1- ثم انتقلت السورة لذِكرِ حادثة تحويل القِبلة من بيت المَقْدِس إلى البيت الحرام، وهي أكبر حادثةٍ تشريعيَّة في الإسلام بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن عليه، وهي أعظم أمرٍ أقَضَّ مضاجع بني إسرائيل بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا وطَّأ القرآن لذلك بذِكرِ ما سيقول السفهاء من الناس - يعني اليهود - معترضين على حكم الله؛ وذلك تقويةً لقلب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ [البقرة: 142]، فرَدَّ عز وجل عليهم وبيَّن له صلى الله عليه وسلم كيف يرُدُّ عليهم، كما بيَّن نعمته على هذه الأمَّة بجعلهم أمَّةً وسطًا؛ ليكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليهم شهيدًا، وبيَّن الحكمة من تحويل القِبلة، وهي معرفة مَن يتَّبِع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، وطَمْأَنَهم بعدم تضييع صلاة من صلَّوا إلى بيت المقدِس قبل تحويل القِبلة، ثم أمَرَه صلى الله عليه وسلم بالتوجُّه شطر المسجد الحرام، وأمَرَ أمَّتَه بذلك، وبيَّن أن أهل الكتاب يعلمون أنه الحقُّ من ربِّهم، وأنه لو جاءهم كلُّ آية ما تَبِعوا قِبلتَه، وما بعضهم بتابعٍ قِبلةَ بعض، وحذَّره من اتِّباع أهوائهم، وبيَّن أنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم لكنهم يكتمون الحق وهم يعلمون، وبيَّن عز وجل أنه الحق الذي لا مِريةَ فيه، ثم أكَّد عز وجل الأمرَ له صلى الله عليه وسلم ولأمَّتِه بالتوجه شطر المسجد الحرام؛ لئلا يكون للناس عليهم حجة إلا الذين ظلَموا منهم، ولإتمام نعمته عليهم وهدايتهم، كما هي نعمته الكبرى عليهم قبل ذلك بإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم، يتلو عليهم آياتِه ويزكِّيهم، ويعلِّمهم الكتابَ والحكمة، ويعلِّمهم ما لم يكونوا يعلمون، ثم ختم الآيات في هذا بقوله: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]؛ إشعارًا بعِظَمِ هذه النِّعمة على الأمَّة، وهي تحويل القِبلة إلى البيت الحرام قِبلةِ إبراهيم عليه السلام، ووجوب ذِكرِ الله وشكرِه عليها..
2- أمر المؤمنين بالاستعانة بالصبر والصلاة، وبخاصة عند المصائب، واحتساب مَن يُقتَل في سبيل الله أحياءً عند الله تعالى، واحتساب ما يحصل من الابتلاء بالخوف والجوع ونقص الأموال والأنفُس والثمرات عند الله عز وجل، وختم هذا بالبشارة للصابرين ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 156]، وأثنى عليهم ووعَدَهم بالرحمة، وحصر الاهتداء فيهم.
3- بيان أن الصفا والمروة من شعائر الله، ومشروعية الطواف بهما.
4- ذمُّ الذين يكتُمون ما أنْزَلَ الله من البيِّنات والهدى ولعنُهم، إلا الذين تابوا وأصلحوا وبيَّنوا، والوعيد لمن كفروا وماتوا وهم كفار باللعنة والعذاب.
5- إثبات ألوهية الله عز وجل ووحدانيته ورحمته، والتنبيه على آياته في خلق السموات والأرض، وفي الكون كلِّه، الدالة على تمام قدرته وكمال عظَمتِه لذوي العقول.
6- ذم الذين يتخذون أندادًا من دون الله، ويُشركونهم مع الله، وتصوير سوء حال المتبوعين وأتباعهم يوم القيامة، وبراءة بعضهم من بعض، وعداوة بعضهم لبعض، ورؤيتهم أعمالهم حسراتٍ عليهم، وخلودهم في النار.
7- أمر الناس بالأكل مما في الأرض حلالًا طيبًا، وتحذيرهم من اتباع خطوات الشيطان وأوامرِه السيئة، والقول على الله بلا علم.
8- ذم المشركين والكفار في تقليدهم آباءهم من غير تعقُّل وعلى غير هدى، وتمثيل حالتهم بحال الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداء، صمٌّ بكم عُمْيٌ فهم لا يعقلون.
9- أمر المؤمنين بالأكل من طيبات ما رزَقَهم الله، وشكره وعبادته، وبيان المحرَّم عليهم، وإباحة الأكل منه عند الضرورة.
10- ذم الذين يكتُمون ما أنزل الله من الكتاب، ويشترون به ثمنًا قليلًا، ويشترون الضلالة بالهدى، وحرمانهم تكليمَ الله وتزكيته لهم، وتوعُّدُهم بالعذاب الأليم، وبيان أن الله أنزل الكتاب بالحق، وأن الذين اختلَفوا فيه لفي شقاقٍ بعيد.
المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »