( 8 )
- صمت بيل قليلاً يستعيد أنفاسه بينما كادت نبضات قلبي أن تتوقف
- لقد اختطفت جيانا يا فارس ؟
- ماذا ؟ أمسكت بتلابيب قميصه وهززته هزاً عنيفاً وأنا أقول : تكلم من الذي خطفها ؟
- حاول بيل أن يتخلص من قبضتي القوية وهو يقول : اهدأ يا فارس أرجوك اهدأ ... لا أحد يعرف من الذي خطفها !!
- أنزلت يدي من حلق بيل واعتذرت له ثم قلت : ومنذ متى فقدت ؟
- منذ أكثر من يوم !
- وأين والدها وأين والدتها ؟ ألم يفقداها ؟!!
- أظنك تعرف يا فارس بأنها كانت تقضي أيام العطلة الأسبوعية عند جدتها وقد كان موعد حضورها الأحد الساعة العاشرة ليلاً وعندما تأخرت عن المجيء ذهب والداها إلى بيت جدتها والتي أكدت بأنها لم تقدم إليها هذا الأسبوع أبداً
- ومتى كان خروجها من البيت ؟
- في صباح السبت
- من الذي يقوم بتوصيلها دائماً أليس أنت يا بيل ؟
- لا ، فهي ترفض ذلك وتذهب وتعود عن طريق القطار !
- يا للهول إنه لشيء مؤسف ! هل أخبرتم الشرطة ؟!
- نعم ، والتحريات على أشدها
قررت أن أذهب مع بيل إلى بيت وليم فمهما حدث لا بدّ أن أكون بقربهم فالمصيبة قاسية على قلبيهما بلا شكّ خاصة على أمها المسكينة
استأذنت بالدخول إلى المنزل ..
قابلني جيمس كانت عيناه مليئة بالدموع وما إن رآني حتى ارتمي في حضني وأخذ يبكي وهو يقول : لقد اختطفت جيانا يا سيد فارس ! أرجوك أعدها إلينا
ربّتُ على كتفه ورفعت وجهه إلى الأعلى وقلت لا تخف عزيزي ستعود بالتأكيد
كان الدكتور وليم يجلس هو وزوجته قريباً من الهاتف .. ألقيت التحية وجلست
كان منظراً مأسوياً بحق
الأم قد تورمت محاجرها من شدة البكاء أما وليم فهو ينشج ويتأوه بشكل محزن للغاية
ساد صمت مهيب ولم يتكلم أحد
فكم هو فظيع أن تقف عاجزاً عن فعل أي شيء !!
تصبح الأرض الجافة ترنو بعينيها إلى السماء تنتظر متى هي تمطر ؟!
كان الوالدان كذلك قد ركزا أعينهما وآذانهما على الهاتف تحسباً لأي اتصال يبلّ جدب قلبيهما المتعطشين
* لم أطق هذا الجوّ القاتم .. رميت بعدة كلمات تطمينية ثم ودعتهم وانصرفت
عند خروجي مررت إلى جوار غرفة بيل فأحببت أن أخبره بانصرافي وعندما اقتربت سمعته يهمهم بكلمات خافتة وهو يتحدث بالهاتف وقد ميزت اسم جيانا من خلال كلماته
فتحت باب غرفته عليه دون طرقه ارتعب من دخولي فجأة
أغلق السماعة وهو يقول بارتباك :
- فارس أهلاً بك ... الحقيقة لم أتوقع خروجك سريعاً على هذا النحو ؟!
- قلت له : لم أستطع احتمال الجلوس هناك فالمنظر موجع !
- إذاً تفضل سوف أحضر لك كوب شاي
- أشكرك بيل لكن أحببت فقط أن أخبرك بانصرافي
خرجت من عنده والوساوس تعمل في ذهني هل يعقل أن يكون بيل متورطاً في خطف جيانا ؟!!
لا أصدق ذلك فقلبه طيب وهو شاب محترم
لكن لو وقع ذلك حقاً ! فلماذا فعل ذلك ؟
أهي عملية ابتزاز ؟!!
أبعدت عن مخيلتي هذه الوساوس وأنا أقول مستحيل أن يفعلها بيل !
بعد دقائق وصلت إلى شقتي ..
الحقيقة كانت الصدمة عنيفة عليّ
إنها فتاة تقطر براءة وطهراً لماذا يفعل بها ذلك ؟
كنت أتخيلها وهي تتعذب أو تئن تحت وطأة أغلال القيود فأنتفض من فوق سريري
آه يا جيانا ليتني أعرف مكانكِ لأنقذتكِ ولو كلفني ذلك حياتي
لم أستطع النوم تلك الليلة وكذلك لم آكل أي شيء ، اتصلت لأكثر من خمس مرات بمنزل وليم لكن لا جديد
نسيت كل ما حدث في الأيام الماضية وتملك تفكيري شيء واحد وهو كيف أستطيع أن أجد جيانا وأين هي الآن ؟
أصبحت أدور في حجرتي كالمجنون أفكر وأفكر لكن دونما فائدة ...!
أثناء دوراني تعثرت بطاولة صغيرة في غرفتي كانت عليها أوراق كثيرة مبعثرة فتشتت فبدأت ألملمها فرأيت شيئاً قد نسيته
إنها رواية جيانا التي أهدتني إياها .... ( يالغبائي ) ...!
لقد نسيت قراءتها وانشغلت بذلك الكتاب الشيطاني الإنجيل الأسود
فتحت الورقة الأولى وإذا بإمضاء جيانا :
( إهداء للسيد فارس أرجو أن تستمتع بقراءتها ويسعدني أن تكون أول قارئ في العالم لروايتي المتواضعة )
استغربت بأنني لم ألمح إهداءها أثناء تصفحي لروايتها عندما كنت في منزلها لكن ربما كتبته أثناء قيامنا لتناول العشاء
رغم كل الإرهاق الذي حلّ بي جراء التفكير المضني إلا أنني أحسست بنشاط عجيب لقراءة روايتها
المعذبون بصمت
إنه عنوان قاسِ بلا شك .. تحمل مدلولاته معاني عديدة !
* كانت جيانا تحكي قصة وقعت في بلدة صغيرة لعائلة مكونة من أب وأم وفتاة في السابعة عشرة من عمرها ...
كانت هذه الفتاة تدعى سندريلا
من المؤكد بأنّ جيانا متأثرة بهذا الاسم الشهير
كانت قصتها بأسلوب بسيط لكن فيه الكثير من العمق ،شعرت بأنها تحكي عن قصة وقعت فعلاً وليست خيالية
في نهاية الرواية وبعد فصول طويلة من الوصف الدقيق لعائلة سندريلا ورحلاتها التي قامت بها حول العالم
حدث نبأ سيء لعائلتها فقد مات والداها في ظل ظروف غريبة غامضة
أما هي فعاشت يتيمة تخدم في بيوت أناس آخرين وكانوا يعاملونها على أنها فتاة فقيرة معوزة ..
وفي فصل ختامي بعنوان : لماذا قتلوا أبي ؟
قالت سندريلا : لقد خشوا منه أن يفشي أسرارهم الشريرة لقد عذبوه هناك في القلعة المهجورة ثم قتلوه بعد ذلك ولسوف أنتقم من الأشرار في يوم من الأيام
عند انتهائي من قراءة الرواية تقافزت إلى ذهني أحداث تلك الليلة الأسطورية التي عشتها في تلك القلعة المهجورة
كأنّ جيانا تحكي مأساة حدثت على أرض الواقع وليس من نسج الخيال
حينها تذكرت نظراتها ذات المعاني الغامضة عندما سألتها ذلك السؤال المحرج عندما كنت في منزلهم
يبدو بأنني قد بدأت أهذي ..
الناس يبحثون عنها وأنا هنا أقرأ رواية خيالية وأضع توقعات أبعد ما تكون عن الواقع
هي مجرد رواية خيالية كتبتها جيانا فوالداها ما زالا على قيد الحياة وهي تتمتع برعايتهما وعطفهما
** كان بيل هو صديقي الوحيد الذي أبثه شكواي دونما خوف أو قلق لكن الآن قد أصبحت أشكّ في بيل نفسه
يا ترى هل أعيش في وسط مأسدة سباع ؟!
كل شيء يدعو للحذر والقلق والخوف وكأنني في أرض كلها ألغام ويجب عليّ أن أترقب أين أضع قدمي في كل خطوة