الحلقة 56
(انتهاء فترة الضيافة والبحث عن عمل)
أستقبلتني الأميرة ودعتني لتناول طعام لتناول طعام الغداء على مائدتها الخاصة، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تدعوني فيها الأميرة بطريقة رسمية، فقد أعتادت منذ قدومي ان تعاملني بعيداً عن الرسميات ... جلسنا على مائدة الأميرة الموجودة في الجانب الشمالي من القصر، في صالة متوسطة الحجم، تطل على بحيرة رائعة الجمال، لم أكن أراها من قبل، ربما لان الأشجار كانت تحجبها حيث كنت أجلس وأتجول .......
وأثناء تناول طعام الغداء ... سألت الأميرة عن سر هذه الدعوة وبهذا الشكل الرسمي فقالت :
- أنها طريقتنا في الترحيب بضيوف هذه المدينة القادمين من خارج المملكة، طريقة تقليدية نحافظ عليها دائما بعد اليوم العاشر لقدوم الشخص أياً كان ... هي طريقة ترحيب ووداع في نفس الوقت، وهي نوع من أبداء الأحترام للضيف ... حسن، اليوم نكون قد قمنا بواجب ضيافتك بالكامل، نتمنى ان نكون قد وفرنا لك الراحة، وأعذرنا ان قصرنا في شئ، بأسمي واسم أهل هذه المدينة نرحب بك وندعوك للأنضمام الينا لتكون فردا من سكان هذه المدينة ان وافقت، فسنكون سعداء وان رفضت فهذه حريتك وارجو ان تعذرنا بأنك لا تستطيع البقاء في المدينة أكثر من هذا اليوم وستجد من يقوم على ايصالك الى اية مدينة أخرى تختارها من مدن المملكة الخمسة ....
أبتسمت وقلت بيني وبين نفسي : يبدوا ان اللعب قد بدأ، ومرح اختفت والأميرة تطردني بطريقة رائعة ومؤدبة، لا خيار امامي، فانا لا أدري ماذا أفعل او الى اين أذهب، فكل الوقت أعتمدت على مرح بكل شئ، والآن لا استطيع سوى الموافقة على البقاء في مدينة القمر، حتى ينظر الله في أمري ... قلت للأميرة :
- أنه لشرف عظيم ان اصبح احد سكان مدينتك ايتها الأميرة ...
ردت :
- وشرف لنا ايضا يا حسن، اليوم سيتم نقلك الى بيت مستقل وخاص بك، وسنخصص لك من يرافقك لتتأقلم مع حياتك الجديدة داخل هذه المدينة وسيساعدك المرافق لأيجاد عمل يناسبك، ولا تنسى يا حسن ان هذه المدينة تقدم لك كل شئ، وانت أيضاً يجب ان تقدم لها من خلال عملك ؟؟؟
فاجأني كلامها قليلاً وسألتها :
- وأنت، متى استطيع ان أراكِ ؟؟؟
قالت :
- لا أدري متى، ولكن لابد ان يأتي يوما ونلتقي، أكيد انت تقدر ظروفي وحجم المسؤولية الملقاة على عاتقي كأميرة لهذه المدينة ...
صمت ولم أتكلم، فجوابها كان واضحا ولم يكن بحاجة لتفسير ... هي اميرة، وانا سأصبح فردا من سكان هذه المدينة، فلن نلتقي الا إذا كان هناك سبب مقنع لذلك ...
سألتها :
- اين اختفت مرح ياسمو الآميرة ؟؟؟
ردت :
- بصدق لا اعلم، ربما لم ترغب بالبقاء في المدينة اكثر،وفضلت الأنتقال الى مدينة أخرى .... انا شخصياً لا اعلم أي شئ عنها، ولو حدث لها شئ في مدينتي لكانوا أخبروني لأنها في ضيافتي. اود ان التقيها لأودعها وأن سنحت لي الفرصة سأفعل ذلك ....
وبعد مايقارب الساعة رافقتني الأميرة الى بوابة القصر، وكان في انتظاري عربة وشاب في مقتبل العمر كما بدى لي ، ربما كان عمره من عمر اجدادي هو ايضا، ولكنه يبدوا صغيرا. ودعتني الأميرة بابتسامة واشاره من يدها، صعدت الى العربة ، وسارت بنا دون توقف حتى وصلت بجانب احد البيوت صغيرة الحجم .
دعاني مرافقي الشاب للنزول ليريني البيت من الداخل، شارحاً لي ان هذا بيتي الجديد ... دخلنا البيت، وكان بيت متواضعاً إلا انه لا ينقصه شئ. جلسنا وشربنا القهوة معاً وتعرفت على أسمه وكان "همانا".
خرجنا من البيت وسرت مع مرافقي "همانا" وهو يشرح لي كل شئ عن المدينة، وكيف ان احتجت لشئ يمكنني الحصول عليه، وكان "همانا" يعرض علي انواع الأعمال، ويناقشني بها، ويشجعني بانه من خلال عملي اجظى بحب وأحترام الجميع، وابني الكثير من العلاقات ... شعرت ان العمل امر لابد منه، وان حياة القصور والراحة قد انتهت من غير عودة ....
ويبدو ان مرافقي همانا قد شعر بذلك فقال لي :
- انا متأكد انك لن تجد العمل المناسب لانك لا تريد ذلك، لم يبقى عمل إلا وزرته ولم يعجبك، ولم يعد بامكاني إلا ان اعرض عليك ان تعمل "اميرة" لهذه المدينة ..
قالها بسخرية ... فقلت له :
- ولمَ لا، ان كان لأمكاني ان احيا بذلك القصر الرائع ...
قال همانا :
- ان كان الموضوع ان تعيش في قصر، فذلك ليس بالمستحيل، فهناك الاف القصور الفخمة والجميلة وأفخم وأجمل من قصر الأميرة، ويسكنها أشخاص عاديون، لكنهم أستحقوا ذلك من خلال عملهم، فأعمل أنت وقدم شيئاً لهذه المدينة وخذ ماتريده ...
تجادلنا في هذا الموضوع كثيراً، وتنقلنا اكثر في البحث عن عمل، حتى وجدت ضالتي وقررت ان اعمل في مجال يسمونه "بالهنسة المائية" . كمجرد مساعد. فطالما اعجبت بنوافير الماء المنتشرة على طول طرقات المدينة ... ضحك "همانا" لقراري هذا وقال:
- لو كنت أعلم منذ البداية ان هذا ماتبحث عنه لوجدت لك مئات الأعمال المتشابهة، ولم يكن "همانا" يقصد بكلامه العمل، بل كان يلمح عن المسؤولة عن العمل، وخاصة انها فتاة في غاية الجمال ...
قلت له :
- صدقني ان طبيعة العمل بالنوافير المائية هي التي شدتني ولم تشدني الفتاة ...
أبتسم وقال ،
- أذاً لا تعبث معها حتى لا "تتبلل"
قلت له :
- ماذا تقصد؟؟
قال بخبث :
اقصد نوافير الماء ....
بدأت عملي في صبيحة اليوم التالي، وكانت طبيعة عملي ان أقدم المساعدة في حمل بعض الأدوات التي تستخدم في مثل هذا العمل ... وكان معي في العمل عدة أشخاص منهم ثلاثة فتيات، وكانت أجملهن المسؤولة عن التصميم، والتي لا انكرانها السبب الذي شدني الى هذا العمل .
مضى اليوم الأول ولم أجد فرصة للحديث معها، وفي اليوم التالي جاءت هي وطلبت مساعدتي في ان امسك معها بعض الأدوات .
رحبت بي وقالت انها لم تستطع بالأمس ان تتحدث معي، لترحب بي وتتعرف علي بسبب ضغط العمل .
عرفتني على نفسها وقالت ان اسمها "ساريز" وهي المسؤولة عن تصميم الكثير من نوافير الماء في هذه المدينة، وسألتني :
- من أي مدينة انت ؟ فأنت لا تبدو من هذه المدينة .
أحترت كيف أجيبها، وخفت ان اقول لها اني من عالم البشر ولست من مدن هذه المملكة حتى لا تضحك علي وقلت لها :
أنا من مدينة النجوم، ولكن يبدوا اني تورطت اكثر، لأنها بدأت تسألني عن مدينة النجوم وتقول لي انها زارتها اكثر من مرة ... سألتني عن أشياء هناك، وتلعثمت في الأجابة فلم تكن لدي اية اجابة، ولم اكن اريد ابدوا امامها كاذباً ... ويبدو انها شعرت باضطرابي، وابتسمت وعيونها تقول انها عرفت اني كاذب وقالت :
- سنتحدث في هذا الموضوع بعد انتهاء العمل .
كان واضحاً انها ارادت ان أبقى بقربها من خلال توزيعها للعمل بين الموجودين وابقاءها لي لمساعدتها .
لم تتحدث معي عن أي شئ سوى طبيعة العمل، وأثناء العمل سألتها :
- كيف يمكن للمياه ان ترتفع الى فوق كل هذا العلو دون وجود قوة ألية تدفعها، وخاصة ان كل الأدوات المستخدمة بدائية وبعيدة عن التكنولوجيا ...
وما ان انهيت ماقلت حتى التفتت الي "ساريز" وكانت أثار المفاجأة بادية على وجهها وفي عيونها . ضحكت بسعادة ووضعت كفها على فمها لتكتم ضحكتها حتى لا يسمعها الأخرون ... وقالت :
- يا ألهي انت قادم من عالم البشر ....
فرحة وسعادة غريبة ظهرت عليها، وكأنها وجدت كنزاً ... او ما شابه ....
وسألتها :
- وكيف عرفتِ ذلك ؟؟؟
ارادت ان تجيب ولكنها اشارت الي بأن نؤجل الحديث عن الموضوع، وكان ذلك بسبب أقتراب احد مساعديها، ويبدوا انها لم تكن تريده ان يسمع عما تتحدث ...
ذهبت للعمل وبعد ساعة ونصف جاءت الي وقالت انها هي التي ستوصلني في عربتها في نفس الوقت كان "همانا" قد جاء ليصحبني ، فأعتذرت له وقلت له ان سأراه فيما بعد ... فابتسم همانا بخبث وقال :
- بداية موفقة يا حسن!
وذهب ... ركبت بجانب ساريزبعربتها وكانت هي تقودها بنفسها، وقالت :
- سأدعوك لتناول الغداء معي في بيتي ... هل توافق ؟؟؟؟
فقلت مازحاً :
- سأفكر بالموضوع خاصة وانك تعرفين حجم المسؤوليات الملقاه على عاتقي !!!
ضحكت ساريز وتوجهنا الى بيتها وحينما وصلنا، فوجئت بفخامة وجمال بيتها ولا يوجد اي وجه للمقارنة بين البيت الذي أسكنه وهذا البيت ... قالت لي :
- لقد صممت هذا البيت بنفسي ....
دخلنا البيت وجلسنا وتناولنا الغداء وسألتها عن عائلتها، فصمتت قليلاً ثم قالت :
- أهل المدينة هنا هم عائلتي ...
لم أفهم ماتقصده بالضبط، ولكني شعرت بانه لا توجد لها عائلة، ولم اكن اريد ان اعيد السؤال لشعوري بعدم راحتها من الحديث في هذا الموضوع ... فقلت لها :
- ولماذا كل هذا الفرح الذي بدى عليك حينما علمتِ بأني قادم من عالم البشر ؟؟؟
قالت :
- أنا مسرورة جدا جدا بلقاءك، وشعوري واحاسيسي لا استطيع ان اصفها ... أتعلم لماذا؟؟؟ لاني من البشر ياحسن ...
- فضحكت وقلت :
- هل تمزحين ؟؟؟
- كلا لا أمزح ، أنا من البشر ......
- أعذريني ، لا أستطيع ان اصدق ذلك، فأنتِ تشبهين الجن كثيراً ....
- صدق ياحسن، انا من البشر، أنا أنسية ولست من الجن ...
لم اصدق ماتقوله لكني قلت لها :
- إذا كنتِ من البشر كيف استطعتي الدخول الى هنا، ام كان هذا بالصدفة ...
قالت :
هم أحضروني الى هنا منذ وقت طويل، وهناك قصة لوصولي الى هنا ....
- أحضروك الى هنا من عالم البشر؟ ولكني اعرف بأنهم لا يخرجون من هنا ؟؟؟
- هذا صحيح، ولكنهم لهم الفضل الكبير لأحضاري الى هنا لا أعرف كيف، ولن انسى مافعلوه. حدث هذا قبل وقت طويل شاءت ارادة الرب ان اصاب بمرض خطير عانيت منه كثيرا، ولم يكن هناك امل في شفائي وقاربت على الموت إلا ان مشيئة الرب كانت أقوى، وساعدني الجن وأحضروني الى هنا وعالجوني ومنذ ذلك الوقت وانا احيا في هذا المكان الذي أعتبرته عالمي وحياتي ... اما كوني اشبه "الجن" فأني لا أفهم ما الذي تقصده بذلك ؟؟؟
فقلت :
- انت تشبهين الجنيات كثيراً وخاصة بجمالك وطبيعة عملك التي تحتاج لذكاء خارق ومستوى لا يملكه البشر؟؟
فضحكت ساريز ضحكة اطربت اذاني لعذوبتها وقالت :
- شكرا لك إن كان هذا أطراء فهناك بين بنات البشر من هن اجمل من الجنيات، وليست كل الجنيات جميلات مثلهن، مثل بنات البشر، الفرق ان الجنيات لا يظهر عليهن الهرم بسرعة كبنات البشر، وفي هذه المملكة بالذات لا يوجد هرم وانت سترى ذلك بنفسك، ان السنوات لن تؤثر عليك ابداً .. الروح هنا هي التي تهرم إن لم يهتم بها صاحبها، وطبيعة عملي الغريبة كما تسميها والتي تحتاج الى ذكاء خارق لا يملكه البشر ... فالقول مغلوط وكان يجب ان تعكسه، انا كنت مثلك في البداية ولكن بعد اطلاعي على التاريخ القديم للبشر والذى كان قبل الاف السنوات .. أصبحت فخورة جدا بكوني بشرية ، وليت أبناء عالمي علموا بذلك لما بقى عالم البشر على ماهو عليه ... الهندسة المائية والتصميمات العجيبة وعلوم الظلال والنور والفن المعماري والحيابات الزمنية وعلوم الطب ... من العجائب التى تراها في مدن المملكة ، هي في الاصل حضارة البشر القديمة. وقد نقلت عنهم وتمت المحافظة عليها، وفي كتب الجن وتاريخهم يقرون بذلك ولم يخفوه يوما، وهم يعترفون بتميز البشر وتفوقهم الكبير على الجن ... ومدن المملكة الخمسة ساهم البشر في بنائها حتى انه يقال انها كانت بالأصل للبشر وجزءاً من حضارتهم القديمة وخاصة انها تقع في "الجزء المنسي" من الارض ولم يكن الخروج والدخول اليها صعب قبل الاف السنين. والعلم الوحيد الذي تفوق به الجن على البشر هو "علم الزمن" وخاصة ان البشر لا يعمرون كثيرا بالمقارنة مع الجن، وكثير من الأمور حتى يومنا هذا ياحسن تستطيع ان تراها بوضوح ان لم ترها من قبل في مدن المملكة اصلها من عالم البشر، ووجدت حديثا، ان الجن حريصون على المحافظة على حضارة البشر اكثر من البشر لانهم على يقين، بان كل شئ على الارض يمكن ان يندثر ويدمر بسبب حماقة وغرور فرد ....
ان ما اقوم بعمله هنا والذي يعد من العجائب، ويمكنني عمله في عالم البشر لو اتيحت لي الفرصة لذلك، ولست وحدي فهناك الكثر من البشر في مدن المملكة يستطيعوا القيام بذلك ايضا ولهذ حرص الجن على نقلهم الى الجزء المنسي من الارض، ولا تفهم من هذا انهم سلبوهم حريتهم او ما شابه ذلك، بل على العكس نقلوهم من عالمهم السئ الى عالمهم المثالي ومايقومون ببنائه فهو لهم ولأبنائهم. وانتمائهم الى هذه المملكة اكبر من التصور، وصدق يا حسن ان عالم البشر سيدمر على ايدي البشر عاجلا ام اجلا وان كان علماء الجن حريصون على شئ، فأنهم حريصون على ان لا يدمر عالم البشر من جديد، كما حدث في الماضي، لانهم يعلمون ان دمار عالم البشرالاول حدث بسببهم بالدرجة الاولى وخاصة قبل حلول النظام في عالم الجن، وهم يخشون ان حدث الدمار الثاني فلن يكون كا الاول بل سيشمل عالم الجن ايضا وهم حريصون كل الحرص على ان لا يتصل الجن بالانس مهما كان السبب منعاً لتكرار الماضي ...
عجيب ما قالت وعجيب ما سمعت وهل لعقلي القدرة لان يستوعب اكثر وماذا تخفي الايام لي من مفاجات. من صادق ومن الكاذب؟ وما يهمني انا من كل هذا "ساريز" انسانة. اشعر انا بذلك واود ان اسألها: متى حضرت الى هنا . ولكني اخشى ان احرجها بمعرفة عمرها الحقيقي . تبدو في العشرين من العمر اريد ان اسأل و لا اريد ان اسأل
يتبع>>>>>>الحلقة 57