الإيجابي للدين في تكوين ونمو واستقرار الفرد نفسيًا.
خاتمة أمل
لا يمكن للخلاف أن ينتهي، ولكن يمكن للإنسان أو يوفق بين أفكاره وما يعرض عليه من أدوات جديدة تساعده ليحيي
الأمل في نفسه والسعادة في حياته والحب في مجتمعه.
~