انتهت أجازته وركب الطائرة عائداً إلى بلده..
بجانبه امرأة مسنة تدل هيئتها ولباسها بأنها ريفية ..
في الطائرة قاموا بتقديم وجبات الطعام ومع كل وجبة قطعة حلوى بيضاء ..
المرأة المسنة اعتقدت أن قطعة الحلوى البيضاء هي قطعة جبن، لقوة التشابه بينهما، فبدأت تأكلها مع الخبز..
وعندما تذوقتها اكتشفت أنها ( حلوى ) فشعرت بإحراج شديد وخافت أن يكون الرجل الذي بجانبها، قد اكتشف أمرها فيضحك أو يسخر منها..
بالفعل الرجل لكثرة أسفاره يعلم أنها حلوى، ورآها وهي تأكل الحلوى بالخبز، لكنه تظاهر بأنه لم يرَ ما حصل، ولم ينتبه، وأنه مشغول بنفسه لا يدري عنها شيئا..
ثوان قليلة..
وقام هو أيضا بفتح قطعة ( الحلوى ) وأخذ يأكلها مع الخبز كما فعلت المرأة المسنة تماماً فضحكتْ المرأة..
فقال لها :
سيدتي: أنت سبقتيني في الأكل لماذا لم تخبريني بأنها حلوى، ظننتها جبنة.
فقالت المرأة :
وأنا كذلك كنت أظنها جبنة مثلك !!
فضحكا سويا من الموقف، وتم تمريره بذكاء وأخلاق، وتم الحفاظ على مشاعر المرأة المسنة..
البعض يعلم أن جرح المشاعر أشد من كسر الزجاج..
بالتأكيد: هذا الرجل كان يعرف أنها ليست جبنة ، ويعرف أنها رحلة وتنتهي ،
ويعرف أنها مجرد امرأة مسنة وبسيطة ..
وربما غيره لو كان مكانه ما كان ليبالي أو يهتم بمشاعرها
ولجعلها أضحوكة وتسلية وإثارة..
* الحفاظ على مشاعر وقلوب الناس لايقل أجراً عن أي عبادة ، اجبروا الخواطر وراعوا المشاعر ، انتقوا كلماتكم ، سنرحل ويبقى الأثر .
ومن سار في الناس بجبر الخواطر أنقذه الله من جوف المخاطر.
من السلف:
ورد أن حاتم الأصم من علماء وقضاة السلف كان يستمع لشكوى امرأة بمجلس القضاء، فسمع منها صوتَ ريحٍ، فكأنما نزلت على المرأة صاعقة، فبادر القاضي وأخذ يكرر عليها بأن تعيد شكواها فإنه لم يسمعها، فأعادت مرات وهو يقول لم أسمع، ففرحت المرأة واطمأنت أنها مستورة.
ثم ظل القاضي بعدها يتظاهر للناس بعدم السماع، حتى اطلق الناس عليه: حاتم الأصم.
وهذا ما يسمى عند السلف وأهل العلم: