عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ: أَمَرَنِي مَوْلاَيَ أَنْ أُقَدِّدَ لَحْمًا، فَجَاءَنِي مِسْكِينٌ، فَأَطْعَمْتُهُ مِنْهُ، فَعَلِمَ بِذلِكَ مَوْلاَيَ فَضَرَبَنِي
فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللّهِ فَذَكَرْتُ ذلِكَ لَهُ، فَدَعَاهُ فَقَالَ: «لِمَ ضَرَبْتَهُ؟»، فَقَالَ: يُعْطِي طَعَامِي بِغَيْرِ أَنْ آمُرَهُ، فَقَالَ: «الأَجْرُ بَيْنَكُمَا».
وفي رواية أن عُمَيْر مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ: كُنْتُ مَمْلُوكًا، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ: أَأَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِ مَوَالِيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَالأَجْرُ بَيْنَكُمَا نِصْفَانِ»؛ رواهما مسلم.
شرح ألفاظ الحديث:
((مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ)): عمير راوي الحديث كان مولى عند آبي اللحم - رضي الله عنه - و(آبي اللحم) اسمه عبد الله، وقيل: خلف، وقيل:
الحويرث الغفاري، وسُمي بذلك؛ لأنه كان لا يأكل اللحم، وقيل: لأنه ضرب عبده حين دفع اللحم، وقيل: لأنه لا يأكل ما ذُبِحَ على الأصنام
وهو صحابي استُشهد يوم حنين، وراوي الحديث مولاه عمير؛ [انظر شرح مسلم للنووي حديث (1025) وانظر المفهم (3/68). حديث(890)]
((أُقَدِّدَ لَحْمًا)): أي أقطعه.
من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى:الحديث فيه دلالةٌ على أنه يجب على الخادم أو المملوك أن يستأذن سيده في التصدق بشيء لا يرضاه سيده
أو يغلب على ظنِّه عدمُ رضا سيده، ووجه ذلك أنه حينما ضربه وعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - سببذلك لم يَلُمْه النبي
- صلَّى الله عليه وسلَّم - على ضربه إياه، ووجه أن العبد مأجورٍ، مع أنه فعل ذلك من غير إذن سيده محمولٌ
على أن العبد إنما فعل ذلك بعد اجتهاده، وظنِّه أن سيده راضٍ بما فعل، فأُجر على نيته. والإذن على نوعين:
الأول: إذن صريح، كأن يُصرِّح المالك لخادمه أو لزوجته في أن تنفق أو تتصدق، فيقول لها أو له: كل من جاءك يطلب، فأعطه من هذا، أو لا تردُّه.
الثاني: إذن مفهوم، وهذا مرجعه إلى العُرف ولو لم يتكلم المالك ويصرِّح بالإذن فيه، وإنما جرت العادة بالسماح به كيسير الطعام ونحوه.
أما النفقة من شيء لم تَجْر العادة بالسماح به من غير إذنه، فلا يثبُت فيه أجرٌ، بل على الخادم وزرٌ بتصرُّفه
في مال سيده بغير إذنه؛ [انظر شرح مسلم للنووي حديث (1025)].
الفائدة الثانية: الحديث فيه دلالة على أن ثواب الخادم على النصف، فقد قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «الأَجْرُ بَيْنَكُمَا»
وفي اللفظ الآخر: "الأجر بينكما نصفان"، وتقدَّم في الحديث السابق أن أجر الخازن وكذا السيد كاملًا؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"لا ينقص بعضهم أجر بعضٍ شيئًا"، وفي ظاهر هذا تعارض، و الجمع بينهما أنه ليس معنى «الأَجْرُ بَيْنَكُمَا» أنهما يتقاسمان الأجر
بينهما بالسوية ويزدحمان عليه، بل المراد بقوله (بَيْنَكُمَا)؛ أي لكلٍّ منكما أجرٌ، لهذا نصيب بماله، ولهذا نصيب بعمله
ولا يلزم من ذلك تساوي النصيبين، هذا موجز جمع النووي بين الحديثين، وقيل غير ذلك، والله أعلم.
_ الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح.