بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
تفسير آيات - سورة الحج: خريف العمر.
أيها الأخوة الكِرام: من خلال التأمل في خريف العمر الذي يمرُ بِهِ كُلُ الناس يتضّح أنَّ أُناساً يعيشونَ عمراً مديداً في صحةٍ طيبة وفي مكانةٍ عليّة وفي ملكاتٍ عالية، ملكاتُهُ عالية، والصحة طيبة، ووجود قوي، وقد يتوفّى وفقَ سُنّة رسولِ الله ثلاثة أيام، يعني أحد إخواننا.. أنا كنت مسافر.. بالعيادة توفي يعني تقريباً كان عمرهُ تسعين سنة عاش بصحة طيبة جداً ومات بأيام ثلاثة وفقَ سُنّة رسولِ الله، وقد تجد إنسان يُعاني من المرض ما يعاني، يعاني من ضعفِ الذاكرة، يعاني من تخلّف العقلِ، هذا اسمهُ أرذل العمر، الحقيقة في قانون، الإنسان إذا نَشَأَ في طاعة الله وكانَ مستقيماً على أمرِ الله لَهُ مكافأةَ في الدنيا قبلَ الآخرة، مكافأتُهُ في الدنيا أنّهُ يُمتّعُ بصحَتِهِ إلى أمدٍ طويل، والإنسان إذا خَرَجَ عن منهجِ الله كأّنَ خريفَ العُمر يلُخّص شبابَ العُمر، فمن أفنى شبابَهُ في طاعة الله متّعَهُ اللهُ في خريفِ عُمُرِهِ بمكانةٍ عليّة وملكاتٍ قوية وصحةٍ طيبة وهذا شيء ثابت، يعني قد تجد أُناس صالحين عمّروا عُمر مديد، تمتّعوا بِصحتِهم وقوتِهم وسمعِهم وبصرِهم وذاكِرَتِهم، لي صديق لَهُ أب صالح فيما أعلم زُرتُهُ في العيد قالَ لي أنا أجريت تحليل البارحة وكلهُ طبيعي وعمرُهُ 96 سنة كامل التحليل، كُل النِسب طبيعية، يعني أعرف أُناس كثير عاشوا عُمر مديد والصحة طيبة وتجد أُناساً يعني عانوا من ضعف في ذاكرِتِهِم في خَرَفْ، في يعني خريف عُمر كما قالَ اللهُ عزّ وجل:
﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾
)سورة الحج الآية 5(
يعني حدثني أخ لَهُ والدة قالَ لي نحنُ نقوم بتمديدها ونقوم بتربيط أرجلِها وأيديها، لماذا ؟ قال لو أُطلِقت يداها لأكلت غائِطَها وخَلَعت كُلَّ ثيابِها، أصبحَ لها على هذهِ الحالة حوالي عشر سنوات، ما من واحدٍ إلا ويتمنى أن تموت حتى أقربَ الناسِ إليها، الآية الكريمة:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)﴾
(سورة الحج)
هذهِ من للتبعيض، هناكَ من يفقِدُ ذاكِرَتَهُ يدخُلُ عليهِ ابنُهُ يقول لَهُ من أنت، هناكَ من تضيقُ أخلاقُهُ إلى درجة لا يُحتمل، فيا أيها الأخوة الكِرام أحد العلماء عاشَ أيضاً عمراً مديداً وتمتّعَ بِقِوامٍ وصحةٍ وسمعٍ وبصرٍ فإذا سُئِل عن هذهِ الصحة يقول يا بُني حفظناها في الصِغر فَحَفِظَها اللهُ علينا في الكِبَر، هذهِ ليست قانون قطعي لكن يُستأنس بِهِ، يعني اللهُ لَهُ حِكم قد تجد إنسان صالح اللهُ ابتلاهُ بِمرض في آخر حياتِهِ، على كُلِ مالَكِ يا بُنيّتي قالت حُمى لَعَنَها الله قالَ لا تلعَنيها فو الذي نفسُ محمّدٍ بيده لا تدعُ المؤمِنَ وعليهِ من ذنب، للمؤمن جميع المصائِبِ مُكفِرات، الحديث الأثر القُدسي:
(( وعزتي وجلالي لا أقبِضُ عبدي المؤمن وأنا أُحبُ أن أرحَمَهُ إلا ابتليتُهُ بِكلِ سيئةٍ كانَ عَمِلَها سُقماً في جسده أو إقتاراً في رِزقَه أو مصيبةً في مالِهِ أو ولده حتى أبلُغَ مِنهُ مِثلَ الذرّ فإذا بقيَ عليهِ شيء شددتُ عليهِ سكراتِ الموت حتى يلقاني كيومَ ولدَتُهُ أُمه))
على كُلٍ المؤمن مُكرّم ولو ابتلاهُ اللهُ عزّ وجل لكن الأكمل أن تعيشَ خريفَ عمرٍ تتمتعُ بِقوتِكَ وصحتِكَ وسمعِكَ وبصَرِكَ وملكاتِك، واللهِ أيها الأخوة كُنا في تعزية في حلب فالمُعزّى لَهُ شيخ، شيخ صالح، فدعانا إلى زيارةِ شيخِهِ، واللهِ ما رأيت ملك في مُلكِهِ أهيب من هذا الشيخ عمره تسعين سنة، ملكاته، ذاكرته، طلاقة لِسانه، وجهُهُ المنير، حولهُ إخوانه، حولُهُ أولادُهُ، لم أرى عِز كهذا العِز، إنسان يُطيع الله في حياتِهِ يغُض بَصَرُهُ، يضبِط لِسانِه، يتصّدق، يُصلي، يقرأ القرآن، يُعلّم القرآن، يعني لُهُ عِندَ الله مكافأة في الدنيا قبلَ الآخرة، كثير هناك قِصص، يعني كثير هناكَ أُناس يعملون في الدعوة، قالَ لي عمري 85 سنة والحمدُ لله لا أشكو من شيء، تجد شخص في الـ 37 معطوب، في الأربعين معطوب، فإذا الإنسان حَفِظَها في الصِغر يحفَظُها اللهُ لَهُ في الكِبر، يعني في أمراض والعياذُ بالله يتمنى الموت فلا يجدُهُ.. يتمنى الموت فلا يجدُهُ.. وتجد شخص سُمعَتُهُ طيبة، صحتُهُ طيبة، ملكاتُهُ قوية، يعني من حولُهُ يُحبونَهُ، الإنسان أيام يُصاب بأهلِهِ أولاد عاقّون، والله بلاء كبير هذا، أقسمَ لي بالله رجل قالَ لي واللهِ إذا ابني يُدهس لسوف أعمل مولد، لَهُ ابن عاق لكن لا يُحتمل يُقسم بالله إذا مات في حادث ليُجري مولد ابتهاجا بِموتِهِ، تجد أولاد ذُخر للإنسان باستقامته بخدمِتِهِ لِوالِدِهِ، فالإنسان على قدر ما يُطيع الله في شبابِهِ يظهر في شيخوخَتِهِ، هذا خريف العمر كلنا سوف نمر فيهِ إجباري لا أحد سوف يهرب منهُ، لكن خريف العُمر متعلّق في شباب العُمر، بِقدر ما أنتَ في الشباب مستقيم مُطبّق للمنهج، وقّاف عِندَ كِتاب الله، تؤدي ما عليك تؤدي العبادات لَكَ عِندَ الله خريف عُمر متألق، هذا الشيء واللهِ واضح.
يعني مرة إنسان دخل إلى بيتي قالَ لي كم تُقدّر عمري، والله أنا بحسب اجتهادي قدرّت له ستين سنة، قالَ لي 76 عمري ولا يزال حيّاً حتى الآن القصة من عشر سنوات، قالَ لي واللهِ لا أشكي من شيء أُحس بقوة كأنني حصان، قال أستطيع أن أهدم هذا الحائط، عَمِلَ في وظيفة وفي هذهِ الوظيفة ممكن أن يكون معظم دخلِهِ حرام، قالَ لي واللهِ لم آكل قرش حرام في حياتي، ولا ليرة وكنت في عون الضعيف دائماً والله متعنّي بهذهِ الصحة، لَهُ أولاد قام بتزويجهم ولَهُ أصهار طيبين ولَهُ أولاد أبرار وعايش في بحبوحة، قالَ لي أنا كان معي في الوظيفة أربعين خمسين واحد، قالَ لي مدّوا يدهم للحرام فقَصَمَهُم اللهُ عزّ وجل وماتوا في حادث، اللهُ أفعالُهُ موجودة، أفعالُهُ تشهَدُ لِكلامِهِ، أفعالُهُ تشهَدُ لِكلامِهِ أنّهُ كلامُهُ، فهذهِ كلمة" يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ".
سمعت عن إنسان قلبُهُ قاسي جداً.. جداً لا يلين، كان هوَ طبيب نسائي وحيد.. هذه القصة منذ ثمانين سنة.. وأنا سمعت عنهُ، الوحيد كان ما في غيره، لا يخرج من بيتِهِ إلا بعربة وليرة ذهب، فامرأة فقيرة، تموت.. أبداً.. يبيعون أيام فِراشها من تحتِها يُقدمون لَهُ الليرة الذهب والعربة، لا يلين قلبُهُ أبداً وهوَ كان الطبيب الوحيد، قام بتشييد بناية في شارع نوري باشا وهي أول بناية في المنطقة أُشيدت والآن أنا أعرِفُها البناية حجر مُزخرّف، لها إطلالة على الشام كُلّها، بعد أن سكنها بفترة بسيطة أُصيب بِشلل كامل، فزوجتُهُ خلال أسبوعين ثلاث أعطت أمر بوضعِهِ في القبو لصعوبة وضعِهِ وكانت تغيبُ عنهُ الأيام الطِوال وتُرسل الصانعة مع الطعام لَهُ وكانت قاسية جداً لدرجة بعد حين نقلتهُ إلى بيت آخر بعيد لكي لا تصدر رائِحَتُهُ وعاش ثماني سنوات على هذهِ الحالة، يعني اللهُ عزّ وجل لَهُ أفعال عجيبة، على قدرِ ما تستطيع في شبابك استقم وقُم بخدمة الناس وأطع ربك وقِفْ عِندَ حدود الله واعمل عمل صالح، وهناك آخرة طبعاً، هو الجزاء في الآخرة، وهناك أيضاً جزاء مُعجّل في الدنيا في خريف العمر، جزاء مُعجّل في الدنيا أولاً دائماً هذهِ الآية الكريمة واللهِ أيها الأخوة إذا الواحد قرأها واستوعبها وتملأُ القلبَ طمأنينةً، أنا لا آملُ من هذهِ الآية يمكن قُلتها حوالي ألف مرة:
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾
(سورة الجاثية)