بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
رأيت في أحاديث حجة الوداع كيف ركز النبي صلى الله عليه وآله في خطبه وكلامه وتصرفاته على مقام أهل بيته عليهم السلام فبشر الأمة بالائمة الإثني عشر منهم.. وبلغها أن الله تعالى جعل وجوب طاعتهم الى جانب القرآن، فسماهم مع القرآن (الثقلين)، وأنه تعالى حرم عليهم الصدقات وجعل لهم مالية خاصة هي: الخمس.. الخ.
لقد كانت خطبه صلى الله عليه وآله في الحج، وما رافقها من أعماله وأقواله، في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، أقصى ما يمكن أن تتحمله قريش من ترسيخ قيادة بني هاشم، و (حرمان) بقية قبائل قريش من القيادة حسب زعمهم، بل تكريس قريش عبيداً طلقاء لبني هاشم!!
ولا تذكر المصادر السنية ردة الفعل الصريحة لزعماء قريش المعروفين على هذه الخطب والأعمال النبوية في حجة الوداع.
ومن الطبيعي أن لا تذكر ذلك.. فهل تريد من مصدر قرشي أن يعترف لك بأن قريشاً لم تكن مرتاحة لكلام النبي صلى الله عليه وآله؟! وأن سهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية بن خلف، وحكيم بن حزام، وصهيب بن سنان، وأبا الأعور السلمي... وغيرهم، وغيرهم.. كانوا مكفهري الوجوه من تمهيد النبي صلى الله عليه وآله لبني هاشم، وأنهم نشطوا في اتصالاتهم مع القرشيين المهاجرين، من غير بني هاشم لمعالجة هذا الإتجاه النبوي الخطير ؟!!
أما مصادرنا الشيعية فتذكر أنهم نشطوا ضد بني هاشم في حجة الوداع، وأن نشاطهم زاد في منى في أيام التشريق، وكانت نتيجة مشاوراتهم ومحادثاتهم أن كتبوا بينهم صحيفة تسميها مصادرنا (الصحيفة الملعونة) لأنهم تعاهدوا فيها أن لا يسمحوا لبني هاشم أن يجمعوا بين النبوة والخلافة!
وتذكر أن بضعة نفر من ممثليهم انسلوا خفيةً من منى الى مكة، ووقعوا الصحيفة في داخل الكعبة!
فكانت صحيفة قرشية جديدة ضد بني هاشم، ولكنها هذه المرة ليست لمحاصرتهم في الشعب باسم اللات والعزى.. بل لعزلهم سياسياً وحرمانهم من القيادة بعد النبي صلى الله عليه وآله، باسم الإسلام!!
وذكرت مصادرنا أن الله تعالى أطلع نبيه صلى الله عليه وآله على هذه الصحيفة، فأخبر أصحابها بفعلتهم، فارتعدت فرائصهم!
ولكنه صلى الله عليه وآله اكتفى بإتمام الحجة عليهم، وترك لهم حرية العمل وفق قانون تبليغ الأنبياء عليهم السلام وواجبهم في إقامة الحجة لله تعالى على عباده!
وإذا كان ما ذكرته الصحاح السنية من لغطٍ وكلامٍ وضجةٍ وصراخٍ في وسط خطبة النبي صلى الله عليه وآله في عرفات، عندما وصل الى نسب الأئمة الإثني عشر من بعده ـ إذا كان ذلك واحداً من فعاليات قريش المنظمة ضد بني هاشم ـ فلا بد أن يكون النبي صلى الله عليه وآله أنبهم عليه أيضاً، وعرفهم أنه مطلعٌ عليه جيداً!!
نتائج حجة الوداع
على أي حال، فقد اعتبر القرشيون أن حجة الوداع مرَّت بسلامٍ نسبياً، فقد تحدث النبي صلى الله عليه وآله كثيراً عن بني هاشم وعن عترته وعن ذريته من فاطمة، وعن اختيار الله تعالى لهم، وللأئمة منهم، وعن تحريم الصدقات عليهم، وفرض الخمس لهم.. ولكنه لم يتخذ إجراءً عملياً والحمد لله، ولم يطلب من قريش والمسلمين أن يبايعوا علياً كبير العترة، بصفته الإمام الأول من العترة!
أما النبي صلى الله عليه وآله فقد اعتبر أنه بلغ رسالة ربه في عترته بأقصى ما يمكنه، وأن قريشاً لا تتحمل أكثر من ذلك.. فقد وصل الأمر عندها الى آخر حدود الصبر، ولو طلب منها بيعة علي بخلافته، فإنها قد تطعن في نبوته وتتهمه بأن هدفه إقامة ملك لبني هاشم، شبيهاً بملك كسرى وقيصر!!
وبذلك تستطيع قريش أن تقود حركة ردة في العرب، وتخوفهم من القبول بملك بني هاشم بعد النبي صلى الله عليه وآله، ملك يبدأ بعلي ثم يكون للحسن ثم للحسين، ثم لا يخرج من أبناء فاطمة الى يوم القيامة!
وقد سجلت المصادر شبيه هذه العبارات، على ألسنة زعماء قريش! وكأن الملك ملك محمد صلى الله عليه وآله وكأنه هو الذي أعطاه أو يريد أن يعطيه لعترته عليهم السلام !!