القسوة قُنبلة موقوتة!
يروي الأفارقةُ في حكاياتهم الشعبية، إن أسداً شَرِهاً جداً كان لا يتوقف عن إصدار الأوامر! وإنه قد حظرَ على رعيته أكل العنب!
قال لهم: أنا وحدي آكل العنب!
وأصدر مرسوماً ملكياً يُقرر فيه أن احتكاره لأكل العنب هو إستجابة لإرادة إلهيَّة!
عندئذٍ توغَّلَ أرنبٌ ذكيُّ في الغابة الكثيفة، وأثار صخباً رهيباً بتكسير الأغصان، والتأرجح على النباتات المتسلقة!
ثم نادى بأعلى صوته: حتى الفيلة نفسها سوف تطيرُ! لقد جُنَّ جنون الريح، سوف يأتي الإعصار لا محالة!
واقترح الأرنبُ حماية الملك بتقييده إلى أشد شجرة متانة!
وبالفعل نجا الأسدُ، المُقيَّد جيداً، من الإعصار الذي لم يأتِ!
بينما كان الأرنب، ومعه بقية الحيوانات، يأكلون العنب حتى آخر حبة!
الكثير من الآباء يتعاملون مع أولادهم بهذه القسوة التي كان الأسد في القصة يتعامل بها مع حيوانات الغابة، متناسين أن القويَّ لا يبقى قوياً إلى الأبد، والضعيف لا يبقى ضعيفاً إلى الأبد!
أنتَ الآن يمكنك أن تضربَ وتُؤذي، ولكن مع الزمن ستضعف وهم سيشتدُّ عودهم، وستفقد أقوى أسلحتك، وستحصدُ الآن هذا الغضب الذي زرعته فيهم لسنوات، ما من إنسانٍ مجروحٍ إلا ويُفكِّر في ردِّ الأذى ولكن تمنعه الموانع، ولكن الموانع مع الوقت تزول! وبالطبع لا شيء يُبرر أن يعقَّ الأبناء آباءهم، ولا أن يرفعوا أصواتهم في وجوههم، ناهيك أن يرفعوا أيديهم، غير أنَّ القنابل قد تنفجر، وقد كنتَ دوماً تصنع قنبلة موقوته، فلا تلم إلا نفسك إذا تأذيتَ من انفجارها!
أنتَ الآن ربُّ الأسرة، المال بيدكَ، والجميع محتاج لكَ، ولكن الأدوار ما تلبث أن تنقلب، وأدوار البطولة تتوارث! وبالطبع إن ترك الآباء للدنيا تنهشُ بهم بعد أن كبروا عقوق، ولكن الأولاد العاقين في الغالب يُصنعون، فلا تصنع بيدكَ وحشاً، ثم إذا كنتَ أول فرائسه، جئتَ تشكو وتندب!
الحزمُ مع الأولاد مطلوب، ولكنه حزم الحنون، مبضع الجرّاح المشفق الذي لا يطال إلا موضع المرض، وبين الحزم والقسوة مسافة أبعد مما بين المشرق والمغرب!
والدلال الزائد عن حدِّه مفسِدٌ للأولاد، ومن الحكمة أن لا تُلبَّى كل مطالبهم، ولكن وضع السَّيف موضع الندى مُهلِك! وإعداد الأبناء للحياة شيء والبخل والحرمان شيء آخر!
التربية بالقسوة تبني الخوف الذي يزول عندما تزول الرقابة، ولكن التربية بالحُبِّ واللين وغرس القيم تنبي الإنسان المبدئي الذي تكون رقابته على نفسه أقوى من رقابة الآخرين عليه!