.. أريد أن أرتدي استقراري، لكن روحي المتوحشة تفتح ثقباً في قواقع حلزون الاستقرار، لتنطلق هاربة إلى فضاءات الدهشة، وفي محطات الإعصار تركب القطار مع الشعراء الجوّالين من رعايا شهوة الحرية وحاسة الليل، بعد أن تشتري "تذكرة بلا عودة". *** أريد أن أرتدي حياتي المفصّلة على (الباترون) العام، لكن روحي المتمردة، ترفض الدخول في فساتين الدانتيل المقولبة كالأحذية.. وعبثاً أقسرها على ارتداء القفازات المخملية للمصافحات اللزجة، وألملم شعرها المجنون تحت تاج السهرات الكرنفاليه، وأسرحه بغير الأزهار البرية من منافي الحرية، وأغطي وجهها بقناع يليق بالمسرحيات الطاووسية، وأدسّ في حنجرتها شريط تسجيل مدججاً بالبلاغة الطبلية.. وحينما أحيط عنقها بعقد اللؤلؤ الثمين والبارد، تقطعه وترحل إلى قاع المحيطات لتسامر الأصداف النابضة باللؤلؤ الحي.. أتمنى أن أرتدي النوم (بدلاً من قميص الكوابيس) وأغلق أزراره جيداً على روحي، في سرير وثير تحيط به الهواتف المذهبة والأزرار.. وله خادمة توقظ التثاؤب بمروحة من ريش النعام.. وتغني لي بصوت من أفيون القمر حتى أنام.. لكن روحي تقص قصبة من خيزرانة السجّان، وتثقبها بصرخة صامتة من حزنها فتصير ناياً، وتنطلق بها هاربة إلى حقول الحرية، وهي تعزف صدقها في ناي أحزانها كمن يبكي عبر حنجرة مقطوعة مزنَّرة بالكمّامات وهو ينطح الأسلاك الشائكة المزروعة حول العيون العدوانية، بدل الأهداب ، أسلاك شائكة تُسوّر الغيوم عقاباً للطيور.. *** أريد أن أرتدي حبك لا قيد حبك، أريد أن أدخل في فضائك الشاسع لا في قفصك الذهبي، لا أريد أن تحبني حتى الموت أريد أن تحبني حتى .. الحياة! لا أريد أن تحبني إلى الأبد: أحبني الآن! *** مئات الأعوام والانهيارات تحاصرني.. وأنا أطفو فوق الأنواء كعصفور الزلازل.. أطير صوب الشمس ولو أحرقت طرف جناحي.. مئات الأعوام وأنا أشتعل راحلة من رمادي إلى ضوئي، وقلبي محبرة بحجم قنبلة يدوية، تهدد بالانفجار باستمرار.. أنا المرأة التي غرقت بها المراكب كلها وخذلتها وحين لم يبقَ لها من الأشرعة غير جناحيها تعلّمت كيف تتحول من امرأة إلى نورس. *** منذ مئات الأعوام رفضت أن أحيا في حدائق التعاسة المرفهة المزينة بورود اصطناعية من حرير الشهوات المذعورة وتنهدات العوانس المتزوجات اللطيفات بعيونهن المكحلة بالدمع المعلّق الذي لا يجف ولا يهطل وأيديهنّ التي تداعب أصابع البيانو بالحسرات والأمنيات المكبوتة والتنهدات تسيل من أجسادهن سراً مثل بكاء الشموع في محراب الأحزان الرائعة المقدسة.. من زمان، كرهت غادة الكاميليا وفرتر وفرجيني والمنفلوطي والتضحيات النرجسية في محراب عبادة الذات المزدوجة، وقررت أن أهبط إلى قاع الليل الأرضي، والنهار لتلامس أبجديتي كل ما تدّعي معرفته وترقص تحت الشمس كتمساح أفريقي صغير يطارد ذيله ببراءة زوربا الراقص في الطين مكتشفاً النجوم محلّقاً بعيداً عن حضارات تعشق بهجة الألم للألم. *** منذ مئات الأعوام، طرّزت ولادة على طرف ثوبها: "أنا والله أصلح للمعالي وأمشي مشيتي وأتيه تيها أمكّن عاشقي من صحن خدي وأعطي قبلتي من يشتهيها" تُرجم اليوم ولادة في عشرات المدن العربية، إذا قالت لجارها صباح الياسمين والفل أو اعترفت أنها قالت لحبيبها قبل ربع قرن: أحبك!! *** قطفتُ حبك وردة أسطورية لا مثيل لها وركضت بها فخورة إلى مضارب قبيلتي فأعلنتْ بعض الخيام الحداد رافعة الأعلام السود!.. ماذا أقول لمن يركض إلى الملجأ، حين يسمع كلمة "حب" ويدق طبول الحرب، بعد أن يقرع صفارات الإنذار، ويطلق النار؟ |
|
|
|
|
]