( 10 )
تنهدت العجوز ثم قالت : إنها قصة طويلة يا سيد فارس !!
شعرت بالإثارة وبنوع من الغموض يسيطر على الجوّ
قامت الجدة سريعاً وأعدّت كوبين من الشاي ووضعتهما في صينية خشبية ومعهما بعض الكعك محليّ الصنع ثم قدمته لي وهي تقول : اعذرني يا بنيّ لقد نسيت واجب الضيافة
لا عليكِ جدتي اعتبريني مثل جيانا
كادت أن تسقط الشاي من يدها عند مناداتي لها بجدتي
جلست ثم نظرت إليّ قليلاً وقالت :
- لقد كنت أتوقع بأنك تعرف قصتها ؟!
- قصتها !! للأسف لا أعرف أي شيء !
- كل الناس يعرفون ذلك حتى صديقك بيل الذي أحضرك إلى هنا
- لكنه لم يخبرني عن أي أمر .. أرجوكِ جدتي تكلمي
بدأت الجدة تسرد عليّ قصة جيانا وقالت : اسمع يا فارس إنّ جيانا ليست ابنة للدكتور وليم ولا لزوجته
حملقت بعينيّ وأنا أقول بأحرف متقطعة : ما .. ذ .... ا ؟!
نعم يا عزيزي ليست ابنتهما
عندها تذكرت قول الدكتور عندما دعاني لحفلته بأنها بمناسبة مرور خمسة عشر عاماً على زواجهما
تساءلت إذاً من هما والداها ؟!
والدها ابني المهندس سون ووالدتها السيدة الشريفة هولاند
** كان ابني وزوجته أصدقاء أعزاء لعائلة وليم وقد حدث لهما حادث سير توفيا على إثره وقد لطف الله بجيانا بأنها لم تكن معهما في ذلك الوقت وإنما كانت مقيمة عندي تلك الليلة
مرّت بمخيلتي سريعاً رواية جيانا وبدأت أستعرض ملخصها للحظات ثم سألت الجدة : لكن كيف أصبحت جيانا تعيش هناك في منزل وليم ؟!
إن الدكتور وليم رجل شهم لم يستطع أن يترك ابنة زميله تتعذب في وحدتها فقد أتاني بعد عشرة أيام من الحادث هو وزوجته وعرضا عليّ أن تعيش جيانا عندهما ، ترددت كثيراً بالموافقة لكن ثقتي بالدكتور وزوجته جعلتني أوافق ، كذلك فإن جيانا بحاجة لرعاية رجل وقد اشترطت عليهما أن يجعلاها تزورني كل نهاية عطلة أسبوع وقد نفذا رغبتي فقد كانت تزورني بانتظام حتى حدث اختطافها في هذا الأسبوع
- معذرة يا جدة : هل كانت جيانا تشتكي من مضايقة أحد ما ؟!
- أبداً ... أبداً ، فقد كانت تحب الجميع وهم يبادلونها بنفس الاحترام والمحبة
- وكيف كانت معاملة وليم وزوجته لها ؟
- كانت في غاية الرقة واللطف ، فقد عوضاها عن فقد والديها الشيء الكثير !
- حدقت بقوة في عيني العجوز وشعرت بأنها تخفي شيئاً لا تريد أن تقوله لي فقالت مبتسمة : هل هناك شيء تفكر فيه يا سيد فارس ؟!!
- إنني أفكر في جيانا
- صحيح ، أتمنى أن لا تصاب بأذى
نظرت إلى ساعتي ضربت عليها أوه لقد مرّت ساعة كاملة دونما أن أشعر
لا بدّ بأنّ بيل ينتظرني في الخارج ومن المؤكد بأنه غاضب على تأخري
* شكرت الجدة على استقبالها الرائع وعلى هذه المعلومات التي أكرمتني بها ووعدتها بالبحث عن جيانا حتى العثور عليها وقد طلبت مني أن أخبرها بأية تطورات تحدث ثم ودعتها وانصرفت
وقبل أن أخرج نادتني الجدة وقالت : هل ستحتفظ برواية جيانا ؟
قلت لها بلا شك سأفعل
ثم أردفت قائلة : الحقيقة أنا لا أقرأ ولا أكتب ولا أدري عن أي شيء تتحدث الرواية لكنّ جيانا أخبرتني بأنّ الدكتور وليم تضايق كثيراً عندما علم بأنها أهدتك الرواية ..!!
صمتُّ قليلاً ثم قلت وأنا أبتسم : ربما تضايق لأنها النسخة الوحيدة المتوافرة لديها وخشي عليها من الضياع
هزّت العجوز رأسها موافقة على هذا التعليل فأشرت إليها بالتحية وأكملت مسيري إلى خارج الكوخ
رأيت السيارة واقفة لكنني لم أجد بيل ، تطلعت إلى المكان الذي كان يمشي نحوه لكنه غير متواجد هناك ثم التففت وراء الكوخ ووجدته يطعم إحدى الأغنام الصغيرة
ناديته : صديقي بيل ماذا تفعل هنا ؟
نظر إلى الأعلى فقد كانت هناك نافذة على شكل معيّن أظنها في نفس غرفة جيانا التي كنا نجلس فيها
أنا هنا عزيزي قلتها وأنا أضحك
أرجع بيل طرفه إلى الأسفل وأبصرني إلى جوار الكوخ ضحك وهو يسير إلى جهتي وقال : كنت أحسبك في الأعلى ؟
ضربت على كتفه وقلت : إذاً أنت تتصنت علينا ؟!!
قال مرتبكاً : أبداً .. أبداً يا فارس لكني سمعت ثغاء هذه الصغيرة فلم أتمالك نفسي إلا أن لبيّت نداءها
حسناً يا بيل أنا أعتذر عن تأخري هيّا بنا
ركبنا سيارتنا وعدنا إلى المدينة ...
وأثناء الطريق لم أشأ أن أعاتب بيل على عدم إخباره إياي عن قصة جيانا فآثرت عدم الخوض في هذا الموضوع وبدأنا نتحدث عن روعة هذه القرية الجميلة ومتعة العيش فيها
بعد أن وصلنا إلى سكني شكرت بيل على تجشمه المتاعب ثم صعدت إلى الأعلى
كنت أتضور من الجوع تناولت غدائي وأخذت أقلب في رأسي المحادثة التي جرت بيني وبين جدة جيانا ...
هناك حلقات مفقودة أبحث عنها
كلما وجدت حلقة لأكمل بها سلسلة أفكاري أفقد حلقة أخرى أو اثنتين
كنت أدور في تيه ليس لبدايته نهاية
* حاولت أن أنام لكني قبل ذلك اتصلت على منزل وليم لأسأل عن جيانا أجابني بنفسه وقال بأنهم لم يصلوا إلى أية نتيجة تذكر !
تقلبت على سريري لأكثر من نصف ساعة ثم رحت في سبات عميق
عند السابعة مساء استيقظت من نومي لكني لم أزل أشعر بالإعياء والفتور
أعتقد بأنه نتيجة لتلك السموم التي أدمنت عليها فيما مضى من أيام لقد أقلعت عنها نهائياً ولله الحمد ، كل شيء يتعلق بالدكتور وليم بدأت أكرهه إلا جيانا البريئة !
أين أنتِ أيتها الفتاة اليتيمة ؟!!