الطفل الصغير الذي يطلب من أبيه أن يشتري له شيئا،
فيتقدم الأب ويعرض على الابن أن يشتري له لعبة مثلا فيرفض الطفل..
ثم يعرض الأب على الطفل أن يشتري له حلوى فيرفض الطفل،
وأخيرا يضيق به الأب فيصرخ في وجهه قائلا: أنت حر..
وهنا يبكي الطفل.. كل طفل.. لأنه سيفكر في الشيء الذي يريده..
فإذا اتخذ قرارا واشترى شيئا وكان هذا الشيء تافها
فسيكون مسؤولا عن ذلك.. والمسؤولية مرهقة..
وكثير من الناس بكوا عندما أعطيت لهم الحرية..
وكثير من المسجونين وقفوا أمام باب السجن يتطلعون إلى العالم الواسع
بخوف وفزع.. كما تتطلع السمكة إلى الشاطئ..
وسبب ذلك أن إقامتهم داخل السجن قد طالت..
وطالت بهم حياة الظلام والرطوبة والقضبان..
وهم لا يعلمون شيئا عن العالم الحر من القيود والسلاسل،
ولذلك فهم يفضلون العودة إلى السجن..
لأن حياة السجن تريحهم من أعباء الحرية.. ولذلك،
أنا لم أستغرب عندما قرأت في الصحف أن إحدى الحكومات
قد استعانت بقوة من البوليس لإخراج أحد المسجونين من السجن..
فقد انتهت مدة عقوبته ورفض أن يخرج من السجن ليستأنف الحياة الحرة.
إن الحرية كالذهب.. ولا أحد يكره الذهب.. ولا أحد يكره الحرية..
ولكن عندما تضع على كتفك وعلى رأسك وعلى صدرك صندوقا كبيرا من الذهب،
ألا تضيق به.. ألا تضيق بثقله؟!
كذلك الحرية ثقيلة.. إنها ثقيلة تنوء بها الجبال.. والآية القرآنية الكريمة تقول:
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ
مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُا !!
هذه الأمانة التي يتحدث عنها القرآن هي المسؤولية..
وهي ثقيلة لا تستطيع الجبال حملها.
ونحن لن نحس بالحرية فورا.. وإنما سنظل بعض الوقت نتوهم أننا
لم ننعم بالحرية بعد.. سنتلمس القيود في أيدينا وفي أرجلنا وفي أفكارنا..
تماما كالذي كان يحمل حملا ثقيلا على كتفيه مدة طويلة..
ثم ألقى الحمل على الأرض، فإن أثر هذا الحمل سيظل باقيا على كتفيه..
أو كالذي ركب الطائرة مسافة طويلة.. ثم هبط منها وبقي أزيزها عالقا بأذنيه!
وبعد ذلك، سنواجه حريتنا بكامل حريتنا.. ستكون لدينا أخطاء..
والإنسان الحر هو الذي يخطئ ولكن بلا شماعات!