الحلقة 45
اقواس بوابة الشر
". قالت وهي تبكي: ـ لن يقتلونا.. لن يقتلونا تفاجأت من كلامها وقلت: ـ " ولماذا تبكين؟". فنظرت الّي ورمقتني بنظرة فيها كل حزن الدنيا ودموعها وضعفها ويأسها وقالت :
ـ " لقد قتلوني بهذه الطريقة اكثر من قتلهم لي لو فعلوا .".
ذهلت اكثر ،ولم استطع ان افهم هذه الجنية ولا تصرفاتها الغريبة، وقفت تتحدى الموت بكبرياء وشموخ، ولم تسقط لها دمعة واحدة، واصابها الحزن والضعف حينما علمت انهم لا ينوون قتلها، انا لم اعد افهمها. مضى وقت حتى عادت مرح الى حالتها الطبيعية، الحزن ما زال يخيم على الاجواء، ويظهر بوضوح على ملامح مرح وفي عيونها. بدأت اسالها لعلي افهم ما يحدث، ولا يوجد احد يفسر لي هذه التصرفات الغريبة غيرها ... قلت : ـ "مرح ماذا حدث .. وماذا يحدث وماذا سيحدث ؟".
ـ ان ما رايت وحدث "للسبع الصفر" هو انه اعيد تجميدهم من جديد، واعادتهم الى مكانهم الاول الذي كانوا فيه، وانهاء دورهم وسحب القوة منهم ليتم ابادتهم، وهذه هي الطريقة المتبعة في انهاء الشيء او قبرة، وايضا لقد قرروا ان لا يقتلونا، وهذا واضح من خلال ما حدث، "فالسبع الصفر" لا يحضرون ويظهروا ويتحركوا الا للابادة، وهذه هي المرة الاولى التي يتحرك بها " الصفر" ولا يبيدون، لقد قرروا ان لا يقتلونا يا حسن.." قلت مستغربا والفضول يشدني لمعرفة حقيقة هؤلاء : ـ "من هم يا مرح؟ ".
ـ "هم يا حسن السر الاكبر المختفي منذ ازمان، ولو بقيت تسألني طول عمري لن اجيبك ..!".
ـ ولماذا ؟
ـ "لا تسألني ارجوك ؟!!".
حيرتني اكثر واكثر بالغموض الذي يحيط بهؤلاء وبحقيقتهم وبوصفهم بالسر الذي اختفى منذ ازمان، ويئست من ان احصل منها على اجابة تروي ظمأ فضولي فسالتها : ـ "والان ماذا نفعل ؟". ردت قائلة : ـ " انا حائرة يا حسن، انا حائرة لا ادري ماذا نفعل، اشعر بضياع لم اعهده من قبل، قل لي انت ماذا نفعل؟ قل لي..".
ابتسمت وضحكت: ـ "انا اكبر "طرطور" في الوجود اقول لها ماذا تفعل يا لسخرية الاقدار مرح تسألني انا ماذا نفعل..". وسألت نفسي فعلا ماذا يمكن ان نفعل؟ التفت بأتجاه الاقواس من حيث تقف، وكان الاشخاص ذو الهيبة والوقار قد اختفوا، فقلت لها: ـ " انظري يا مرح جماعتك اختفوا، ولمعت برأسي فكرة خاطفة، فقلت لها: انهم لا ينوون قتلنا فلم نخاف.".
ـ " نعم لا ينوون قتلنا، ولكن لن يمنعونا ان نقتل انفسنا، فان كانت هناك منطقة ممنوعة ومن يدخلها يموت فسنموت .".
ـ " كلا يا مرح ان احساسي يقول لي ان هناك شيء اكبر من ذلك بكثير، ويبدو لي ان كل ما علمتيه في السابق لا يتعدى امورا بسيطة في عالم كبير. تعالي فلا يوجد شيء نخسره ...".
ابتسمت مرح وقالت: ـ "ودار الزمن يا حسن لتسير مرح خلفك، هيا لنرى اين سيقودنا احساسك ..". سرنا باتجاه الاقواس الفارغة، وسالتها: ـ "أي قوس يؤدي الى بوابة الشر؟"
ـ" لا اعلم، ماذا يقول لك احساسك ؟".
ـ "هيا خلفي..". واردت ان ادخل القوس الثالث، فامسكت بكتفي وقالت: ـ يا مجنون الى اين ؟ اتريد ان تدخل البوابة برغم ما حدث . ـ "نعم وهل هناك بديل اخر، ان ارادوا ان يمنعونا سيفعلوا، فلم لا نجرب .". ـ "ولكن ان دخلنا القوس الخطأ، فسنتوه طوال العمر، وسنموت ونحن نبحث عن مخرج ولن نجده.". قلت لها : ـ "سيري خلف احساسي وسنعرف النتائج بعد ذلك.". هزت راسها وابتسمت وقالت: ـ "هيا نرى احساسك الى اين سيقودنا..".
خطوت لادخل القوس الثالث فظهر امامي شاب وسيم بهي الطلعة يرتدي زياً كزي اهل الباكستان، لونه ابيض موشح بثلاثة خطوط ذهبية، وعلى شفتيه ابتسامة ساخرة وقال : ـ " اذهب وادخل من الباب الثاني." وقفت امامه مبهوتا وهو يبتسم ساخرا، شدتني مرح من قميصي الى الخلف
وقالت: ـ "هيا ندخل من القوس الثاني" ، فنظرت اليها وقلت: ـ "لا تكوني غبية، احساسي يقول انه القوس الثالث، وبما انه ارشدنا الى القوس الثاني فمعنى هذا انه لا يريدنا ان ندخل من عنده لانه القوس الصحيح..". ارادت مرح ان تتكلم ولكني قاطعتها وقلت : ـ "تعالي لاريك صدق كلامي، سنجرب ان ندخل من القوس الرابع او الخامس او الاول لأثبت لك انهم لن يمنعونا من دخولها لانها الاقواس الخطأ، وهذا ما يريده.". اندفعت باتجاه الباب الرابع ولم اكن انوي دخوله، وما ان وقفت امامه حتى ظهرت امامي فتاة ترتدي فستاناً موشحا باربعة خيوط ذهبية..يا الله ما اجملها، بهرني جمالها، وتصنمت انظر لذلك الابداع والجمال الخلاب الذي يأخذ العقل، جسمها متناسق ووجها كاستدارة القمر او ابهى، ابتسمت ساخرة وقالت: ـ " لقد قال لكم ان تدخلوا من القوس الثاني فادخلوه." فشدتني مرح بقوة، وامسكت يدي وقالت: ـ هيا الى القوس الثاني. سحبت يدي من يدها بقوة، واتجهت الى القوس الخامس، ولحقت بي، وظهر امامي شاب بهي الطلعة، جميل، يرتدي نفس الزي، موشح بخمسة خطوط، ضحك وقال لنا : لقد قالوا لكم : اذهبوا من القوس الثاني، فافعلوا. وركضت مسرعا باتجاه القوس الاول ومرح تصرخ علّي: ـ كفاك عنادا لا تكن احمقا.. ووصلت القوس الاول وظهر لي شاب يشبه زميله بعض الشيء، بنفس الزي، الا ان ثوبه موشح بخيط واحد بدل خمسة وكان يضحك ساخرا منا بشكل مميز، وقال وهو يضحك: ـ "لقد قالوا لكم ادخلوا من القوس الثاني فلماذا لا تفعلوا؟". يئست ووقفت حائرا، وشدتني مرح غاضبة وقالت : ـ هيا، كفاك غباء،ماذا تريد ان تثبت ، هل تريد ان تثبت ان احساسك صادق بالقوة؟ هيا الى القوس الثاني. وطلبت منها ان تتمهل، وقلت لها : ـ ان في الامر خدعة ما واحساسي يقول... قاطعتني وقالت: ـ اسمع يا حسن انت حمار وغبي، لا تعمل حالك شاطر اكثر من اللازم ،هيا لندخل القوس الذي اشاروا اليه، لو ارادوا ان لا ندخل لمنعونا، وهم ليسوا بحاجة لخداعنا، من تظن نفسك ليضيعوا الوقت بخداعك، انتم البشر غريبي الاطوار .". قلت لها : ـ هيا سادخل معك وسنرى من فينا الصادق .. وصلنا الى القوس الثاني وظهرت بمدخله فتاة رائعة حسناء جميلة..اشارت بيدها وقالت بهدوء ورقة ونعومة: ـ تفضلوا، اهلا وسهلا بكم ... وقفت كالصنم امامها مبهورا بجمالها...كررت كلامها، ويبدوا اني قد نسيت نفسي، ولم اشعر الا بمرح "تلكزني" بكوعها وتقول لي: ـ " تحرك لا تقف كالصنم .". تحركت وانا التفت الى الخلف تجاه الفتاة، وكأن عيوني لا تريد ان تفارقها, وما هي الا لحظات حتى وجدنا انفسنا امام تلك البوابة العملاقة العظيمة .. يا الله... كم هي عجيبة، فعلا انها من عجائب الزمان، فلا بد ان الالاف قاموا ببنائها عبر الاف السنين، فكل لون ونقش عليها يأخذ العقل الى عالم الابداع والفن والجمال اللامحدود. لمست بيدي النقوش التي نقشت بدقة وحرفية لم ار مثلها، وحتى الجنية مرح التي رأت كل العجائب وقفت صامتة مبهورة امام هذه اللوحة الفنية العظيمة . ـ اعتقد اني بحاجة الى سنوات لارى كل الرسومات المنقوشة.. التفت الى مرح وقلت لها : ـ "هيا بنا نفتح البوابة وندخل !" ضحكت وقالت
ان فتح مثل هذه البوابة بحاجة الى الف رجل فكيف سنفتحها؟ ولا اعتقد يا حسن اننا في موقف يسمح لنا بأن نفتح البوابة او نقرر أي شيء، يجب ان ننتظر، ولا شيء نملكه سوى الانتظار.".
وما ان اكملت كلامها حتى ظهر من اسفل يسار الباب، ومن اسفل يمينه، بابان صغيران بالمقارنة مع حجم الباب الاصلي، وكانهما ثقب في اضخم باب عند البشر ,وخرجت من البابين الصغيرين فتاتان جميلتان، وكأنهما توأم في كل شيء, اشارت الاولى الى مرح وقالت لها : ـ "تفضلي اهلا وسهلا .." واشارت الثانية الي وقالت: ـ " تفضل اهلا وسهلاً..." نظرت انا ومرح الى بعضنا البعض، وخاصة ان كل واحد منا سيدخل بوابة صغيرة من اتجاه مختلف. ترددت قليلا، وغمزتني مرح بطرف عينها تحثني على الذهاب مع الفتاة... فعلت، وكذلك هي، وما هي الا لحظات حتى اصبحنا خلف البوابة من الداخل والتقينا، وبقيت الحسناوتين برفقتنا، وكانت خلف البوابة ساحة مزينة باعمدة تشبه الساحة الاولى التي دخلناها في المرة الاولى الى حد كبير. طلبت منا الحسناوات ان نسير.. سرنا، وبعد عدة خطوات نظرت الى الارض، وكان على البلاط انعكاس ظل احد الاعمدة، فقفزت عنه بحركة لا شعورية، فنظرت الفتاتين الواحدة الى الاخرة بابتسامة "ولكزتني" مرح وقالت: ـ بس هبل.. وبعد دقائق، طلبت الفتاتان منا بعد ان وصلنا الى نهاية الساحة ان ننتظر قليلا، وعادتا من حيث اتين، واثناء انتظارنا سألت مرح: ـ" لماذا لم يفتحوا لنا الباب وادخلونا من ابواب صغيرة من اسفله؟ ولماذا ادخلونا كل من باب مختلف؟؟؟"
قالت مرح: ـ اعتقد ولا اجزم بان السبب وراء دخولنا من ابواب مختلفة بسبب الاختلاف بين عالمينا, فانت من عالم وانا من اخر.."
وابتسمت وقالت ساخرة: ـ اما لماذا لم يفتحوا لك الباب الرئيس فيبدو انهم لم يعرفوا من تكون، وما هي مكانتك، اخطأوا سامحهم .." ما عرفوا انك حسن ".
فهمت من سخريتها ان الباب لا يفتح الا لذي شأن كبير، ومن بعيد لمحنا فتاة وشاب اقتربا منا، واشارا لنا ان نذهب معهم . سارا امامنا ونحن خلفهما في طريق في وسط حديقة كبيرة ، وكانا يتحدثان ويتمازحان ويتضاحكا بلغة لم اسمعها من قبل، ولم افهمها فسألت مرح: ـ ماذا يقولون؟؟
قالت لي: ـ "وماذا يعنيك ذلك, انت فضولي اكثر من اللازم، انهما يتحدثان بامور غير هامة ,ماذا تريد، ان اترجم لك؟ حاضر يا حسن : هي تقول له انها ستذهب مع صديقتها غدا ,وهو يقول لها : لا تنسي ان تخبريها بما اتفقنا عليه .وهي تقول:كلا لن اقول لها. وهو يرد عليها: لن تفعلي هذا بي وهي تقول حتى ترى، وهو يهمس بأذنها وانا لم اسمع ما همس به ، ولا استطيع ان اترجم، وهي ترد طيب حتشوف، وهو بيضحك والضحكة ليست بحاجة الى ترجمة، وكذلك هي تضحك، هل تريد ان اكمل لك ترجمة ما يقولانه؟ هل الامر مهم؟"
قلت لها: ـ لا شكرا، لقد فهمت بما فيه الكفاية . بعد عشرة دقائق من تحركنا، وصلنا الى بيت كبير وكـأنه القصر، ولكن ما لفت الانتباه ان هذا البيت مصنوع من الزجاج بكامله، الابواب الجدران الشبابيك السقف، وكذلك الارض مرصوفة بزجاج...فتح لنا الشاب البوابة ,وقال: ـ تفضلوا ... دخلنا البيت، وعاد الشاب والفتاة من حيث اتيا، يتمازحان ويضحكان ويتحدثان بلغتهما الغريبة , اخذت اتأمل البيت، وكأنه اية في الجمال والذوق الرفيع، جلسنا على المقاعد لعدة دقائق، حتى اقبل شاب يرتدي الاسود بالاسود، اقترب منا ودون ان يتكلم, وبأشارة من يده فهمنا انه يطلب ان نرافقه. سرنا خلفه عبر ممر واسع الى ممر ضيق، ودخلنا صالة ضخمة مليئة بمئات المقاعد ونوافير الماء ,قاعة من الكبر بحيث تتسع لألف شخص مجتمعين معا ,والغريب ان البيت حجمه من الخارج، لا بدل على انه يتسع لمثل هذه القاعة. اشار الشاب الاسود لنا باشارة فهمنا منها انه يطلب منا الانتظار, انتظرنا خمس ساعات ، وبعد ذلك حضرت الينا فتاة وطلبت منا ان نرافقها, سرنا معا ما يقارب النصف ساعة بين ممرات وصالات ضخمة تبهر الابصار بجمالها، وكأن هذا المكان يسكنه الملوك . وصلنا الى حديقة ضخمة لم ار في حياتي ولا في احلامي اجمل منها، باشجارها وبأزهارها وبتناسقها، والعجيب ان هذه الحديقة لم تكن خارج البيت بل داخله, وهناك طلبت منا الفتاة ان ننتظر ,وعادت من حيث اتت، وما كادت تغيب عن ابصارنا حتى حضر شخصان يبدو عليهما انهما قد بلغا السبعين من العمر. تحدث احدهم وطلب ان نرافقه, سرنا لاكثر من ساعة بين اشجار طويلة وعملاقة، لم استطع ان اميز اين يصل ارتفاعها، لا ادري هل هذا بسبب الظلام، ام انها نمت داخل هذا البيت العجيب؟ بطريقنا نور يضيء المكان بلون اخضر لا ادرك مصدره، ربما كان انعكاس الشمس على لون الاشجار الخضراء لينعكس هذا النور ..دون سابق انذار او رؤية مسبقة وجدنا انفسنا امام سورحجري لا اول له ولا آخر، ولا تصل رؤية العين الى اين ينتهي طوله او ارتفاعه، طلب منا احد الرجلين ان ننتظره، وعادا من حيث اتيا... السور مبني من حجارة عملاقة، وباشكال هندسية جميلة ذات الوان داكنة، فن معماري دمج فيه الماضي بالحاضر، احجار برزت، واحجار مالت من جانب متقاربة ومن جانب متباعدة، وانا أتأملها، فجأة، تحركت سبع حجارة من الصف السفلي للسور، محدثة صوت صرير قوي، وفتحت من خلفها سبع بوابات، وكان هاتفا نادانا ان ندخل، او قوى خفية دفعتنا للدخول خلف النور المنبعث من داخل الابواب، دخلت من بوابة دون قرار مني، وكذلك فعلت مرح، ودخلت من بوابة اخرى غير التي دخلت منها، ووجدنا انفسنا خلف السور، ولم يكن من الممكن ان نرى شيئا بسبب الضباب الكثيف الذي ملأ الجو. لم اكن ارى مرح، واظن انها ايضا لا تراني .. بدأ الضباب يتلاشى، و الشمس تظهرمن وسط السماء لتملأ المكان نورا، لم تحتمل عيوني نور الشمس الساطعة, فوضعت كفاي على عيوني لاحميهما من اشعة الشمس، خاصة واني لم ارها منذ وقت ليس بقصير، حرارة الشمس اقوى من التي اعتادها جسمي، وكان المكان اقرب الى الشمس من أي مكان اخر على الارض. ظهر هذا على الارض المحروقة الخالية من أي نوع من انواع الحياة، والممتدة على طول البصر، لم يكن هناك ظل نستظل به، حتى السور لاظل له، وظله بالاتجاه الاخر للسور . الابواب التي دخلنا منها اغلقت من خلفنا، ولم نعد نستدل مكانها. نظرت الى مرح ونظرت الي، ونفس السؤال عندي وعندها، هل هذه هي النهاية؟ لم تتأثر مرح من حرارة الشمس، انما نور الشمس الساطعة لم تعد تحتمله اكثر، فهي تهرب بعيونها وتخفيها، وتبذل كل الجهد لتحمي عيونها، وكان عيونها لم تعتد مثل هذا النور، فقلت لها: ـ هل خدعونا ليوصلونا الى هذا المكان؟ وهل هذه ارض جهنم التي سمعنا عنها؟ ـ "لا اعتقد ذلك، لو ارادوا ايصالنا الى هذا المكان لفعلوا هذا منذ البداية بلحظات دون عناء، اصبر لنرى ماذا سيحدث".
ـ لا اعتقد اني سأحتمل اشعة الشمس لساعة واحدة. ـ "لا خيار امامنا الا الانتظار والصبر، فلا مكان نذهب اليه وانا اعاني ما تعانيه وربما اكثر منك، فانا لم اعرف الشمس طوال حياتي ،ولا استطيع ان احبها الا في الظل، فان كانت قدرة احتمالك للشمس ساعة فقدره احتمالي لها اقل من ذلك بكثير". ـ يبدو انهم عمدوا الى ذلك حتى نذوق نفس العذاب". فردت:
ـ " لا اعتقد انهم يسعون الى ذلك". لم اعد احتمل، وكذلك مرح، اردت الجلوس على الارض ولم احتمل حرارتها، وفضلت الوقوف، نظرت من حولي ووجدت ان الارض قد تغيرت، ملامحها سوداء جرداء محروقة، حتى الصخر والحجر لم يخف ما حل عليه من فعل الشمس، انها لا بد ان تكون ارض جهنم الجرداء الحارة اللا متناهية. قلت لمرح: ـ لما لا تخلعي ثوبك لنرفعه بايدينا ونستظل به من الشمس وتحمي عيونك، فحرارة الشمس لا تؤثر بجسدك مثلي انا.
فابتسمت وهي تظلل عيونها بيديها وقالت: ـ" ا ن طلبك مهين" .
ـ وما الاهانة في طلبي، اتخجلين؟!!
ـ " لو اني لا اعرف مدى سذاجتك لرددت عليك الرد المناسب". فوجدت في هذا الحديث متعة قد تستطيع ان تلهيني عن العذاب الذي انا فيه، واردت ان اكمل حديثي الا ان انفتاح باب بالسور لفت انتباهنا وقطع حديثنا، انفتح باب من السور وخرج منه رجل طويل القامة، في ملامحه القوة والشدة والحزم، وكأنه قائد جيوش العالم، سار باتجاهنا وطلب منا بلهجة الامر ان نتبعه. كان يسير وكأن الارض ترتعد من تحت اقدامه... تبعناه المسافة تزيد عن المئة متر، فوجدنا انفسنا تحت ظل يحجب الشمس، وكان هذا الظل مظلة خفية لم نكن لنرها، وتحت هذا الظل طاولة شبه مستديرة، ومجموعة من الكراسي يزيد عددها عن عددنا، مصنوعة من الحجر الاحمر من الرخام، طلب منا ان نجلس، او بالاحرى، امرنا بحزم ودونما مجاملة ان نجلس ، جلسنا وكان الجو رطبا، فاردت ان اساله، ولكن قبل ان انطق الكلمة الثانية بعد الاولى قال لي بطريقة تحقيرية: ـ " اصمت ولا تتكلم".. تغيرت ملامح مرح وبدا عليها الامتعاض للطريقة التي عاملني بها، وظهر الكبرياء المعتاد في عيونها، ربما كان هذا لانها شعرت بانه سيعاملها بالمثل لو انها تكلمت ، نظر الينا هذا الشخص وقال
يتبع>>>>>>>>الحلقة 46