وبحركة مفاجأة أخذ الدكتور يركض وسط ضحكات أبنائه ليمسك بالصغيرة فقد هربت حالما رأتني أقترب منها ... حملها والدها وأتى بها وهو يضحك إنها موفي في الثالثة من عمرها وهي تخشى الغرباء ثم تدارك وهو ينظر إليّ بحرج لكن السيد فارس يا صغيرتي ليس غريباً أبداً فهو صديق والدكِ الحميم !!
أخذني الدكتوروليم إلى صالون الاستقبال حيث تبادلنا الأحاديث الودية وقد تباسطت كثيراً مع جيمس فقد أخبرني بأنه يحب رياضة ركوب الخيل ومما زاده سروراً بأنني أبديت عشقي لهذه الهواية أيضاً ، بعد لحظات قفز جيمس وسط استغراب الجميع وراح يركض وهو يقول لقد نسيت أن ألقي على فرسي تحية المساء ضحكنا من تصرفه وقالت والدته : يا له من فتى مشاكس دائماً يحرجنا بحركاته الكثيرة أمام الضيوف !
هوّنت عليها الأمر وقلت هؤلاء هم الأطفال لا يتنبؤ أحد بتصرفاتهم الفجائية
أثناء ذلك استدعى أحد الخدم الدكتور وليم لورود اتصال هاتفي إليه بينما استأذنت السيدة ليندا لتلقي نظرة على طاولة الطعام لتتأكد من جاهزيتها
لم يكن في الصالون إلا أنا وجيانا هنا سألتها عن هواياتها فقالت : إنها تعشق قراءة القصص البوليسية بل ولها محاولات جادة في كتابة بعض القصص
تكلمنا بعدها عن فن القصة والرواية وأشهر الروائيين العالميين وقد أبدت إعجابها كثيراً عندما أبديت عدة ملاحظات على بعضهم ونقدت طرق كتاباتهم
تساءلت جيانا وقالت : يبدو بأنّ لك باعاً طويلاً في نقد الروايات يا سيد فارس ؟
شكرتها على إطرائها وقلت : ليس لديّ خبرة كبيرة لكن من كثرة اطلاعي ومتابعتي للكثير من الروايات أضحت لديّ ملكة بسيطة في النقد وتمييز العمل الجيد من غيره
هنا قامت جيانا بشكل مفاجئ وصعدت إلى الأعلى وما هي إلا لحظات حتى أتت بأوراق مطبوعة على شكل ملزمة وقدمتها لي وقالت : هذه آخر رواياتي التي كتبتها وأرجو منك قراءتها وإبداء ملاحظاتك عليها
شكرتها على ثقتها ووعدتها بفعل ذلك وقلت لها باسماً : لا شك بأنني سأستمتع كثيراً بقراءتها ...
نظرت إلى عنوانها كان عنواناً حزيناً ومبهماً في نفس الوقت أظنه يعكس ما أراه من نظرات جيانا الشاردة وصمتها الطويل في حضرة والديها وبرغم كل رغد العيش الذي تحياه هنا إلا أنني شعرت بأنها ليست سعيدة من داخلها !
لا أدري أحسست وقتها بهذا الأمر !
طرأ عليّ سؤال مفاجئ - كعادتي - ألقيته على جيانا دونما تفكير
عفواً جيانا ... هل أنتِ سعيدة وراضية بحياتكِ ؟
رمقتني بنظرة متعجبة وكأنها لم تتوقع سؤالاً كهذا !!
سكتت لبضع لحظات ثم قالت : لكن ما مناسبة هذا السؤال يا سيد فارس ؟
تلعثمتُ قليلاً وندمتُ على تهوري فلست أملك إجابة حاضرة لكنني تذكرت عنوان روايتها وتذرعت به سبباً لسؤالي فقلت :
إنّ عنوان روايتكِ فيه نوع من الحزن والقلق في ذات اللحظة ..
( المعذبون بصمت ) أليس عنواناً حزيناً عزيزتي ؟!!
صمتت هنيهة ثم نظرتْ إليّ نظرة طويلة تلاقت نظراتنا ولمحت بعينيها آلاف المعاني المبهمة والتي لا أجد لها تفسيراً !!
عندما أرادت التحدث إذا بصوت والدها وهو يقول : هيّا يا سيد فارس تفضل إلى العشاء ... مرحباً بك
انزعجت كثيراً لعدم سماعي لما تريد أن تقوله جيانا فأنا لا أعرف هل أجد فرصة أخرى للالتقاء بها أم لا ؟
بعد انتهائنا من تناول طعام العشاء - وقد كان عشاء لذيذاً بحق -
دعاني وليم وزوجته لاحتساء الشاي خارجاً في حديقة منزلهم فقد كانت حديقة كبيرة فيها العديد من الأشجار والحقول المتناثرة بالإضافة إلى اصطبل صغير فيه ثلاثة خيول كلها تخص جيمس الولد المدلل
ولم يفت الفتى أن يستعرض قليلاً أمامنا بفرسه الجميلة والتي كان يحبها كثيراً ... كنت أستغرق في الضحك أنا ووالديه من بعض حركاته البهلوانية وعندما حانت منّي التفاتة إلى جيانا رأيتها مطرقة برأسها إلى الأسفل وهي تعبث بخصلات شعرها الذهبية وتنكث بعود صغير معها الأرض
تمنيت حينها بأنني لم أقذف بذلك السؤال الغبي عليها لكني اكتشفت في ذات الوقت بأنّ سؤالي قد نبش جرحاً غائراً في صدرها .. لم أزل أتساءل عن قصته ؟!!