بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
إذا لم يَخُنْ صَبُّ ففيمَ عِتابُ
وإن لم يكنْ ذَنْبٌ فمِمَ يُتابُ
أجلْ مالنا إلاّ هواكمْ جِناية
فهل عندَكم غيرَ الصُّدودِ عقاب
أيا دُرَّةً من دونِ كَفٍّ تَنالُها
لبحر المنايا زَخْرةٌ وعُباب
أما تَتّقينَ اللهَ في مُتَجَرِّعٍ
كُؤوسَ عذابٍ وهْيَ فيكِ عذاب
تُريدينَ أن اَشْفي غليليَ بالمُنى
ومن أينَ أروَى والشَرابُ سَراب
وقفْتُ بأطلالِ الدِيارِ مُسَلِّماً
وعَهْدِي ومْلءُ الواديَيْنِ قباب
فأبرَق عُذّالي مَلاماً وأرعَدوا
وأمطرَ أجفاني فتَمَّ سَحاب
بهِ غَنِيتْ أرضُ الحِمىَ عن مُصبَّحٍ
يقول سقَى دارَ الرّبابِ ربَاب
ولم أنسَها لمّا تَغنّتْ حُداتُهم
وللعيسِ من تحتِ الرحالِ هِباب
وقد حان منّي أنْ رَميتُ بنظرةٍ
وقد حُطَ عن شمسِ النهارِ نِقاب
وأذْرَيت لمّا خانَني الصَّبرُ عَبْرةً
فسالتْ بأعلَى الأبرقّينِ شِعاب
فقالتْ ليَ الحَسْناءُ غالطْتَ ناظري
وبعضُ بُكاءِ العاشقينَ خِلاب
فوَجْهِيَ شمسٌ والفراقُ ظَهيرةٌ
وخَدُّك أرضٌ والدُّموعُ سَراب
فقلتُ معاذَ اللهِ أخدَعُ خُلّةً
على حينَ زُمّتْ للرّحيلِ رِكاب
فما دونَ دُرِّ الدّمعِ خِيفةَ نَهْبه
إذا بِتُّ من جَفنَيَّ يُغلَقُ باب
ولكنّني ما كنتُ أوّلَ صاحبٍ
تَجنّى عليه ظالمِينَ صِحاب
فكُذِّبَ في دَعْوَى الهوَى وهْو صادقٌ
وصُدِّقَ للواشِينَ فيه كِذاب
وما ارتابَ بي الأحبابُ إلا بأنّهم
إذا نُظِروا كانوا الّذينَ أَرابوا
وها أنا قد أرضيَتُ جُهْدي وأسخَطوا
وأصفَيْتُ ما شاؤوا الودادَ وشابوا
وقد رابني دهرٌ بَنوهُ بهِ اقتَدوا
كما اطّردتْ خلْفَ السِنانِ كِعاب
ولم يَدْعهُم داعي الزّمانِ ليُسرِعوا
إلى الغَدْرِ إلا دَعْوةً فأجابوا
وخَطٍّ عَلاهُ الوَخطُ فاغبرَّ قَبلما
تَترّبَ في كَفِ العَجولِ كتاب
وما أدّعِي أن الهمومَ اقتَنَصنَني
ببازٍ بَدا من حيثُ طارَ غُراب
ولا أنّ تاجَ الشَّيبِ أَضحَتْ لعَقْدهِ
مَمالكُ أَطرابي وهُنّ خَراب
فمِن قبلِ الشَيبِ لم يَصْفُ مَشْربٌ
لِعَيْشي وأغصانُ الشبابِ رِطاب
وقَلّ غناءً عن فؤادٍ مُعَذّبٍ
بأنْ يتَجّلى كيف شاء إهاب
إذا مَرّ في الهمّ الشبابُ على الفتَى
فإنّ سوادَ الشَّعْرِ منه خِضاب
وإنْ شابَ في ظلّ السّرور فَفَرعُه
نهارٌ بياضُ اللْونِ منه شَباب
وما عَجَبي من غَدْرةِ الفَوْدِ وَحْدَه
فعِندي أمورٌ كُلُّهُنَّ عُجاب
زمانٌ يَجُرُّ الفضْلُ فيه مَهانةً
كأنّ مديحَ النّاس فيه سباب
وعينٌ رأتْ منهم هَناتٍ فأَغمضَتْ
وقومٌ رَجَوا منّي السِقاطَ فخابوا
يُجاذبُنِي فضْلَ الوقارِ مَعاشرٌ
وهل من مُزيلٍ للجبالِ جِذاب
وحَسْبُ امرىءٍ ألا يُعابَ بخَلَّةٍ
ولكنْ زمانُ السّوء فيه يُعاب
فكم قائلٍ لمّا تدَبّر والفتى
له خطَأٌ فيما يُرَى وصواب
لقد هَرِم الدُّنيا فلو بُدِّلَتْ لنا
بأُخرى تَجيءُ النّاسَ وهْي كَعاب
وما هذه الأفلاكُ إلا مُدارةٌ
على شكلٍ الأحرارُ فيه غِضاب
فلو نقِضَتْ يوماً وأُحدِثَ نَصبْهُا
وما في صنيع اللهِ ذلك عاب
رَجونا من الشكلِ الجديدِ لفاضلٍ
أطالَ سلاماً أنْ يكونَ جَواب
كما نُقِضَ الشَطْرَنْجُ لليأسِ نَقْضةً
وعاد رَجاءٌ حين عادَ لِعاب
فقلتُ له هَوِّنْ عليك فطالما
تذلَّلتِ الأحداثُ وهْي صِعاب
ولا يأْسَ من روْحٍ منَ اللهِ عاجلٍ
فكم نالَ شَمساً ثُمَّ زالَ ضبَاب
وكم قد هَوى من قُلّةٍ الأُفْقِِ كوكبٌ
وكم ثارَ من تحتِ النِّعالِ تُراب
ولكنْ لكُلٍّ غَيْبةٌ عن مكانِه
وعمّا قليلٍ رَجْعَةٌ فإياب
فلا تُكْثِرَنْ شكْوى الزّمان فإنّما
لكُلِّ مُلمٍّ جَيْئةٌ وذَهاب
وقد كان ليل الفضلِ في الدهرِ داجياً
إلى أنْ بَدا للناظِرينَ شِهاب
بِعَوْدٍ كما عاد الكَليم بنُجْحِه
إذا جَدَّ بالعاشي إليه طِلاب
هُمامٌ تَجَلّى في الزمانِ فأقبلَتْ
إلى العِّز منّا تَشرئبُّ رِقاب
وكالشّمس ما إن تُضرَبُ الحُجْبُ دونه
ولكن بفَضْلِ النّورِ عنه حِجاب
غمامُ ندىً والمادِحونَ جَنوبُه
إذا ضَمّهم والزائرين جَناب
فمن فضّةٍ طُولَ الزّمانِ فَضيضةٍ
ومن ذَهَبٍ يَنهَلُّ منه ذِهاب
وبيتُ عُلاً عنه صَوادِرَ لم تَزَلْ
حقائبُ وَفْدٍ مِلّؤهنّ ثَواب
تَقاسمُ أيدي الوافدينَ تِلادَه
كأنّ لُهاهُ للأكُف نِهاب
من القوم أمّا في النّدَى فأكفُّهم
رياحٌ وأمّا في الحُبا فهِضاب
يُريكَ الكرامَ الذّاهِبينَ لِقاؤه
فلُقْيَتُه حشْرٌ لهم ومآب
طليقُ المُحيّا لم يزلْ من لسانِه
تَفِرُّ خطوبٌ إذ يُكرُّ خِطاب
لكشْفِ نقابِ الغيبِ عن وجه ما انطوَى
عنِ الخَلْقِِ يغْدو الدهرُ وهْو نِقاب
له مَنْطِقٌ ماءُ النهى منه صَيبٌ
وفِكْرٌ سهامُ الرأي عنه صِياب
وأَعطيةٌ للفاضلينَ جزيلةٌ
وأفنيةٌ للزّائرينَ رِحاب
حوَى من ثناء النّاسِ أوفَى نصيبهِ
كريمٌ له في الأكرمينَ نِصاب
وغَيْثٌ على حين البلادُ جديبةٌ
وليثٌ على حين الأسنّةُ غاب
من الغُلْبِ فَرّاسُ الفوارسِ ضَيغمٌ
له الرُّمح ظُفْرٌ والمُهنّدُ ناب
قليلُ احتفالٍ بالحروبِ وهَوْلِها
إذا بَرقَتْ تحت العَجاج حِراب
إذا اهتزّ رمْحٌ قال راوغَ ثعلبٌ
وإن صَلّ سَيْفٌ قال طَنّ ذباب
أَمِنْتُ على عَلياه عينَ زمانِه
وأضحَى لِسيفِ اللهِ عنه ضِراب
فَمرْآهُ مِرآةٌ من البِشْرِ كُلّما
رنَتْ حَدقُ الأقوامِ وهي صِلاب
متى مارَموْها بالعيونِ فإنّما
لأنفُسهم لو يَعلمَونَ أصابوا
فِدّىً لك قومٌ في العلاء أُشابةٌ
فأنت من الغُرّ الكرام لُباب
وهل يَبلُغُ الحُسّادُ شأوَك في العُلا
ويأْتي على فَضْلٍ حَوْيتَ حساب
وللمُلْكِ أسرارٌ حَفِظْتَ وضيَّعوا
وللنّصرِ أيامٌ شَهِدْتَ وغابوا
فلو كان ضوءُ الشَّمس مُمسي كمُصَبحٍ
لقُلْنا لها في الأرض عنكِ مَناب
ولو كان لُجُّ البحرِ عذْباً مُجاجُه
لقيلَ لكأسٍ من ندّاكَ حَباب
ألا يا مُجيرَ الدّولتَيْنِ دُعاءَ مَنْ
يَجوبُ بعيداً ذِكُره فَيُجاب
إليك غَلْبنا الدّهْرَ قِرْناً مُكاوِحاً
إلى أن بلَغْنا والعلاءُ غِلاب
وقد جبْت أرضاً كالجبال سُهولُها
فقُلْ في جبالٍ ثُمّ كيف تُجاب
أطيرُ إلى ناديكَ فَرْطَ صَبابةٍ
كأنّيَ في تلك العِقابِ عُقاب
فحتّى متَى دَلْوِى يُقَعْقَعُ شَنُّه
وقد مُلِئتْ للآخرينَ ذِناب
ومالي بفَضْلٍ فَضْلُ مالٍ تَحوزُه
يَدايَ فذاك الشُّهْدُ عنديَ صاب
ولكنْ حُقوقٌ ما أُقيمَتْ فُروضُها
ففاتَت وقاضي الفائتاتِ مُثاب
وصُحْبةُ أسلافٍ قديمٌ تَحَرُّمِي
بها نَسَبٌ لي لَو رَعَيتَ قُراب
وعندي دِلاصٌ للكريمِ مُضاعَفٌ
لها الدَّهرَ أفواهُ الرُّواةِ عِياب
به في صُدورِ النّاسِ يُفرَش لي هوىً
ويُحرَشُ من بينِ الضُّلوع ضِباب
فَدُونك بالعِقْدِ الثّمين تَحَلّياً
إذا نيطَ بالجيدِ الذَّليلِ سِخاب
وعشْ للعُلا ماكَرَّ فارسُ أَدْهَم
له الصُّبْحُ سيفٌ والظلامُ قِراب
جَمعْتَ لأهلِ الدَّهرِ بأْساً ونائلاً
فلا زِلْتَ فيهم تُرتَجَى وتُهاب