** عند الواحدة إلا خمس دقائق كنت أتمشى خارجاً في انتظار الدكتور وليم
رأيت سيارة قادمة فعرفت بأنه هو لكنّ السيارة مختلفة ويقودها الدكتور بنفسه .. صعدت إلى السيارة
وسألني مباشرة : هل رآك أحد عند ركوبك ؟
تعجبت من سؤاله : ثم تلفتُّ إلى الوراء وقلت لا أعتقد ذلك لكن أين بيل ؟
قال : إنه نائم فلم أشأ أن أزعجه
كانت نظراته زائغة ومشتتة وكأنه يخشى من وقوع شئ ما
عفواً دكتور هل هناك ما يقلقك ؟
نظر إليّ وقال : لا .. إنني أشعر بدوار بسيط وألم في رأسي فحسب !
إذن دعنا نعود فالقضية مجرد حفلة
لا ... مستحيل أن نعود .. سأكون بخير
أخرج علبة صغيرة يبدو بأنها أقراص مسكنة لألم الرأس وأخذ منها قرصاً ثم تناول جرعة من علبة مياه معدنية كانت بجانبه وقال : سوف أشعر بالتحسن بعد قليل
حاول أن يعود لطبيعته المرحة لكنني أشعر بقلق ينتابه من داخله فهو يردد نظره كثيراً على مرآة السيارة الأمامية بشكل مستمر
وبسرعة عالية أخذنا طريقاً لم أسلكه من قبل وكأنه طريق سفر !
ولمسيرة ساعتين دخلنا بعدها إلى بلدة ريفية صغيرة ليس فيها سوى أعمدة قليلة للإنارة
الحقيقة شعرت بخوف بدأ يساورني مما دعاني لسؤال الدكتور وليم : هل أنت متأكد يا دكتور من الطريق جيداً ؟! أخشى بأننا قد تهنا !
نظر إليّ وعيناه تبرقان كعينيّ قط أسود وقال : أنا متأكد تماماً من طريقنا !
عفواً دكتور .. لكن لا يوجد مباني مأهولة هنا !!
أشار إليّ بالصمت
** عندها بدأت السماء تتلبد بالغيوم وما هي إلا دقائق حتى اكفهرّ الجو وعلت الأغبرة فأخذت أصوات الرياح بصفيرها خارج سيارتنا
كان وليم يقود السيارة وسط العديد من الأشجار اليابسة وقد انقطع بنا الطريق العام وأصبحنا نسير على طريق ترابي وكلما تعمقنا بدأت المساكن الريفية بالتلاشي خلفنا
حانت منّي التفاتة إلى وليم وقد أصبح وجهه مرعباً في وسط هذا الظلام الطاغي وبدأ يضحك بصوت مرتفع وأخذ يهذي :
( أطلق العنان لأهوائك وانغمس في اللذة واتبع الشيطان فهو لن يأمرك إلا بما يؤكد ذاتك ويجعل وجودك وجوداً حيوياً )
ماتت الكلمات على شفتيّ فقد تخيلت بأنه يتحول إلى ذئب مفترس تقطر من أشداقه الدماء ...!!!
الظلام دامس ومرعب ..
حاولت أن أشعل لمبة السيارة لكنها كانت مكسورة خلتُ أنها كسرة متعمدة
نظرت مرة أخرى إليه ولم يزل يهذي :
( أزهق الحب في نفسك لتكون كاملاً وليظهر أنك لست بحاجة لأحد وأنّ سعادتك في ذاتك لا يعطيها لك أحد ، انزع حقوقك من الآخرين بقوة )
* كان يقولها وكأنه يوجهها إليّ ويقصدني بها وهذا هو الواقع فلم يكن معنا أحد غيرنا
نظرت إلى الخلف فرأيت رجلاً أسوداً ينام في المقعدة الخلفية صرخت : من هذا الذي بالخلف يا وليم ؟
علت ضحكاته وبسخرية قال : يا لك من شجاع يا فارس ؟ إنه معطفي ! ألا تذكره ؟ لقد ارتديته عندما أتيت من المطار ؟ لقد أخبرني بيل بذلك فقد وضعته في سيارتي تلك متعمداً !!
- ولماذا وضعته ؟
- لقد عرفت بأنك ستحتاجه وهذا ما حدث فعلاً !!
ثم قهقه وقال : إنك فتى طيب يا فارس !! بل أنت ساذج !
أغضبتني كلمته تلك وقلت بصوت عالٍ : ساذج ولماذا ؟
لأنك اتبعت الخطوات التي رسمها شيطانك الأعظم !!
لقد وقعت في الفخّ يا فارس !!
ماذا تقصد ؟ وعن أي شيء تتحدث ؟!!
لم يجبني إلا بضحكات هستيرية وكأنه قد فقد عقله وقتها
هنا دوّت صاعقة بمقربة من سيارتنا وقد ضربت إحدى الأشجار العالية إلى جانب الطريق وانشقت الشجرة إلى نصفين وكادت تقع علينا