الحلقة 62
(دعوة الاميرة باندة وحضور غادة)
- لا أدري كيف ستكون نهاية هذا اليوم، ولكني أتمنى أن ينتهي على خير، والآن يا ساريز وحسن، هل فكرتم جيداً ؟ وهل هناك شئ تغير من يوم لقائنا الى اليوم ؟؟
فأجبنا :
- كلا لم يتغير شئ .....
هزت رأسها وقالت :
- هذا شأنكم، المشكلة التي تواجهونها يوجد لها حل، عهد الارتباط الذي تم بين "كادنته" و "حسن" هو عهد غير قانوني لايعترف به، ولكنه يحترم، بالرغم من ان الكونيين لا يعترفون بمثل هذا العهد والسبب الرئيسي ليس لأنه تم مع بشر، بل لأنه حينما اعلنت "كادنته" عهد الارتباط، لم تكن قد بلغت السن القانوني للزواج، او لأتخاذ أي قرار، فحتى لو كان هذا الزواج من "كوني" من بني جنسها فلن يعترف به أيضاً، وسيعد تصرف أطفال لا أكثر، وعليه فأن "كادانته" تستطيع فك العهد بسهولة، ولكن إن أصرت هي على التمسك بهذا العهد بعد بلوغها السن القانوني، فسيصبح العهد قانونياً حتى لو كان مع بشر، وتعتبر هي متزوجة، والعهد لا يفك، المشكلة الوحيدة المتبقية ان "كادنته" سعيدة ومتمسكة بهذا العهد، وبعد وقت قصير ان بقيت على موقفها، فستفقد الفرصة في فك العهد، وستصبح اسيرة له طوال حياتها ....
أنتهزت الفرصة وتسرعت وسألت الأميرة :
- إذا ما العمل، ماذا نستطيع ان نفعل ؟
ردت الأميرة :
- لو صبرت قليلاً لقلت لك دون ان تسأل ....
اعتذرت للأميرة على تسرعي، وأكملت هي .
- من اجل ساريز ومن أجل كادانته ايضاً، بذلت المستحيل لأحصل على اذن لأحضار "كادانته" الى قصري لمدة يوم واحد بموافقتها، فلا أحد يستطيع ان يرغمها على ذلك، وحصلت بصعوبة على الأذن ... أعلم ان الموقف صعب على الجميع، وخاصة لـ"كادانته" ولكن هذا لمصلحة الجميع بغض النظر عن النتيجة المجهولة، والتي تتوقف حتى هذه اللحظة على حسن ....
التفتت الي وتابعت حديثها :
- والأن يجب ان تواجه الموقف يا حسن، وأرجوك ان لا تكذب على نفسك ولا على كادانته وساريز ... واجه الموقف ... أعترف لكادانته وأنه الموضوع، اما مع كادانته أو مع ساريز ... هي ياحسن، كادانته في حديقة القصر، أذهب إليها وواجهها ...
لم أصدق ... دق قلبي بقوة ... أرتجفت أوصالي .. لم استطع ان اتحرك من مكاني ...
قالت الأميرة :
- لابد من ذلك يا حسن، من أجلها ومن أجل ساريز، هيا يا حسن أذهب أليها، لا تخف فهي لن تتفاجأ برؤيتك، لقد جلست معها وأخبرتها انها ستلتقي بك وأرجو ان تراعي بأن كادانته لا تعلم أين هي ولا تعرف عن المملكة شيئاً وكل ماتعرفه بأنها في قصر أحدى أميرات عالم الكونيين الكبير، وراعي أيضاً أنها ذكية وقادرة على قراءة أفكارك بسهولة، ولا تنسى أنها مازالت صغيرة وبريئة ....
وقفت على أقدامي وأحسست أنها بالكاد تحملني، وسرت بأتجاه الحديقة ... اشعر بدوار كبير، لا أدري ماذا أفعل، لم أتوقع حدوث ذلك، أرى بعيوني غاده تداعب أحد الغزلان الصغيرة بالحديقة ، أنها هي فعلاً ...تواريت خلف أحدى الأشجار، لم أجرؤ على الأقتراب منها، قلبي يدق بقوة، أشعر بانه سيقفز من صدري، أنظر اليها من خلف الشجرة وأنا خائف من أن تراني، أراها خلف الشجرة تدفع الغزال عنها بيديها، يبتعد قليلاً ثم يعود، تضحك وتدفعه من جديد ... تجلس بجانب نافورة الماء، تفتح يديها فيأتي الغزال أليها مسرعاً، وما أن يصل حتى ترشفه بالماء فيهرب، وتبدأ هي بالضحك، وتفتح يديها من جديد لتغريه بأن يعود أليها، يقف الغزال متردداً خائفاً من أن تغدره مرة أخرى، وترشقه بالماء، ترد شعرها الى الخلف، أما الغزال فلا يجرؤ على الأقتراب منها فما يكون منها إلا أن تقترب هي منه وتحضنه، وتحمله وتضمه الى صدرها وتقبله ... تقترب من أحدى الأشجار، يعلق شعرها بغصن الشجرة حينما أستدارت، ويبدو انه أوجعها نظرت الى الشجرة بغضب وكأنها تشتمها، وفكت شعرها ... أما انا فأخذت أضحك من كل قلبي لهذا الموقف، تجرأت وخطوت نحوها، رأتني من بعيـد، وقفت مذهولة تنظر ألي، يدق قلبي بقوة أكثر، تفتح ذراعيها وتصرخ وتركض نحوي، تقفز الي، وتتعلق بعنقي وهي تضحك وتبكي .....
لم أتمالك نفسي في تلك اللحظة، وبكيت انا ايضاً، نظرت الي ولم تتكلم وكذلك أنا، ويزيد بكاؤها، لم أحتمل الموقف خاصة وإني لم ارها من قبل تبكي بهذه الطريقة ... مر أكثر من نصف ساعة وهي صامته لم تنطق بكلمة واحدة وهي لا تكف عن عناقي ... جلسنا تحت الشجرةعلى العشب، وأخذت تمطرني بعشرات الأسئلة دفعة واحدة، ضحكت، فطريقتها ذكرتني حينما ألتقيتها في حديقة منزلنا للمرة الأولى، حيث سألتها عشرات الأسئلة وقتها مره واحده، وقلت لها مازحاً :
- أسمعي ياغادة ان كنت تريدين ان اجيبك فأبدئي بسؤال واحد وبعد أن أجيبك أطرحي السؤال الثاني ....
أخذت غادة تضحك بعد أن تذكرت هي أيضاً وقالت وهي تضحك :
- من أنت ومن أين جئت ؟ ومن أي عالم أنت ؟؟
فقلت :
- أنا من عالم غير عالمك وأبي وأمي ليسا من الجن، وبما أني أبنهم فأنا كذلك ...
قالت :
- قل لي هل أنا أحلم ؟؟؟
فقلت :
- أنت لا تحلمين، وأن أردتِ التأكد، فقي على قدميكِ ...
ووقفت غادة على قدميها، وضحكنا معاً، وأندفعت غادة تتحدث وأخذت تذكرني بلقائنا الأول في عالم البشر، وبرحلتنا في باطن الأرض، وتضحك على مواقفي السخيفة في ذلك الوقت وسألتها :
- كيف قبضوا عليك وقتها يا غادة ؟؟؟
أبتسمت وقالت ساخرة :
- من هبلك، ما انا كنت عارفة من الأول، أنو الكاتو راح يضحك عليك، بس شو انا جننتهم لو شفت يا حسن شو عملت فيهم قبل مايمسكوني ، انا كنت مفكره أني راح أنسجن طول عمري، وقلت : اعجب عليهم شوي، وكل مايعملوا مصيدة ويفكروني اوقعت فيها وينبسطوا، اطلع منها، وظليت أجنن فيهم أكثر لحد ما جت أختي كونته بنفسها وصارت تتحايل علي علشان أرجع، مرة تهددني ومرة تترجاني، وانا ولا على بالي، وانا عارفة ان اختي كونته بتحبني ومش راح تؤذيني، وبعدين هددتني فيك وبصراحة أنا خفت عليك، وكونته صحيح مش ممكن تؤذيني، بس كنت عارفة انها ممكن تؤذيك انت وما يهمها، وظليت أجنن فيها لحد ما وعدتني أنها مش راح تعمل معاك ولا شئ، وبرضو ما ارضيت أسلم نفسي، وحكتيلها أني راح أرجع لوحدي، ولما حضرتك أتخليت عني، مسكتني كونته وصارت تحلف إلا تعلقك من شعرك علشان انا ضحكت عليها لما وعدتني أنو ما تعمل معك أشي أن سلمت حالي وانا ما سلمت حالي ، وظليت أبكي لحد ما وعدتني انها مش راح تعمل معاك إشي وبصراحة انا أولها زعلت منك، وكنت حابة أختي تعلقك من شعرك مثل ما حكت، لأنك تخليت عني، بس بعدين قلت : ما انت أهبل مابتلتامش، ولما رجعوني وعرفت أني مش راح أنسجن مثل ماكانوا يحكوا، ظليت أتحايل على الرقابة إللي حطتهم أختي كونته على وطلعت ، ما انا بعرف كل الطرق وجيت أدور عليك، وما لقيتك ورجعت بسرعة قبل ما يعرفوا ، صحيح قلي أنت وين كنت مختفي ....
أبتسمت ولم أدر ماذا أقول، فقلت مازحاً :
- كنت ألعب مع أختك مرح .....
وما أن لفظت الأسم حتى رمقتني بنظرة غريبة وصمتت قليلاً ثم قالت :
- كيف عرفت أن أسمها مرح، ولماذا لا أستطيع قراءة افكارك كما في السابق، لماذا تخفي أفكارك عني، ما الذي حدث معك، أخبرني يا حسن؟
يبدو اني تورطت باندماجي بحديثها البرئ، ونسيت لأنها تتمتع بذكاء خارق، ولكن خبرتي وماتعلمته جعلني أسيطر على الموقف وقلت لها :
- سأخبرك بكل شئ، ولكن أخبريني كيف حضرتِ الى هنا ؟؟؟
فقالت :
- مدرستي رتبت ذلك، فقد قاموا بعمل أختبار وقالوا أن الذي سينجح في الأختبار سيحظى بزيارة لقصر أحدى الأميرات، وهناك يستطيع ان يطلب طلبا ويتحقق، وانا نجحت في الأختبار وجئت لقصر الأميرة وأستقبلتني هي وتحدثنا معاً كثيراً وسألتني عن الأمنية التي اريدها ان تحققها لي فحكيت لها عنك، وإني أريد ان ألتقي بك .. فقالت لي : انها ستحقق لي الأمنية قبل ان تغرب الشمس، وبقينا نتحدث عنك وبصراحة كنت أشعر من حديثها، وكأني سأواجه موقفاً صعباً، وهذه هي الحكاية من البداية إلى النهاية، هيا أحكيلي أنت ؟؟؟
أي ورطة أنا فيها ... فهي فعلا لا تعلم شيأً ، وكيف أخبرها وماذا أحكي لها، لم أجرؤ ، فغيرت الموضوع وأخذنا نتحدث بأمور أخرى لعلي اجد مدخلا أبدأ حديثي منه، بدأ الوقت ينفذ وأنا في حيرة ويزداد الأمر تعقيدا حينما تشرح لي هي عن خططها المستقبلية في العودة الى عالم البشر وقلت لها :
- غادة، الم تفكري بأنه ربما لن نلتقي الى الابد ...
قالت :
- لا تقل هذا، سنلتقي متى نريد ، فالامر ليس بالتعقيد الذي كنا نظنه ، لم يتبقى إلا بعض الوقت وسأبلغ السن القانوني وسترفع عني الرقابة ، واعود حرة من جديد، وسأراك متى أريد، ولن يكتشف أحد ذلك، فقد تعلمت اشياء كثيرة، وحتى لو عرفوا فهم لن يفعلوا شيئاً لأن زواجي منك كان قبل أن ابلغ السن القانونية ....
قلت لها :
- ولكن يا غادة أنتِ من الجن وأنا من البشر، ولن نستطيع أن نستمر في ذلك ؟؟؟
فقالت غاضبة :
- لماذا تقول ذلك الأن، لقد قلت لك ذلك منذ البداية، لقد حذرتك وأنت لم تهتم لذلك، لماذا تزوجتني، لقد بقيت مخلصة لك ولم أتأثر يأية ضغوط، أنت كل شئ لي ياحسن، لماذا أنت خائف ؟؟؟
قلت لها :
- قولي لي : ألم تفكري ولو للحظة بأني من الممكن أن أكون قد تزوجت أو أحببت واحدة أخرى ؟!
أبتسمت وأقتربت مني أكثر وطوقت عنقي بذراعيها، وتركت أنفها يلامس أنفي ونظرت في عيوني وقالت :
- لا يمكن أن أفكر بذلك، كنت متأكدة بأنك ستنتظرني وكنت واثقة من حبك لي، وإلا لما رضيت أن أتزوجك ....
كلما تحدثنا كان الأمر يزداد تعقيداً، دعوت الله أن يقبض روحي قبل أن أنطق بكلمة واحدة تمسها، أتمنى لو أني أموت، حتى أخرج من المأزق الذي أنا فيه .... فقلت لها :
- ولو قلت لك يوماً بأني ككل البشر بحاجة لأن يكون لي أبن يحمل أسمي، ولا يحدث هذا إلا من خلال زواجي بواحدة من البشر؟
فسبلت غادة عيونها وقالت :
- أرجوك ياحبيبي الوقت يمر بسرعة، لماذا تتعمد أستفزازي ؟؟
فضحكت وقلت :
- ولو أني مت مثلاً، ماذا ستفعلين ؟ فكري قليلاً طبيعتنا تختلف كثيراً، نحن البشر نهرم ولا نعمر طويلاً وأنتم عكس ذلك، ألم تفكري ماذا سيحدث بعد ذلك، ولماذا تربطين مصيرك طوال العمر بي أنا ؟؟؟
فقالت :
- مهما سيحدث ستبقى حي وسأبقى مخلصة لك إلى الأبد ....
أستفزتني فقلت :
- وماذا لو عرفتي بأني قد خنتك أكثر من مرة، مع جنية ومع أنسية أيضاً ...
فردت ساخرة :
- لن أصدق حتى لو رأيت بعيني وكفاك استفزازاً ؟؟؟
شددتها وضممتها ألي بقوة وأنا أحاول أن أكبت ثورة حبي وعواطفي بداخلي حتى لا تتفجر وتستطدم مع الواقع من جديد ... أنا أعلم بأني فقدتها ولن تعود ألي ابدا حينما تعلم مافعلت وما كنت أنوي ان أفعل، ولكني لا أريد أن تفقد نفسها بسببي، ولا أستطيع أن أكذب عليها ... ومن بعيد لمحت الأميرة وساريز قادمتان بالأتجاه الذي نحن فيه، دب الخوف في قلبي، ضممت أصابعي بقوة ورجوة الله ان لا تكون في نيتهن القدوم ألينا ... ولكن المقدر حدث وأقتربن منا وفي عيون الأميرة بانده أصرار قوي على أنهاء هذه القضية ... وقفت غادة وقمت بحركة سريعة أحتراما للأميرة بانده ... قالت الأميرة بأدب :
- هل يمكن أن نجلس معكم قليلاً ؟؟؟
ألتفت الى غادة وعيونها تقول لا وقالت :
- نعم .....
وقالت الأميرة :
- "كادانته"، أعرفك على صديقتي ساريز، وساريز أعرفك على "كادانته" ....
أبتسمت غادة وهزت رأسها ورمقتني بنظرة خاطفة خجولة، ربما كان بسبب ان الأميرة نادتها بأسم "كادانته" أو لآنها تظنني أسمع بهذا الأسم لأول مرة ... وأخذت ساريز أيضاً تبتسم ومالت ألي وهمست في أذني :
- لقد ظننتها مرح، أنها تشبهها كثيراً ...
فأكتفيت بأن هززت رأسي، وأخذت أهرب بعيوني لأتجنب نظراتهن ... ومازحت الأميرة غادة وقالت لها :
- ماذا تنوين أن تفعلي في المستقبل يا "كادانته" ؟؟؟
ردت غادة :
- لا شئ سأبقى كما أنا ....
فقالت الأميرة :
- أنتِ لا تخططين لشئ ... مستحيل.
أبتسمت غادة ورمقتني بنظرة خاطفة ولم تتكلم ... وقالت الأميرة :
- هل ستنوين الاصرار على عهد ارتباطك مع حسن بعد أن تبلغي السن القانوني يا كادانته ؟؟؟
هزت غادة رأسها ......
يتبع>>>>>>>>>>>> {الحلقة الاخيـــــــــــــرة}