بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
مدينة إيسن عاصمة أعظم الإمبراطوريات في بلاد ما بين النهرين
مدينة إيسن هي مدينة تقع في جنوب العراق اليوم في محافظة القادسية، وتقع بقاياها اليوم على بعد 200 كيلومتر جنوب شرق العاصمة بغداد، ونحو 35 كيلومتر جنوب غرب مدينة نفر أو نيبور، وقد ذكرت مدينة إيسن في كتابات مسمارية من حوالي ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، وقد أثرت حضارتها مع بدء الألفية الثانية قبل الميلاد على تاريخ بلاد بين النهرين كلها.
موقع مدينة إيسن
تقع أطلال أو بقايا مدينة إيسن شمال شرق مدينة البطحاء أحد أقضية مدينة الناصرية، وهي تبعد عن الناصرية بحوالي 45 كيلومترًا شمال غرب الناصرية بمنطقة القطيعة، وعلى دائرة عرض 51 31 وخط طول 17 45 شرقاً، وتغطي بقايا مدينة إيسن مساحة تقدر بحوالي 200 هكتار تقريباً إلى الشرق من مجرى نهر الفرات.
كانت مدينة إيسن فيما مضى تقع على النهر المسمى أيسينيتو “Isinnitu” والذي يمكن أن يكون إما فرعاً غربياً من مجرى الفرات الرئيس، أو امتداداً جنوبياً شرقياً لنهر أراختو “Arahtum” بعد مروره بمدينة مرد، حيث تشغل أنقاض المدينة مساحة كبيرة لكنها لا ترتفع كثيراً عن مستوى السهل المحيط بها، والظاهر أنه لم تكن لمدينة إيسن زقورة
التنقيب في المدينة
في نهاية القرن الماضي عملت بعثة من جامعة بنسلفانيا بالاشتراك مع بعثة أخرى من جامعة فيلادليفيا برئاسة “بيترز” “Beaters” في التنقيب في المدينة، وفي عام 1902 وصلت بعثة ألمانية برئاسة فالتر أندريه، ثم بعد ذلك نقبت بعثة أمريكية برئاسة بانكس “Panex”، وكانت من أعمالها عمل مسوحات أثرية وعمل مجسّات اختبارية، وفي أثناء الحرب العالمية الأولى زار موقع المدينة الكولونيل الإنكليزي ستيفينسن “Stephensen”، وحفر مجساً ضخماً عثر فيه على لوحين مسمارين على أحدهما اسم لبت ـ عشتار وحمل الآخر اسم مدينة أيسن، وعمل لنكدون “Langdon” في الموقع لمدة حوالي ثلاث ساعات، وعثر على مكاتيب تعود إلى زمن الملك نبوخذ نصر الثاني وأخرى إلى زمن ملك أيسن أنليل باني.
مدينة إيسن وحقائق عنها
في حوالي العام 1947 بعثت دائرة الآثار والتراث العراقية السيدين فرج بصمه جي وعز الدين الصندوق، وذلك للقيام بمسح شامل للمنطقة، وقد تمكنا بعد جهد شاق من معرفة بعض من تاريخ المدينة، وكذلك تم العثور على مكاتيب قديمة وأيضاً مسماريين من الفخار، وفي عام 1973 قامت بعثة أثرية برئاسة هرودا “Hrouda” وهو ألماني الجنسية، بالتنقيب واستمرت حتى عام 1989، وكان العمل قد كشف عن مجموعة من الجدران توضح طبقتين بنائيتين تشكل مجموعة غرف سكنية تحتوي على مدافن وتنانير، وآثار تعود إلى العصر الأكدي وأور الثالثة، وعثر على أربعة أختام أسطوانية مع دمى وجرار فخارية، ومخاريط فخارية، وتحف تعود إلى عصر البابليين القدماء، ولاحقاً تم الكشف عن جدران تعود إلى العصر الكشي والعصر البابلي القديم، كل هذا بالإضافة إلى مجموعة من النصوص والفخاريات التي كشفت عن قبر يعود إلى الفترة الأخمينية وأربعة أختام منبسطة.
مدينة إيسن على مر التاريخ
في عام 1983 قامت البعثة الألمانية بمتابعة تنقيبها في موقع المدينة، حيث كشفت عن مبنى كبير شيد على مرحلتين وتبين أن أسفل الجدران قد غطى بالجص الأبيض، كما عثر في هذا الموسم على ملتقطات صغيرة وفخاريات يعود زمنها إلى عصور مختلفة، وفي عام 1984 بدأ الموسم الثامن لأعمال البعثة برئاسة هرودا، وقد ضم هذا الفريق مصوراً ورساماً ومختصاً بدراسة الهياكل العظمية وقارئ مسماريات هو الدكتور فيلكه “C.Wilcke”، وقد تم العثور في هذا الموسم على رقم طينية تضمنت رسائل من عهد البابليين القدماء ووثائق اقتصادية.
مدينة إيسن عام 1989
في خلال العام 1989 ابتدأ موسم العمل الحادي عشر في منطقة تقع على أطراف المدينة من الجهة الغربية، ومن نتائج هذا العمل اكتشاف بناء كبير بمساحة 40×30م يعود إلى عصرين حضاريين: العصر البابلي القديم والبابلي للوسيط، ويبدو أن الكشيين قد استخدموا هذا البناء كما هو فيما عدا إضافة بعض صفوف اللبن.
أهمية موقع مدينة إيسن
إن موقع مدينة إيسن مهم جداً، فهي من مدن التقاء حضارتي السومريين – الأكاديين، ويتوسط موقعها منطقة تحتوي على مدن مهمة جداً، فهي قريبة من المدينة السومرية المقدسة نفر وأدب وأور وشروباك وأبو صلابيخ ودلبات وبروسبا ومرد، وهذا التوسط أعطاها ميزة وأهمية كبيرة جدًا، حيث كانت في بداية العصر البابلي القديم مركز الإشعاع الحضاري ومحور سياسي في المنطقة، وتمكنت بفضل هذا الموقع الرائع أن تسيطر على منطقة كبيرة في ذلك الوقت.
تاريخ مدينة إيسن
تشير الدلائل الأثرية التي تم العثور عليها إلى أن مدينة إيسن كانت مأهولة فيما قبل التاريخ؛ لأن ملتقطات من فخار عصر العُبيد والوركاء منتشرة بصورة واسعة وكبيرة في كل أرجاء الموقع، كما أظهرت أعمال التنقيب على درجة من الأهمية في عصر السلالات الحاكمة الأولى، وكذلك في عصر فجر السلالات الحاكمة الثانية والثالثة وتشير الدلائل الأثرية إلى استمرار السكن فيها حتى العصر الأكدي، كما أن النصوص الكتابية تؤكد ذلك، وفي عصر أور الثالثة ورد اسمها في كتابات عديدة، وبعد زوال حكم السومريين أصبحت إيسن الوريثة لأور في حكم بلاد سومر وأكد، وارتفع شأنها حتى غدت القوة المسيطرة على إرث سلاسة أور الثالثة من دلمون حتى أرابخا، فدانت لسلطانها مدن عظيمة مثل أوروك، أور، أريدو، أوما، لكش وكزالو، وغيرها الكثير من البلدان، وحكمت فيها سلالة دعيت بسلالة إيسن الأولى ما يقرب من 250 عام، ثم خضعت بعد ذلك لسيطرة سلالة تسمى لارسا في عهد ملكها ريم ـ سين عام 1794 ق.م، وخضعت لسلالة بابل الأولى في زمن ملكها الشهير والمعروف حمورابي، ومنذ سنة حكمه السابعة بالتحديد، وعثر على مجموعة من الرُقم الطينية التي تعود إلى زمن.
أهمية مدينة إيسن
اكتسبت مدينة إيسن أهمية كبيرة جداً بعد أفول نجم سلالة السومريين السياسي بسقوط إمبراطورية سلالة أور الثالثة على أيدي سلالة العلاميين، وكانت إيسن قبل هذا الزمن تحظى بأهمية قليلة مثل مدن عدة لم يكن لها دور فعال، ثم أصبحت عواصم إمبراطوريات عظيمة، ومن هذه المدن أكد، بابل.
كانت مدينة إيسن مشهورة بأطبائها، وتعد مركز الطب البابلي، والمكان الذي يشفى فيه المرضى، ومركز عبادة غولا والتي كانت آلهة الصحة والشفاء في عقائد بلاد الرافدين القديمة، وكذلك المسؤولة عن الطب والأطباء، ويظهر دور هذه المدينة في الطب وشهرتها فيه واضحة من خلال قصة فقير نفر.
بحث وتقديم ناطق ابراهيم العبيدي