بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
{يا أيها الناس اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون}
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالاً كثيراً و نساءاً و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم و يغفر لكم ذنوبكم و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}
و بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم، و شر الأمور محدثاتها، و كل محدثة بدعة، و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار
كان فرعون يشنِّع على نبينا موسى عليه الصلاة و السلام بقوله: {أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين} سنتعرف من خلال هذه الآيات على المهين الذي لا يكاد يبين، و سنكتشف بعون الله ذكاء موسى عليه الصلاة و السلام و براعته في الحوار ، قال فرعون :{ و ما رب العالمين} لقد اكتشف موسى عليه الصلاة و السلام موضع الخلل الأول في عقل فرعون، و هذا ما سنعرفه من خلال رده المباشر: {قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ}يعني قام بإيصال رسالة لفرعون مفادها " هل أنت مقتنع و موقن بما تقوله يا فرعون؟ ألا تحس بغباوتك و أنت تنكر أمراً فطرياً يحس به كل عِرْقٍ ينبض بالحياة؟" و دليل ذلك أن فرعون و هو يغرق في البحر {قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين} يقول شاتوبريان" لم يتجرأ على إنكار الله غير الإنسان" و هنا بدأ العطب يدب في فرعون لأنه لم يتابع الحوار على نفس المحور بل توجه إلى محور آخر فـ {قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ} لكن لماذا أجابه موسى عليه الصلاة و السلام بقوله {قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ}نقطة الضعف الأولى التي كشفها موسى عليه الصلاة و السلام هي أن مخاطبة فرعون لمن حوله دليل على أن فرعون يناقش بموروث الآباء و الأجداد و العادات و التقاليد، مثلما أننا عندما نناقش أحد الناس بمسائل في التوحيد و السنة فيجيبنا بقوله:"كل الناس، و كل خطباء المساجد يفعلون الأمر الفلاني الذي تسمونه بدعة و شرك، و منذ نعومة أظفارنا و صغر عمرنا نراهم و نسمعهم و لا نحسبهم على كل خير و يحبون الله و رسوله صلى الله عليه و سلم، و لقد تخرجوا من المدارس و المعاهد و الكليات الشرعية و حفظوا القرآن، هؤلاء كلهم خطأ و أنتم الصح؟"هذا عن نقطة الضعف الأولى، و نقطة الضعف الثانية هي أن فرعون عندما قال لمن حوله {ألا تستمعون} أراد موسى عليه الصلاة و السلام أن يقول لهم بأن الله هو ربهم و رب آبائهم و أجدادهم قبل أن يخلقهم و يخلق لهم السمع و الأبصار ، ثم تأتي أنت يا فرعون و تقول لهم{ألا تستمعون}و الآن ازداد تخبط فرعون و {قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} اتهمه بالجنون، فـ {قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} خاطبه فرعون بالجنون، فرماه موسى عليه الصلاة و السلام بسهمه قائلاً بما معناه :"إن كنت يا فرعون أنت و من معك أصحاب عقول فتفكر في ما طلعت عليه الشمس في الشرق و الغرب، و تسخير الكون للإنسان، و أنت يا فرعون لا تقدر على طلوع الشمس و لا غروبها، هلّا تعقّلت قليلاً و تذكرت بأن هناك إله فوقك أقوى و أقدر منك و بيده المشرق و المغرب و ما بينهما و أنت الذي ليس بيدك إلا مصر؟" و هنا فقد فرعون صوابه و {قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}
واجبنا إذاً تجاه النبي الذي كان أكثر نبي ذُكِرَتْ قصصه في القرآن - موسى عليه الصلاة و السلام - أن نسير على دربه و نتجنب طريق فرعون، لنلاحظ أنه لا شك في كفر فرعون، و لا شك في أن فعله شنيع و منه ذبح الأطفال الرضّع، لكن موسى عليه الصلاة و السلام لم يقم و من معه بمظاهرات، و لم يحرض على الخروج عليه كما نعلم، لأنه يعلم أن فرعون يمسك بيده رقاب العباد، بل و تعدى ذلك لأكثر من عدم التحريض على الخروج فضلاً عن الخروج :{اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى}و السلاح الثاني الذي أشهره موسى عليه الصلاة و السلام هو نور النبوة المتمثل بالآيات التسعة البينات، لأنه أدرك أن فرعون لم يتسلط على قومه إلا ببعدهم عن الله، فواجبنا أيضاً عودة صحيح إلى الله ، و هذا لا يتأتى إلا بامتثال الأمر النبوي لرسول الله صلى الله عليه و سلم:{طلب العلم فريضة على كل مسلم}
و ما كان من صواب و سداد و توفيق فبفضل من الله وحده لا شريك له، و ما كان من خطأ أو تقصير أو نسيان فمني و من الشيطان ، و الله و رسوله صلى الله عليه و سلم منه براء