الموضوع
:
روايه لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية
عرض مشاركة واحدة
27 - 10 - 2024, 02:23 PM
#
83
عضويتي
»
1746
جيت فيذا
»
13 - 7 - 2024
آخر حضور
»
18 - 12 - 2024 (01:20 PM)
فترةالاقامة
»
163يوم
مواضيعي
»
49
الردود
»
1956
عدد المشاركات
»
2,005
نقاط التقييم
»
450
ابحث عن
»
مواضيعي
❤
ردودي
تلقيت إعجاب
»
62
الاعجابات المرسلة
»
16
المستوى
»
$37 [
]
حاليآ في
»
دولتي الحبيبه
»
جنسي
»
العمر
»
سنة
الحالة الاجتماعية
»
اعزب
مشروبى المفضل
»
الشوكولاته المفضله
»
قناتك المفضلة
»
ناديك المفضل
»
سيارتي المفضله
»
الوصول السريع
الاوسمه الحاصل عليها
مجموع الأوسمة: 1...) (
المزيد»
مجموع الأوسمة
: 1
رد: روايه لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية
الجزء ( 67 )
بقول حاجة بسيطة :$ بالنسبة للي مستغربين من حالة غادة، أكيد ماني مخترعة مرض من مخي، تقدرون تشوفون تقارير وأفلام وثائقية وحتى أفلام عادية تكلمت عن هالموضوع، إسمه " فقدان الذاكرة الرجعي " يعني يكون واقف عند زمن معيَّن.
+ ورآه مافيه ثقة
كثير رسايل مكتوب خلاص بتوقفين وماراح تكلمين والخ
صدقُوني مهما حصَل أنا نفسيًا وكقناعات مستحيل أبدأ بشي وماأنهيه، يجيني إنهيار
حتى لو كان شي شين لازم أكمله للنهاية فما بالكم بشي يسعدني كثير وأحبه . . إن شاء الله مايردني عن إكمالها شي أبد ()
+ يارب يارب يارب يقّر عيننا بنصِر سوريَا وبلاد المسلمين ويحفظ شعوبنَا العربيَة والإسلامية من كل شر، ويحفظ " مالِي " ويحفظ أرضها وأهلها من كل سوء.
عبدالعزيز يبلع ريقه لينظر للسلاح المصوَّب نحوه، عدّ في داخله للخمسَة حتى دفع نفسِه على الأرض لتنطلق الرصاصَة بإتجاه النافذة، تساقط الزجاج كمطرٍ حاد، يغرزُ في الأرض ندبات البشر، ندباتُنا نحن الذين تعبنا من المسير، أخرج سلاحه ليصوِّبه نحو جسد عبدالعزيز الملقى على الأرض، وقف بثبات وهو ينظرُ للرصاصة الجادة جدًا نحو قلبه.
رائد بخفُوت : وش حاول تسوي؟ تهرب؟ . . غبي! غبي جدًا ما ورثت من أبوك ربع ذكاءه
عبدالعزيز يتقدَّم، يعاند الخطوات، يقف بإتزان أمام رائد، ولا يفصله عن فوهة السلاح سوى سنتيمترات قليلة، رائد رفع حاجبه : ودِّك تموت؟ مستعجل مررة! ولا عشان تعرف أنه مصلحتي بحياتك تحاول تتحداني
عبدالعزيز بهدُوء : أنا أوافقك أني ممكن سويت أشياء غبية بحياتي! لكن ما وصلت لمرحلة الغباء، ما وصلت لمرحلة أنه ينضحك عليّ لمدة سنة وأكثر
لم تُختم كلماته بإطباق شفتيْه، خُتمت بضربةٍ رفع بها رائد ركبته ليضربها ببطن عبدالعزيز، تراجع عدة خطوات للخلف متجاهلاً ألمُ معدته الخاويـَـة : شايف! ماحاولت أهرب! أنت محاصرني ومع ذلك قدرت أهرب من رصاصتك! . . شايف الفرق! أنا قادر . . قادر أني أفلت منك بهذا *أشار لرأسه*
رائد بإبتسامة متشبعة بالخبث : تفضل أهرب . . يعجبني النضال والدراما اللي مسويها . . *يصفِّق بحرارة ساخرًا*
عبدالعزيز أبتسم بمثل إبتسامته : طول عمري درامي! ممثل قدر يلف عليك
رائد تختفي إبتسامته : تحاول تستفزني! لكن بدري عليك
عبدالعزيز : بدري عليّ؟ بما أني وحيد ماعندي شي أخسره على قولتك! . . العقد ماراح أوقع عليه يا سيادة الجوهي
رائد أخذ نفس عميق ليُردف ببرود :. آممممممم تعرف أني مآخذ من فارس شاعريته .. بضحكة عميقة مُستفزة أردف . . . بنت الفتنة! صاحبة الشعر البني ذكرني بإسمها! . . . ما تتذكرها! معليش أوصف لك أكثر . . . *يُخرج طرف لسانِه ليُشير لحركة رتيل التي رآها*
يقاطعه وهو يركل الطاولة التي أمامه لتأتِ بمنتصف سيقان رائد، صخب بضحكاتِـه : واضح أنه ماعندك شي تخسره
عبدالعزيز أغمض عينِه لثواني، ليتقدَّم بخطواتِه الهادئة ويركز نظراته لخلفِ رائد، كانت كلمات سلطان تُعاد على رأسـِه، كان حضُوره قوِي في عقله وحنجرته الرجوليَة العنيفة التي تلفظ بغضب " هذي الحياة ما هي هبَة يا عزيز! ما تصرف عليك ولا تعطيك بدون سبب! ما راح تطبطب على كتفك إذا فقدت أحد! . . إذا عطتك في يوم تأكد أنها راح تآخذ منك شي . . لأنها ماراح تبقى لنا! ماراح تجيك عشان قلبك أشتاق! ماراح تجيك عشان قلبك يبكي عليهم! ماراح تجيك هالحياة عشان نَفسِك بشي! . . إلى هنا ويكفي! تحملت فوضويتك بما فيه الكفاية! كلمة ثانية وأقسم بالذي لا إله الا هو راح أبدأ أعاقبك بالحجز! . . . مفهوم ولا أعيد كلامي من جديد يا سعادة المراقب عبدالعزيز "
أستغرق دقائقه وهو ينظرُ لِمَ خلفه بطريقةٍ مُريبة حتى يُشتت إنتباهه ليكسب عندما رآهُ يلتفت، سحب ساق رائد بقدمِه ليأخذ السلاح من جيبِه، وضع الفوهة بإتجاه رأسه ليلفظ بخبث : أنا آسف لأني في كل مرة أصدمك بنفسك . . . الحين يا حبيبي رائد ممكن تخلي حرسك يبعدون عن طريقي عشان ما يصير شيء يخليك درامي والعياذُ بالله . . . ولا تنسى ترى راسك يبونه يعني جثتك مجد ليْ
رائِد إبتسم وبداخلِه براكينٌ من القهر تفور : كنت عارف أنهم ما جابوك عشان يدربونك عليّ!
ضحك عبدالعزيز ومنذُ فترة طويلة لم يضحك بهذه الطريقة العدوانيَة ليُردف وهو يليِّن نبرته بطريقة طفولية : شيء مؤسف والله . . بنبرةٍ هادئة أكمل : أرجعك شوي لورى! وش سويت فيني! حرقت جلدي بالليمون . . صح ولا أنا أتخيَّل
رائد : لقيت فرصتك تنتقم
يحاوط رقبَة رائد من الخلف ليشدَّها نحوه حتى ألتصق رأسُ الجوهي بصدره : أضف لمعلوماتك المهمة! أني مزاجي حتى بإنتقامي . .
أفلته حتى يسعلُ من بعد أن أختنق بقبضة عبدالعزيز : برافو! أحييك بس صدقني ورب العزة لا أخليك تندم على اللحظة اللي مديت فيها يدِك
عبدالعزيز ينظرُ للتاريخ الذي يُشير للثامن عشر من اكتوبر في جدول التقويم المعلَّق وبنبرةٍ ساخرة ممتلئة بالغرور : أسمح لي يا سيدي حسب المادة الثامنة عشر من دستور عبدالعزيز سلطان العيد الذي ينص على مرتكب الحماقة بأن يعاقب بإسقاط شرعيْته أمام من يتولاهم بما فيها هيبته مع كامل الأسف لمعاليك. . يالله قدامي وجِّه يا معالِيك أوامرك لحرسك
رائد تنهَّد وهو يشتعل كما لم يشتعل من قبل، يشعُر بقهرٍ لا يساويه قهر، وكأنه لأول مرةٍ يُقهر! أو رُبما لأن هذه المرة الأولى التي يُستصغر بها بهذه الصورة! سلطان العيد بقوته لم يستطع أن يتجرأ عليه ومن بعد سلطان بن بدر أيضًا لم يستطع ويأتِ الآن شاب بعُمر فارس يتجرأُ بكل وقاحة! إنهم يلعبون بالنار.
،
على بُعدٍ قريب، أرتخت يدِها لترفع عينيْها الغارقة بالملح وبنبرةٍ بحَّ بها البكاء أنفجرت به : راح أدعي عليك كل لحظة بأنك تشوف كل هذا في أقرب الناس لك . . *أرتفعت نبرتها مع قُربه لتحاول أن تدفعه بضرباتها على صدره* الله يآخذك يا حقيير يا قذ . . لم تُكمل من قبلته المفاجئة لها، بترَ صوتُها بشفتيْه وهو يُلصِق ظهرها بالجدار ويثبِّت يديْها بقبضةِ يده، لم أعرف ماهي الطريقة السليمة لإيقاف غضبك، كل ما أعرفه من دراستي أن القُبلة الواحدة كافيَة ببثِّ البرودة لدمٍ سخِن بثورته، قُبلة واحِدة كافيَة لتزداد رئتيْكِ إنتفاخًا لتأخذ حاجتها من الأكسجين، لتتخلص من نواتج الإحتراق وتُزيد نشاط غدَدِك المشدودة، قُبلة يا عبير كافيَة لإنبساطِ عضلاتِ رقبتِك ووجهك المنتشيَ بالغضب، تُجبريني على إستعمال طرقٍ تُغضبك، تُجبريني على تعنيفك بخفّة، ولا تسأليني عن هذا التناقض؟ أنا رجلٌ التناقضات، رجل الضد في كل الأمور، درستُ شيء ومارست شيءُ آخر، لم أوجه الحُب نحوك بوضوح رُغم أني شفافًا والسبب يعُود لك، يعُود للعائلة التي تنتهي بإسمك.
أغمضت عينيْها، ليخفُت جسدها بضوءه ويشحب، أولُ قبلَة ماذا تعني؟ أولُ إلتصاق يحمَّرُ به جسدي، هذا الإرتفاع الذي أصعدُ عليه بقلبٍ يفقد سيطرته على نفسه، هذا الشاهق الأسمر الذي أنتظرتُه كثيرًا أتى بريحٍ أقتلعت جذوري، يالله! هذا حقيقي! ليس وهمًا! للمرةٍ الأولى أشعرُ بأن أحدًا يرفعني للسماء ويُسقطني، يُسقطني بقوةٍ لا يتحملها جسدٌ ناعم، عاقبني الله بك أشد عقاب، عاقبني الله بأبيك، وبك! لا حق يضيعُ في هذه الحياة، حقُ المعصيَة، حق تجاوزي كان لابُد أن يرَّد في الدنيَا قبل الآخرة، هل يحق لي أن أقول " آخ " في ضيق ملامحِك، في إتساع صدرِك وتشعبه؟ هذه الشفتيْن تقتلع قلبي من محجره، تمتصُ أوردتِي وشراييني، إنها تُسقطني جافَّـة، آخ من هذه الدنيَا ومن الحياة التي لا تستقيمُ لي، آخ من عينيْك المُشتعلة و سُمرتك الشاهِقة، لِمَ أنا بهذا التناقض؟ لمْ أواجه حبك بأمرٍ إختياري، كان حُبك أكبر من كل شيء، أتى حُبك بضراوة شديدة، أفقدني القدرة على التحكم بالأشياء التي تخصني، أفقدني كل شيء، لم يكن حُبك صالِحًا مُسالِمًا، كان حُبك نزعة تطرفيَة إتجاه أحكام هذه الحياة، كان طعنًا في خاصرة الإستقامة، كان حُبك : مآسآة . . مآسآة جميلة.
أخترق صوتُ إرتطام الزجاج بالأرض حاجز شفتيْهما، ليبتعد خطوة للخلف دُون أن ينظر إليْها وصدره يهبط بشدَّة ويعلُو بذات الشدة وكأنه للتو خرج من معركَة تصنَّف تحت بند فارسيٌ حساس، أعطاها ظهره ليخرج بخطواتٍ سريعة ويتركها " غرق ".
جلست على ركبتيْها والبرودة تجمِّد أطرافها، مدَّت كمها لتقسُو على شفتيْها الناعمة وهي تمسح أثر قبلاتِه، نزل دمعها المنتشي بحرارةِ أنفاسِه، كان قريبًا . . قريبًا جدًا يالله!، كان مؤذيًا، لمن أشكُو؟ لمن أشرح كيف لرجلٍ أن يُمسك زمام عاطفتي؟ عاطفةُ الأمومة التي تكبرُ معي وعاطفَة الصبيَة التي تصبرُ على برودي، بكل عواطف المرأة التي جُبلت عليها، أنا أضيع .. أتوه ولا أحد يقول: أنا معك، من يتوقع أن أكون محاصرة برجل لا أتوقع أن أبي رآه قط؟ من يتوقع أن أتزوج بهذه الطريقة؟ من يتوقع أن إبنتك يا أبي يُصيبها الدوار بقُبلة؟ أنا التي كنت أشعر بأن أولُ قبلة ستكون في حياتي تحت إطارٍ عاطفِي رقيق لرجلٍ يحبني بدوافعٍ كثيرة من أهمها " أني عبير "، هذا مالا طاقة لي به يالله! ليس لي طاقة بأن أصطبر على هذا العذاب . . عذابُ ضميرِي وعينيْه.
،
يُمسك سبحته ليُبعد الخرزات المنتظمة واحِدة واحِدة بوقارٍ وسكينَة، كان تدق الخرزات السوداء المزخرفَة ببعضها البعض بصوتٍ يقتلع قلبها لحظة ويُعيده لمكانها، تحاول أن تتأكد، تتأكد من الكلمة التي نطقها ومن النبرَة ذاتها " تُركي !!! "
ألتفت عليها بعد أن أنتبه للصمت، نظر إليها نظرة واحدة كافيَة بأن تُشعل وجهها إرتباكًا ورجفَة، رفع حاجبَه ولا يعجز عن مسألة ترجمة ملامحها، وقف لتعُود للخلف عدة خطوات وعينيْها تزداد حُمرة، إختصَر بقيَة المسافَة بخطوتيْن طويلتيْن ليُردف : مين؟
لم يعد لها القدرة على التحكم بصوتها الذي فلت منها لينزلق بمسارٍ ضيِّق، تشعر بأن كل شيء في جسدها يُعيش دوارٌ حارق، حتى لسانها.
سحب الهاتف من كفِّها ليستمع لنبرتـِه المبحوحة كبحَّتها، الحزينَة كحزنها، الضيِّقة كضيقها، الباكيَة كبكائها، الهادئة كهدُوءها، أيشابهها أم أنا الوحيد الذي يشعر بأن كل شيءٍ يفعله يُشبهها!
تُركي : الجوهرة! . . . بس أسمعيني هالمرة . . أنا أعرف! أعرف أني سرقت منك كل أحلامك، سرقت حياتك ومستقبلك بلحظة، جردِّتِك من أغلى شيء تملكينه، بس . . كنت معمي . . كنت أشوفك كل شيء، ومازلت إلى الآن مو قادر أبعدك من أحلامي! من نومي . . . تخيلي الدكتور يحسبني مجنون! يعاملوني كأني فاقد عقلي! كل هذا عشان . .
بصوتٍ يُزلزل أركان الجوهرة قبل أن يزلزل أيّ جسدٍ آخر يُقاطعه : عشان؟ . . إلى الآن ما تغيَّرت! ما حاولت تصلّح وضعك! الحين تأكدت بأن حقك بالحياة سقط ومحد بيلومني على اللي بسويه! سقط يا تُركي وأقسم بالذي لا إله الا هو ما راح يبقى فيك عظم صاحي . . . أغلقه ليرمي الهاتف بقوَّة على الجدار، ألتفت إليها وهي ترتعش لينظر إليها بنظرة تُميت وبشدَّة، هذه النظرات أعرفها، هذه النظرات لا أنساها، ذاتها التي كان يراني بها أولُ مرةٍ أستمع بها الخبر، ذاتُها التي لم يكررها سوى مرَّة! مرَّة وجعلني أموت! يالله!! كم مرةٍ مُت على قيد هذه الحياة؟ كم مرَّة قلتني بعينيْه، كم مرة يا سلطان؟ من أجل الله كيف لنظراتِك أن تقتلع قلبي وتُعيده! من أجله كيف لهذه العينيْن أن تكون هُنا! على هذه الأرض التي لم تحاول أن تتعايش معي! لمْ تحاول أن تربت على كتفي وتصاحبني معها.
الجوهرة تُغمض عينيْها بشدَّة تُشبه شدة الضربات على صدرها الصادرة من قلبها وهي تستندُ بذراعها على طرفِ الطاولة،
سحبها من زندها لترتطم بصدره دُون أن تضع عينها بعينيْه، بحدَّة : كنتِ بتخبين بعد؟ لو ماني موجود الله أعلم كيف بعرف! . . عُمرك ماراح تتغيرين .. مثله تماما!
خرجت حصَة مهرولَة بفزع : سلطان! .. نظرت للهاتف المتفكك على الأرض! لترفع عينيْها إليه بلومٍ عميق.
سلطان بصوتٍ هادىء ظاهريًا ومن داخله يحترق بنارٍ لاذعة : طيب . . أبتعد بخطواته ليُعطيهما ظهره.
حصة : وش صاير لكم؟
سلطان ألتفت بجنون وصخب ليعتلي صوته بإنفجار وهو يُشير بسبابته نحوها وكأنه يُشير بسلاح من شأنه أن يرتجف جسدها، هذه السبابة المتجهة نحو قلبها تقتلها : حسبي الله عليك! بس وربِّك لتلقينها بحياتك دام أنا حيّ !
حصة أتسعت محاجرها بالدهشَة لتُردف : تهددها قدامي! ما عاد في وجهك حيا!! هي ما تشتغل عندك عشان تلومها وتلوي ذراعها عند أيّ زلة! وش قدمت لها إن شاء الله عشان تحاسبها! ما تطلع منك كلمة حلوة وتبيها ملاك ما تغلط أبد هذا إذا غلطت فعلاً! . . أصحى على نفسك شوف أغلاطك .. شوف وش مسوِّي بهالمسكينة يومك تبيها كاملة منزهة!
سلطان : لو سمحتي عمتي
حصة بحدة تشدُ بها نبرتها وهذا الغضب لا يعتاده منها : سلطان! للمرة المليون أقولك أنت منت عايش بروحك بهالعالم! ولا كل هالعالم يطلب رضاك! أعرف هالشي وأصحى على حالك
سلطان بغضب نرجسي : إلا هالعالم واقف على بابي وأسألي اللي وراك تثبت لك بعد!
الجوهرة تضمُ ذراعيْها ولا صوتُ يخرج، عادت للسنوات الماضية بتصرفها هذا، عادت للسنوات التي يحتبسُ بها صوتها حتى تنسى شكلُ ولون نبرتها.
تركهما ليتجه نحو مكتبه المنزلي القريب، دفع الباب بقوَّة ليضجّ بأسماعهم، عادت إليْها لتشدَّها بلطفٍ نحو صدرها: أشششش خلاص يا روحي!
الجوهرة من بين طوفان بكاءها: يظلمني كثير
حصة غرقت بالتفاصيل، بالتأكيد أن هناك شخصٌ أستفز سلطان خلف السماعة، ولكن كيف يستفزه؟ هل بمعرفته بالجوهرة! من المستحيل أن تتحدث مع أحدٍ لا تعرفه، يالله يا سلطان على غضبك الذي يؤلمك قبل أن يؤلمها، تنهدَّت لتُردف : يهدأ ويرجع لعقله . .
،
فتح الباب لتتسع عينيْه بالدهشَة، ينظرُ لجسدِ والده الذي يقف خلفه عبدالعزيز ومصوِّب ناحيته السلاح، كيف فلت وكيف أمسك بوالدِي بسهولة هذا مالا يستوعبـه.
عبدالعزيز ينظرُ إليه بنظراتٍ يفهمها فارس كثيرًا : ممكن تبعد!
فارس : عبدالعزيز!
عبدالعزيز بنبرةٍ مبطنة : زوجتك وتحت جناحك ... أظن أننا متفقين
فارس تنهد : ممكن تبعد السلاح
رائد بسخرية : كفو على ولدي الحين بيبعده
عبدالعزيز : طبعًا لأنك فاهم الرجولة بالضرب وبالصوت! أكيد ماراح تعجبك تصرفات ولدك .. بس خل فارس يقولي مرة ثانية أترك السلاح وأنا أتركه قدامه
رائد ولا ينفك عن السخرية : الله على الصداقة والتضحية! . .
عبدالعزيز ينظرُ لفارس : تبيني أتركه؟
فارس بغضب يضع كفِّه على جبينه يحاول أن يتزن بتفكيره للحظة
رائد بغضبٍ من تفكيره الذي بموضعٍ لا يحق له أن يفكر : وتفكر! يا خسارة تربيتي فيك!
فارس : من ناحية تربيتك فهي خسارة فعلاً! بس قلت لك من قبل لو تذبحني مقدر أقولك شي
يُكمل بصوتٍ يعتلي بنبرته : قلت لك من قبل لو أسوي أسوأ الأشياء بحياتي مستحيل أضرك بشي! مستحيييييييييل وليتك تفهم معنى مستحيل . .
رائد بهدُوء : طيب وريني!
عبدالعزيز : غبي! جدًا غبي حتى ولدك عجزت تفهمه
رائد ولم يعتاد على هذه الأوصاف أن تقال بوجهه ليلفظ بغضب : معليش يا سموّكم أنزل شوي لعقلي
عبدالعزيز : هههههههههههههههههه . . ممكن تبعد فارس .. أنا فعليًا ما عدت أتحمل أبوك
فارس تنهَّد : لا . .
عبدالعزيز عقد حاجبيْه : فارس!!!
فارس : لو سمحت
عبدالعزيز يتقدم بخطواته نحو الباب ليُردف بذكاء نحو الحارس الواقف : كل رجالك خلهم يجوني الحين وهنَا!
رائد يُشير بعينيْه ليفهم الحارس ويذهب.
أبتعد عبدالعزيز قليلاً عن الباب ساحِبًا رائد معه : ننتظر كلابك تجي على فكرة لا تحاول تخدعني فيهم! عارفهم بالعدد!!
ثوانِي قليلة حتى أصطفُوا جميعهم أمامه لينظرُ إليهم بتفحص وهو يعدهم بداخله : ناقص واحد!
: كاملين
عبدالعزيز : وأنا أقول ناقص واحد! ماأشاورك إذا كلامي صح ولا غلط . . مفهوم؟
: مفهوم لكن مافيه أحد غيرنا اليوم
عبدالعزيز بسخرية : عاد أخترع لي واحد!
رائد : وش رايك بعد نطلع أبوك من قبره عشان تقتنع حضرتك؟
عبدالعزيز يضربه بفوهة السلاح على مؤخرة رأسه وبحدة أشتعل غضبًا : أبوي لا تطريه على لسانك!
فارس يلتفت لأحدهم : روح نَاد حمد!
ويقذفُ شتيمته بوجه إبنه ليضحك عبدالعزيز بإستفزاز صريح لرائد، ينتقم منه بهدُوء، كل التعذيب الذي سكبه رائد عليه لا شيء عند إستفزازه.
أتى حمد ومعه الآخر ليقفَا مع زملائهم، وبإستهزاء كبير : جيب الكيس اللي وراك
أخذ حمد الكيس ليلفظ عبدالعزيز : حطوا فيه أسلحتكم!
رائد بغضب يضرب بقدمه على الأرض، لا يتحمل كل هذا الإستهزاء به وبقوتِه.
عبدالعزيز بصوتٍ مستهزء : معليه يا رائد تحمَّل الهزيمة . . مو كل مرة تفوز
وضعوا أسلحتهم جميعًا في الكيس، عبدالعزيز يحبسُ ضحكته المنتصرة : أفتح الشباك اللي وراك وأرميهم.
عبدالعزيز ينظرُ للمكان نظرةٍ أخيرة حتى يتأكد من هربه بأمان، أردف : مفتاح الشقة وين؟
فارس بغضب : إلى هنا ويكفي!
عبدالعزيز بجدية : أنا آسف
فارس يقترب بتحدي كبير له : عبدالعزيز لا تنسى أنه في بني آدم تحت!
عبدالعزيز بحدة : أبعد عن طريقي مو من صالحك! . . . ليوجه نظراته للواقفين أمامه . . وين المفتاح؟
حذفه أحدهم لتلتقطه كفُّ عبدالعزيز ، أقترب بخطواته ليُرغم فارس على الرجوع للخلف قليلاً، . . أتجه نحو الباب ليبدأ خطواته عكسيًا وهو ينظر إليهم مهددًا . . ثواني فاصلة حتى فتح باب الشقَة وسلاحه مصوَّب على رأس رائد، بكل ما أعطاه الله من قوَّة دفع جسدِ رائد للأمام حتى خرج وأغلق الباب عليهم، ركض للأسفل.
رائِد بغضبٍ يُقيم جحيم الدنيا أمامه : يا ************ على أيش واقفين!
بأقل من ثانية بدأوا ينتشرون ويختفُون من أمامه، أقترب من فارس وهو يقذف عليه تهديده : هي كلمة وحدة بقولها لك! راح تدفع ثمن غلطتك معي
في جهةٍ أخرى أستغرق بركضِه الكثير حتى خرج من المنطقة البائسة/المشتعلة، أوقف التاكسي ليركب بتنهيدة الراحة والخلاص من كل هذا العذاب.
،
في آخر الليل بعد ساعاتٍ طويلة من ضجيج باريس،
وضع يديْه على رأسه ليضغط بجهةِ إذنيه حتى رفع عينيْه لعبدالله الذي قرأ رسالته وأتى سريعًا، قرأ ملامح عبدالرحمن بصورةِ الخيبة ليُردف مكذبًا إحساسه : وش صار !
عبدالرحمن بوجَع عميق : مقرن وعبدالعزيز . .
عبدالله : عبدالرحمن تتكلم بالقطَّارة!
عبدالرحمن بغضب : قتلوا مقرن! . . إحنا الأغبياء اللي ما قدرنا نوصله ونحميه والدور على عبدالعزيز . . لأنه هرب .. هرب ياعبدالله وهو يحسب أنه اللي يلاحقه رائد وبس! فيه اللي أكبر من رائد وليته يفهم
عبدالله مسك جبينه الذي تعرَّج، زميلُ العمل وصديقُ سنواتٍ كثيرة يموت هكذا! دُون أن يلمس قلوب من تجرأوا عليه الندم : كيف وصلك الخبر؟
عبدالرحمن : يعرفون العناوين زين! يحاولون يحرقون قلوبنا بكل شي . . ما يخافون . . والله ما يخافون .. يسوون الجريمة ويعترفون فيها!
عبدالله : يمكن يحاولون يهددون وبس!
عبدالرحمن جلس على الكرسي بإنكسار، لا يتحملُ موت من يعز عليه، أأحزن عليك يا من أنجبته لي الحياة أخًا أم أحزن لأني كنت وضيع وأسأت الظن بك! على من تحديدًا يجب أن أحزن يا مقرن؟ يارب السماء أرحمني وأرحمه. أرحم ميتنا.
عبدالله يجلس لترتفع الحُمرة لعينيْه بعد أدرك أنه هذا الأمرُ حقيقة واقعة، بعد كل هذه السنوات! هجرنا البكاء، نحنُ الرجال كنا نهجر البكاء ونضعه خلف ظهورنا ولكن دائِمًا ما يصفعنا، دائِمًا ما يجيء بهيئة حادة تكسرنا، نحنُ الذي لم نعتاد على الملح و ماءه ليتنا لم نتذوق الحياة.
ترك المصعد الكهربائي الذي طال به حتى صعد بالسلالم وهو مفزوع من إتصال بوسعود به، بهرولة جرى نحو مكتب عبدالرحمن المفتوح لينظر إليهم بدهشة : بو سعود!
رفع عينه لمتعب الذي كان لزامًا عليه أن يتصل عليه ليجهِّز بعض الملفات ويُعيد فتح القضايا من جديد وبأسرعِ وقت.
متعب برهبة بعد أن طال المكوث أمامهم : بو بدر صاير له شي؟
عبدالرحمن يقف رُغم كل الهزائم المعنوية والحسيَّة، رُغم هذه الحياة التي لا تُصيب بحظٍ معه : لا . . مقرن
متعب برجفة صوته : وش صار له؟
عبدالرحمن شعر بأنه يختنق، بأن صوته لأول مرةٍ يضعف هكذا، في وفاة زوجته كان حزنه يحبس صوته والآن يُعيد نفس الحزن سطوته على لسانه، نظر إليْه بنظرةٍ أنكمش بها قلب متعب.
هدأت أنفاسه المهرولة وعينيْه تحمَّر بدرجةٍ مرتفعة : أسمح لي شوي بس . . عن إذنكم . . . وخرج متجهًا لدورات المياه، دخل ليضع يده على المغسلة منحنيًا بظهره، يشعرُ بأن قوَّاه تتضاءل وكل مافي هذه الحياة يتضاءل، وصوتُه، صوتُ مقرن يتوسطُ عقله وتفكيره، وكلماته وضحكاته تعاد عليه بصورةٍ مُفجعة له.
" مقرن بضحكاته يقف تحت شمسٍ حارقَة وهو ينزل نظاراته الشمسيَة: تعرف وين المشكلة! طبعا غباءك موضوع منتهيين منه لكن يخي عجزت أرقع لك! مرة مع بوبدر ومرة مع بوسعود! خلاص أعفيني ماعاد بتوسط لك لأنك بصراحة منت كفو "
كم مرةٍ ستر علي بمصائبي المتكررة في العمل وكم مرةٍ تجاوز عنِّي وحاول إصلاح أخطائي، كم مرة يا مقرن حاولت أن تُلطف غضبهم عليّ، لِمَ يجيء الموت خاطفًا هكذا؟ أريد أن أعرف لِمَ لا يُمهّد لنا هذا الطريق بأعراضٍ قبله.
سقطت دمعته الحارِقة على خده الخشن، شدّ على شفتيْه وأنفاسه تزيدُ إضطرابًا، مات؟ هذه الحقيقة التي يجب أن يستوعبها.
فتح الصنبُور ليغسل وجهه بماءٍ بارد يحاول أن يخمد به نيران روحه، في مكتب عبدالرحمن أعطاهُ ظهره لينظرُ للنافذة، كان يحاول أن لا تسقط دمعته أمام عبدالله، يشعرُ بالحرقة تصل لعنقه، تلألأت عينيْه بالدمع المحبوس وهو ينظرُ لساحة التدريب المُظلمة، من ألوم؟ هل ألوم نفسي التي فرطّت بُبعدِك؟ ليتني رأيتك يا مقرن! ليتني فقط فهمتُ منك لِمَ حدث كل هذا! ليتني شرحت لك كيف شككنا بك! أنا يائس جدًا! يائس من هذه الحياة ومن إستقامتها، يائس من بقائكم حولي، شخصٌ يغزو الشيب رأسه بمن يجب أن يُفكر؟ هل يُفكر بالحياة أم الموت! إني أفكر به أكثر من تفكيري بشيءٍ آخر، مُتصالح معه من أجل نفسي ولكن لستُ متصالح معه مع غيري، كيف أستوعب أنك رحلت! والله وبالله وتالله لأجعلهم يدفعون ثمن دماءك غاليًا، الآن فقط أدركت بأن التعامل المثالي وفق القوانين لا يفيد! إن العدالَة لا تُقام على أرضٍ هشَّة، إن العدالة هي الإنسان، قضيتُ طوال عمري أبحث عن العدالة . . عن رفع الظلم ولكنني لم أعدِل.
عبدالله بمحاولة أن يصغِّر ألمه : مين لازم يكون ثابت بعد كل هالظروف؟ عبدالرحمن عارفك ما يهزِّك شي . .
عبدالرحمن يلتفت عليه وبحديثٍ غاب لسنوات يعرِّي قلبه : هنا الوجع . . *يُشير لصدره* . . قاعد يروحون مني واحد ورى الثاني يا عبدالله . .
عبدالله يغمض عينِه ليُرجِع تلك الدمعة لمحجرها : هذي الحياة! . . وش طالع بإيدك عشان تسويه!
عبدالرحمن بإنكسار مجموعة رجال، بإنكسارهم جميعًا يلفظ : وين العدالة يا عبدالله؟ سنين وسنين وهُم نفسهم يحاصرونا! ندفنهم فترة ويرجعون يطلعون! . . وينها العدالة اللي كان لازم يروحون فيها هُم مو مقرن! . . مو سلطان العيد . . وينها العدالة اللي تخلي غادة تضيع؟ . . قولي بس ليه كل ما تقدمنا خطوة رجعنا 100 خطوة لورى! يا عبدالله أنا بالطقاق بس هُم! . . وش ذنبهم؟ . . وش ذنب أهلهم؟ وش ذنب عيالهم ؟؟ . . كيف يعيشون؟ أنا من تركت بناتي وأنا نومي ماأتهنى فيه كيف هُم ؟ .. سقط على الكرسي بحزنٍ يتغلغل بأعماقه ليُردف بنبرةٍ يخدشها بحة البكاء . . بهالمكان وش كنا نقول قدام بعض؟
بصوتٍ تعتلي نبرته حرقَة : أنا و أنت و بو بدر وبوعبدالعزيز . . وش كنا نقول يا عبدالله؟ . . إننا نموت ولا ينلمس طرف واحد هنا! . . لكن . .
بنبرةٍ تجعلُ كل الأشياء تصغي له، بنبرةٍ متعبة ضيِّقة، بنبرةِ رجلٍ يُعاني ويا شدة المعاناة، وقف متعب بعيدًا قبل أن يلاحظوه وهو يستمع لحديثٍ شفاف لم يستمع له من قبل : لكن قتلوه! بس ما متنا . . ما متنا يا عبدالله . . وين العيب؟
عبدالله : انت تنهار!
عبدالرحمن أغمض عينيْه ليضغط عليهما بأصابعه ودموعه تتجمع خلف جفنه، ليُردف : ولمّا ننهار . . أعرف أننا ميتين . . ميتين بهالحياة
عبدالله يقف لا يتحمَّل وضعية هذا الحُزن الذي قّذف بقلوبهم بكل قسوة : بهالوقت بالذات إحنا محتاجين صلابتك
عبدالرحمن : تعرف شي ياعبدالله! أنا كاره نفسي مو بس عشان مقرن . . كاره نفسي لأني أقتنعت بأني ظلمت . . أنا اللي قضيت عمري أنادي بالعدالة . . ظلمت
عبدالله : ما ظلمت أحد . . الموت قدر من الله
عبدالرحمن : كم مرة متنا على هالحياة ؟
عبدالله شتت نظراته، لن يجد أكثر من هذا السؤال ألمًا، لن يجد أكثر من هذا السؤال حيرةً، جلس على الكرسِي بقلة حيلة، أضطربت أنفاسُ متعب بسؤال عبدالرحمن الذي بالتأكيد لن يبحث به عن إجابة، هذا السؤال الذي أتى بنبرةٍ موجعة من حقها أن تكسرنا نحنُ الرجال.
عبدالرحمن : هم يآخذون روحنا، يآخذون روحي اللي بسلطان العيد . . ويآخذون روحي اللي بمقرن . .
أسند ظهره ليرفع رأسه للسقف : يارب . . . . يارب . .
،
يهزُ قدمه على الأرض متجاهلاً هاتفه، متجاهلاً كل صوت يخترق عليه وحدته وغضبه الملتحم مع جلده، ينظرُ للعدَم، للفراغ وهو يغرقُ بالتفكير، يغرقُ بالنيران تمامًا، نظر للباب الذي يُفتح لتطل عليه عمته بعينيْن حزينَة.
أعاد نظره بعيدًا : ماني طايق أتكلم بكلمة! لو سمحتِ
حصة : سلطان لا تسوي في نفسك كذا . . والله مو قادرة أنام وأنت بهالحالة!
سلطان يضغط على القلم ليُصدر صوتًا مزعجًا به في كل ثانية مستفزًا عتمته الذابلة على كتفه.
حصة : سلطان حبيبي . . . أقتربت منه وما يفصلُ بينهما مكتبٌ خشبي : ممكن تروح تصلي لك ركعتين تهدي فيها! من الساعة 7 وأنت هنا!
سلطان تنهّد ليلتفت نحوها : عمتي أتركيني
حصة بضيق : لآتقول عمتي! أنت ماتقولها الا لما تكون متضايق مني وأنا ماأقوى يا سلطان
سلطان : طيب يا حصة ممكن تتركيني بروحي
ويتجمعُ الدمع بعينيْها : قوم معي
سلطان يقف متجهًا إليها، دموعها تهزمه على الدوام : مو بس ماني طايق أتكلم، أنا حتى نفسي مو طايقها! خليني براحتي يا روحي
و كلمته الأخيرة من شأنها أن تُبكيها وتجلدها بعذاب الضمير، أخفضت رأسها لتُردف : مدري الحق مع مين ولا مين! بس والله خايفة عليك وخايفة عليها
سلطان أخذ نفسًا عميقًا : أنا آسف أني عليت صوتي عليك
حصة بدمعٍ يجهشُ بعينها : أكره نفسي والله لما تسوي كذا!
وضع ذراعه على كتفيْها ليخرج بها وتسقط عيناه عليها، أبعد نظره عنها بإستحقار ليتجه نحو غرفة عمته، جلس على السرير الذي بجانبها : تصبحين على خير
حصَة : ما أبيك تتضايق مني بس . .
سلطان يقف ليُقاطعها وينحني بقُبلة على جبينها ويُرضيها بأقرب الأشياء إلى قلبها وبأكثر الكلمات حُبًا إليها : يالله يا يمه نامي!
حصة وتحزن فوق حزنها : اللي تسويه فيني تعذيب يا سلطان
أبتسم بهدُوء : نقولك عمة ما يعجبك! نقولك حصة ما يعجبك! نقولك يمه ما يعجبك! طيب يا أم العنود تآمرين على شي؟
حصة تنظرُ للسقف: بس أرحم نفسك وأرحمها معك
تبتعد إبتسامته وتتلاشى : تصبحين على خير يالغالية . . . وخرج ليصعد للأعلى دُون أن ينظر إليها، أخذت نفسًا عميقًا وهي تحاول أن تصمد وتتزن بجسدها الذي بدأ كل عضو به يضطرب، صعدت خلفه وهي تُجهز نفسها لبراكينه، دخلت لتُشتت نظراتها بعد أن رأته يُغلق أزارير قميصِه، رفع عينه إليْها ليترك بقية الأزارير وبنبرةٍ حادة : لو أسمع صوتك ما تلومين الا نفسك!
تشدُّ على شفتيْها من بكاءٍ سيُقذف بعينيْها بحرارةٍ لا تتحملها، تراجعت للخلف لتصعد للدور الثالث وهي تجهش بالدمع، دخلت الغرفة ذاتها التي أصبحت لها قبل فترة، رمت نفسها على السرير لتخنق ملامحها بالمفرش، بكت دُون أن تحاول أن توقف هذا الإنهيار، تصاعد أنينها وهي تغرز أظافرها بالوسادة، إتصاله أعاد لها الكابوس الذي تحاول أن تنسلخ منه، مازال يلاحقني! مازال يجلبُ لي الحزن والمتاعب، لِمَ يا تركي! لِمَ كل هذا؟ شعرت بصوتٍ خلفها، رفعت رأسها ولا شيء سوى ظلها، بلعت غصتها وقلبُها يضطرب بخوفٍ ورهبة من فكرة وجودها لوحدها هنا، نظرت للنافذة وهي تراقب حركة الستائر الخفيفة، برُعب وقفت لتتجه نحو الباب والرجفة تتحكمُ بأطرافها، وضعت يدها على مقبض الباب لتلتفت محاولةً أن تتحدى خوفها، لن يُهينني أكثر! . . . عادت للسرير وهي تنكمشُ حول نفسها والخيالات لا تفارقها، تكره أن تصِل لمرحلة الوهم، هذه المرحلة التي تكره نفسها به، تشعرُ بحرارة أنفاسه قريبة منها، تشعر بكلماته التي تتقزز منها تقذف بإذنها، تشعر بجسدِه يلامسها، لا قوة لها أن تتحمل هذا، وضعت يدها على أذنها محاولة كتم كل صوت يطوف حولها.
،
أشرقت سماءُ لندن بشمسٍ خافتة تتراكم أمامها الغيُوم المحمَّلة بالمطر، كان ينظرُ للنافذة وتفكيره يغرق كغرق سماء هذه المدينَة، أرتفعت عينِه ليدها الممتدة، أخذ كُوب القهوة : شُكرًا
غادة أكتفت بإتبسامة مُرتبكة لتجلس أمامه على الطاولة . . ما تعرف شي عن عبدالعزيز؟
لايُجيبها بأيّ شيء، مثقل بالوجَع، بالحزن الذي لا يتركه للحظة يهنأ، نظر إليها بنظراتٍ لم تفهمها ليُشتتها نحو النافذة مرةً اخرى ويستقيمُ بظهره، تورطنا جميعًا! الغارقُ بمصائبه لا يخرج منها بسهولة، لن يتركوني! وهذا ما يجب أن أستوعبه في هذه الأثناء، أنا أخسر دائِمًا، لم أتذوق طعم الإنتصار لمرَّة، لم أتذوقه معكِ يا غادة ولم أتذوقه حتى من بعدِك، كل ما حصل كان حقيقة مؤجلة، كانت تستطيل لتغرقني بِك ثم تسحبني بتيارِ هذه الحياة، تسحبُني بشدَّة وتكسرني! . . كسروا مجاديفِ قلبي! كسروها ويا قهري لو أعددتُه لفاضت لندن بنا، يا قهرُ الأشياء التي تسكني فيّ، يا قهرُ الرسائل والمواعيد البسيطة التي كنا نرتديها . . يا قهر " أحبك " التي تموت شيئًا فشيئًا بصدري، لِمَ أشعر أن النهاية قريبة؟ لِمَ أشعُر بأن لا خلاَص من كل هذا! أنا الذي تشائمت كثيرًا ولكن لم أصِل لهذه الدرجة من التشاؤم، لم أصل لدرجةٍ أشعُر بها أنني أريد أكتب وأكتب وأكتب لتقرأينها بعد أن أموت، لم أصِل لدرجة أشعُر بها أن الأيام التي بيننا معدودة و أن النقطة التي ستفصلنا قريبة جدًا. لمن أعتذر؟
غادة بضيق : أرجوك
ناصر يضع الكُوب على الطاولة وبصوتٍ يختنق تدريجيًا : غادة لا تضغطين عليّ!
غادة بحزن عميق يتحشرجُ بصوتها : مشتاقة له كثييير ... كثيييييييير
عقد حاجبيْه : تعرفين وش أكثر شي يكسر الرجَّال؟ . . يكسره القهر ويكسره الحزن بس تبين تعرفين وش أكثر شي يوقف هنا . . أشار لعنقه . . يوقف مثل الغصة ماتروح يا غادة بسهولة!
أرتجف رمشُها بدمعها وهي تشدُ على شفتيْها بأسنانها العلويَة، تحاول منع نفسها من البكاء ولكن لا فائدة.
ناصر: اليأس . . اليأس يا غادة! تبيني أكذب عليك وأقولك عبدالعزيز ينتظرك ولا إحنا راح نقدر نتوقع وش السعادة اللي تنتظرنا بعدين! . . حاليًا أنا متصالح مع نفسي كثير! ماني مقهور منك . . ماني مقهور من شي . . أنتظر بس الرحمة من الله . . في هالحياة اللي أنتِ متأملة فيها كثير . . فيها يا غادة أنا ماأنكسرت بهالطريقة! .. جيتي وكسرتيني بساطة
وقف ويشعرُ ببراكين تشتعل على لسانه ليُكمل : لا .. ما كسرتنيي ببساطة . . كسرتيني بأقسى شي . . كسرتيني باليأس . . وش تبيني أقول؟ . . . . . . . أنا آسف لأني ما عرفت كيف أتعايش مع موتك . . أنا ما عشت . . ماعشت يا غادة أنا بس كنت أحاول أتعايش وما عرفت . . والحين جالس أدفع ثمن غلطاتي! . . ثمن حُبي لك . . . توقعتي بيجي يوم وأقول أنه حُبي لك غلطة؟ . . . . أنا نفسي عُمري ماتخيلت ولا حتى فكرت بيجي يوم وأحس أنه وجودك بحياتي غلط! . . في لندن! في بيكاديلي قلتي لي بالحرف الواحد العُمر مرّة! وأنت عُمر . . تبين تبعدين؟ تبين الفرصة اللي قلت لك عطيني بدالها عُمر . . أخذيها يا غادة ما عاد أبي هالعُمر . . الباب مفتوح تقدرين تطلعين بس عارف أنك ماراح تطلعين . . وحتى لو طلعتي راح ترجعين لأن قلبك ماهو بإختيارك . . قلبك هناا . . أشار لصدره . . .
غادة أخفضت رأسها لتجهش بالبكاء وكأنها تستقبلُ خبر موتٍ أحدهم، رفعت عينها المحمَّرة : طيب ساعدني! . . خلني أحبك من جديد
ناصر وهذا الحوار لا يطيقه، الحوار الشفاف الذي يكشفُ به كل شيء يجعله يتصلب، يفقد إحساسه بمن حوله، يتجه نحو الباب ليأخذ جاكيته البُني ويلتفت نحوها : تذكري! . . صوتك يناديني . . . وخرج ليتركها بزحمة تفكيرها، بزحمة التخمين بماهية جملته الأخيرة، نظرت للسماء من النافذة الزجاجيَة ليطرق بذاكرتها ذاتُ الجملة، أتجهت نحو الحمام لتُبلل وجهها الشاحب ويتداخلُ الماءُ ببكاءها العميق، شعرت بأن سقف هذه الشقة ينام على صدرها ويضيِّقُ على أنفاسها المضطربة، خرجت لتنظرُ لهاتفه الملقى على السرير، أقتربت منه لتفتح المتصفح، كتبت بخانة البحث " صوتك يناديني " وهي تُدرك بأنها لأحدٍ ما، لشاعرٍ يتلاعبُ بعاطفتنا . . ثوانِي قليلة حتى دخل بها على اليوتيوب، سكنَت الغرفة بصوتِ بدر بن عبدالمحسن " تِذكَّر .. جيتي مِن النَّسيان .. ومِن كلَّ الزَّمان الَّلي مضى .. والَّلي تغيَّر صوتك يناديني .. يناديني تِذكَّر "
أرتجفت شفتيْها لتتذوَّق ملوحة دمعها، تكره أن تسترجع شيئًا لا تعرفُ كيف حصَل ومتى حصَل، جلست على ركبتيْها وصوتُه يمرّ عليها وبكلماتٍ تقتلها، كيف للكلمات أن تُزهق قلبي . . يالله!
،
في مركز الشرطة الكئيب في إحدى ضواحي باريس، تنهَّد وهو يمسحُ على وجهه بكفيَّه لينظُر للضابط : فقط!
الضابط : الساعة الرابعة كنت هناك؟
وليد : نعم أتيْت لأتحدث معه ورأيت الشرطة بأكملها في المكان
الضابط : حسنًا تم تسجيل إفادتك . . وقّع هنا
وليد ينحني على الطاولة ليوقِّع ويُردف : ماذا سيحدث له؟
الضابط : ملاحق قانونيًا وهربه يؤكد بأنه القاتل عطفًا على البصمات التي أثبتت أنه قتله متعمدًا
وليد : من الممكن أن يكون هو من تعدّى عليه! إذا أراد قتله لِمَ أتى به إلى بيته؟
الضابط : أصدقاء المقتول أقرُّوا بأن هناك تهديدات من " ناسِر " له، وأن هناك مشكلة بينهما جعلت ناسِر يتصرف بهذه الصورة
وليد : ولكن ليس هناك دليل يثبت معرفة ناصر به يا حضرة الضابط!
الضابط : أعتذر منك ولكن التحقيقات مازالت جاريَة ونحن نبحث عنه . . وبما أنه ليس هناك صلة قرابة بينكما فأفضل أن لا تتدخل بهذه المشاكل أو أجلب له محامي
وليد وقف دُون أن يلفظ كلمةٍ أخرى، خرج بخطواتٍ متوجسَة وهو يحاول أن يتصل عليه ولكن لا إجابَة، جنّ جنون ناصر هذا ما أعرفه، تورط بقضية قتل في فرنسَا! يا سلام على المصائب التي ستأتِ على رأسه . . غبي!
نظر لإهتزاز هاتفه ليُجيب : هلا فيصل
فيصل الذي يذهب ويجيء في غرفته : وينك فيه! صار لي ساعة أتصل عليك
وليد : صديقك الغبي ورّط نفسه وكنت أسجّل شهادتي بمركز الشرطة
فيصل وقف بمنتصف غرفته : لحظة لحظة! مافهمت شي وش صاير؟
وليد تنهّد : لقوا جثة في شقة ناصر! وهرب مع غادة وماأعرف وينه فيه الحين . . كل الأدلة تثبت أنه قتله والحين يلاحقونه!!!
فيصل تجمَّدت أقدامه : قتل مين؟
وليد : فيصل وش يهم هذا!
فيصل : أبغى أعرف إسمه
وليد : ماركزت
فيصل : مقدروا يعرفون هرب لوين؟
وليد : ماأدري يمكن إلى الآن بباريس ماطلع منها
فيصل عقد حاجبيْه : طيب
وليد : ناوي تسوي شي؟
فيصل بتوتر : أكيد . . أكلمك بعدين . . . وأغلقه، مسك رأسه وهو يشعُر بالثقل، بدأ يدُور بغرفته وهو يحاول أن يبحث عن حل، ضرب بيدِه الجدار حتى تألم، يعاقب نفسِه، يتصرف بتعذيبٍ لذاته، يالله لِمَ يحدث كل هذا بهذه السرعة؟ كيف أواجه كل هذه الأمور وحدي؟ لِمَ نحنُ الذين نعيش من أجلهم يرحلون عنَّا؟ كنت أشعر بأني ميِّت في اللحظة التي فقدتُ بها والدي وأشعر الآن بذات الشعور لأني أعرف كيف ستنتهي أمور ناصر! وكيف ستعذَّب بضميري إن لم يعذبوني بأنفسهم! . . يالله رحمتُك . . رحمتُك يا من وسعت رحمته كل شيء . . . أقرّ بكذبي . . بخداعي . . لكن يالله أغفر لي . . أغفر للذين ماتُوا وهُم لا يستحقون، إن كان هُناك أحدًا يستحق العقاب . . هو أنا!
أخذ مفتاح سيارته ليفتح الباب ويجد والدته أمامه
أبتسم بربكة : هلا يمه . . قبَّل رأسها . . تآمرين على شي؟
والدته : وين رايح؟
فيصل : عندي شغل ضروري وبرجع . .
والدته بإبتسامة : بحفظ الرحمن . .
بثواني معدُودة يسابق بها الزمن خرج متجهًا لبيت عبدالله اليوسف، ينظرُ للشارع بعينٍ يهبطُ عليها الضباب، يكره أن يضطر لفعلٍ شيء غير مقتنع به، يعلم ما عواقب ما يفعل ولكن لا فُرصة ثانية، أخذ نفسًا عميقًا ليقف عند الإشارة الأخيرة، أستغرق بتفكيره وبدأ يلوم نفسِه أم يحدِّثها فهذه الطقوس خاصة به " لا تحاول العودة! لا تحاول . . واجه أخطاءك يا فيصَل " ، لن أنتظر مكتوف الأيدي متى يأتون ليأخذُوا روحي! ركن السيارة بوقتٍ يخرج به يوسف من سيارته، ألتفت عليه بإبتسامة : حيّ النسيب
يُبادله الإبتسامة : الله يحييك . . . سلَّم عليه ليستضيفه بمجلسهم.
يوسف : شلونك؟ عسى أمورك تمام
فيصل : بخير الحمدلله بشرني عنك وعن منصور والأهل؟
يوسف : لله الحمد والمنة أمورنا طيبة . .
فيصل : بو منصور وينه؟
يوسف : داخل . . رفع حاجبه من هيئة فيصل المشككة . . صاير شي؟
فيصل : لآ بس أبي أشاوره بموضوع
يوسف عقد حاجبيه : عيونك تقول شي ثاني! . . تعبان؟
فيصل بإبتسامة يحاول أن يطمئنه بها : وش دعوى يوسف! قلت لك مافيه شي مهم
يوسف : طيب . . وقف . . الحين أناديه . . . دخل ليجد والدته تنزل من الدرج . . يمه وين أبوي؟
والدته : توني كنت بتصل على منصور! مدري وش صاير له طلع الفجر ورجع من بوسعود توّ وشكله ما يبشر بالخير!
يوسف بدأ يقرن حال فيصَل المرتبك بكلام والدته : ما قالك شي؟
والدته : لا . .
يوسف : اللهم أجعله خير . . صعد للأعلى ليطرق باب غرفته، حتى فتحه بخفُوت : يبه
ألتفت عليه دُون أن يجيبه بحرف، يوسف : فيصل تحت يبيك! . . يبه صاير شي؟ حتى فيصل مو على بعضه!
والده وقف بوجهِ شاحب لم ينام طوال ليله : صديق لي توفى اليوم
يوسف : الله يرحمه ويغفر له . . مين؟ نعرفه؟
والده تنهَّد : إيه . . مقرن
يوسف أتسعت عيناه بالدهشَة ليُردف : الله يرحمه ويغمّد روحه الجنة . . كيف مات؟ يعني بمرض؟
والده هز رأسه بالنفي ليخرج ويتبعه يوسف الذي بدأ يشك بما يحدث حوله، وقف أعلى الدرج تاركًا والده خيار النزول وحده، هُناك أمر يحصل ولا أحد يُريد أن يقول!
بجهةٍ أخرى دخل عبدالله المجلس ليقف فيصل متجهًا نحوه، قبَّل رأسه : أعذرني أزعجتك
عبدالله : البيت بيتك
فيصل : راعي الطيب مو غريبة عليك . . جلس بجانبه . . جيت بوقت غلط بس مضطر
عبدالله يربتُ على فخذه : حياك يا فيصل بأي وقت
فيصل : أنت تعرف اللي حصل بالماضي
عبدالله هز رأسه بالإيجاب دُون أن يردف كلمة
فيصل : يعني . . عرفت أنك رجعت الشغل لفترة مؤقتة عشان قضية سليمان
عبدالله ألتفت عليه : سليمان؟ تعرفه
فيصل بلع ريقه : بس . . . . . حصلت أشياء وأبي أناقشك فيها
عبدالله أبتسم بغبن : مو صعب عليّ أستنتج وش الكلام اللي بتقوله! بس ليه تكلمت الحين بالذات؟ وش علاقته بوفاة مقرن؟
تجمدّت أصابعه وهو ينظرُ بعينٍ متسعة لكلمته الأخيرة، عمّ الصمت لثواني طويلة حتى أردف : مقرن؟ وش صار بمقرن؟
عبدالله ينظرُ لسحبته التي بيدِه : توفى امس
فيصل شعر بأن عينيْه تحترق بحُمرتها : مات!
عبدالله عاتب نفسِه بداخله من أنه أوصل الخبر هكذا وهو يعلمُ بعلاقته بمقرن : الله يرحمه ويغفرله ويسكنه فسيح جناته
فيصل وقف بصدمَة وحركاته تزداد متوترًا : كيف مات؟
عبدالله : ما عندي خير
فيصَل بضياع : أرجوك! قولي كيف مات! . . شفتوا بعينكم ولا يمكن كذب . . صح كذب؟
عبدالله وقف متجهًا نحوه : يبه فيصل ..
فيصل وضع يده على جبينه وهو يشعُر بأنه كان على حافة الإعتراف، كان قريبًا من أن يعترف ولكن كل الأمور تحدث بالعكس، هل هذا تهديد فعلي لأذى عائلته : ماني فاهم شي! . . ماني فاهم والله
عبدالله : وش كنت بتقول؟
فيصل بإنهيار فعلي لكل عصب بجسدِه : أعذرني . . خرج بخطواتٍ سريعة مُريبة، وصدره يرتفع بدرجةٍ مرتفعة ويسقطُ بذات الدرجة، مسك طريقًا مبتعدًا به عن الرياض، على طريقٍ رملي كان يسير حتى مرَّت ساعة وهو بذاتِ الطريق، وقف ليخرج من سيارته لتنغرس قدمه بالرمال، جلس على ركبتيْه ليضع يديْه على رأسه : يالله . . . صرخ . . يالله
لا تحرقني يالله بالندم، لا تحرقني أكثر! مللت والله من الشعور بأني مذنب بكل لحظة يذهب بها شخصٌ لتحت هذا التراب! أغفر لي يا غفُور، أغفر لي جُبني . . لم أستطع حتى أن أحميه وأنا كنت قادر! ليتني أعترفت لهم، ليتني تكلمت حتى يعرفُوا أنه كان يحميهم بغيابهم . . ليتهم يعرفُون ماذا فعلت يا مقرن، نظر لهاتفه ولا شبكة به . . ركب سيارته ليعود للخلف بسرعةٍ كبيرة حتى عادت له الشبكة، ضغط على رقمٍ غير معرَّف عنده ليأتِ صوته.
فيصل : أظن أننا أتفقنا
بصوتٍ مستهزىء يُجيبه عمر : سُوري حبيبي
فيصل بغضب : الحين راح أروح لهم وماعاد عندي شي يتخبى
عُمر بتهديدٍ مبطن : طبعًا ما صار عندك شي يتخبى! قول كل اللي عندك وإحنا بعد بنقول اللي عندنا
فيصل بعصبيَة كبيرة : **********
: هههههههههههههههههههههه يا أخلاق يا ولد عبدالله
فيصَل : أقسم بالله . . لو تحاولون لمجرد المحاولة لأخليكم تلحقون مازن؟ تذكر مازن ولا أذكرك فيه
بنبرةٍ جدية : طبعا ماأنسى! لكن هالمرة ما معك مقرن! ما معك أحد يا فيصل . . علمني كيف بتقدر؟
فيصل : الليلة . . بتعرف مين فيصل . . وأغلقه بوجهه ليعُود بسيارته لصخب المدينَة المتصدِّعة بأحزانهم.
،
جلست على الكرسي الخشّب المعلّق بحبالٍ متينَة وهي تنظرُ للمسطحات الخضراء التي أمامها ولا يخترق خصوصيَة الخُضرة أيّ بيتٍ آخر، ولا صوتُ سوى أوراق الأشجار التي تعانق الهواء، ألتحفت شالها من برودة الطقس وأنفُها يزداد بحُمرته، ألتفتت نحوها : أبوي ما أتصل؟
ضي : لا . . -وقفت- . . خلينا ندخل بردت مررة وشكلها بتمطر بعد
رتيل : بعد شوي أدخل .. أسبقيني
ضي تقدمت نحوها : رتول لا تضايقين نفسك أكثر . . ونامي لك شوي ريّحي فيها جسمك
رتيل : لو بتناقشيني بهالموضوع تحمّلي لساني اللي بيصير أقذر لسان على وجه الأرض
ضي ضحكت لتُردف : طبعا بس مع عبدالعزيز يطلع هاللسان
رتيل : لأنه كلب . .
ضي أبتسمت : طيب أدخلي ونامي
رتيل بضيق عقدّت حاجبيْها : الله يخليك ضي أتركيني
ضي تركتها متجهة نحو الداخل بعد أن تركت الباب الخلفي مفتوح حتى تدخل منه إذا أرادت العودة، على بُعدِ خطوات كان يسيرُ على حافة الطريق متجهًا إليهم، بعد أن ذهب للشقة أولاً وأخذ أوراقه الهامة وغيّر ملابسه، سقطت عينُ نايف عليه ليهرول إليه سريعًا : عبدالعزيز؟
عبدالعزيز : هلا نايف . . مدّ إليه ملفُ أوراقهم والجوزات . . أحفظها عندك
نايف : أبشر . . بوسعود يدري أنك رجعت؟
عبدالعزيز : ببلغه بس أتصل عليه . . أشار بعينيْه للمنزل الصغير . .كيفهم؟
نايف : تطمن ما صار شي ولا طلعوا لمكان . .
عبدالعزيز : طيب أنت روح أرتاح وأنا بكون هنا
نايف بإبتسامة صافية : لا تشغل بالك . .
عبدالعزيز أتجه نحو الباب حتى أستمع لصوت حركة قادمة من الجهةِ الأخرى للمنزل، ألتفت إلى نايف بشك ليُردف الآخر : يمكن جالسين ورى! الباب الخلفي مفتوح بس لا تخاف مو قدامهم شي
عبدالعزيز تنهّد بإطمئنان، ليتجه بخطواتٍ خافتة نحو الخلف، وقف بعد أن ثبتت عيناه بإتجاهها، بإتجاه شعرَها الملقى خلفها وتتلاعبُ به الريح كيفما تشاء،والشال الأسود الذي يُغطيها وتُغطي به بدايَةُ ذقنها وعينيْها الغارقَة بالعدَم، بالفراغ الذي أمامها، أمَّا شَعرُك يا رتيل لم يُتيح لي بأن أعترف أمامه بشيء، أنا لا أحبه لأن لونه رائِع أم لأنكِ لئيمة جدًا بجمالك! أنا أحب هذا الشعَر لسبب واحد: أنكِ صاحبته، كل الأشياء الفوضويَة وكل الشتائم التي تلقينها ليلاً ونهار، كل هذا يا رتيل يترك بداخلي فرصَة بأن أتآلف معها وأحبها، أنا ممتن لهذه المصائب التي لولاها لما كُنت أعرف بأن شعرُكِ جميل وعيناكِ جميلة، تقدَّم قليلاً حتى جلس بجانبها على الكرسِي المتمرجح، أرتعش قلبها الذي أندفع بقوة نحو صدرها، تعوّذت بقلبها من شياطين الإنس والجن والرعب بدأ يسيرُ بأوردتِها، دُون أن تلتفت وهي تتوقع أسوأ الأشياء تحصل لها.
ألتفتت عليه لتتشبث عيناها به غير مصدقَة وهي تُرجع ذلك بأنها لم تنام ومن الممكن أنها تتوهم، وضعت يدها على صدرها برجفة : بسم الله
عبدالعزيز يرفعُ إحدى حاجبيْه : هذي " أشتقت لك " بصيغتك؟
بلا وعيّ منها ضربت صدره وأطرافها تتجمَّد وحرارة أنفاسها ترتفع بعلوٍ شاهق : يالله عليك . . تبقى حقير
عبدالعزيز أبتسم حتى بانت أسنانه : يجي منك أكثر
رتيل بتضارب الشعُور وتناقضاته بداخلها، سقطت دموعها التي سكنَت لفترة مؤقتة بعد ليلةٍ باكيَة : ليه؟ . .
عبدالعزيز يسحبها نحوه ليعانقها بشدَّة لا تضاهيها شدّة، هل أحبسُكِ فيّ؟ لدقائِق معدودة أنا اسحب رائحتِك إليْ، أن اخبئها بداخلِي إلى أن يصعب على أحدٍ أن ينتزعك مني، " ليه ؟ " هذا الإستفهام الذي لا أملك إجابته لأني لم أعتاد أن أكون جوابًا، دائِمًا ما كُنت سؤال يعيشُ حيرته ويموت في حيرته ولا أحد يحاول أن يجاوب عليه بشيء.
بللت كتفه بدمعها الذائبُ بالملوحة وهي تهمسُ بقرب إذنه ببحّة تخرج بها دخانًا أبيض يعبِّر عن برودة الأجواء في باريس : ليه تسوي فيني كذا؟ . . ليه تتخلى عني بسهولة؟
عبدالعزيز : أشششششش . . لاتبكين
رتيل تبتعد عنه وهي تضمُّ كفيْها من البرودة، لا تستطيع أن تُخفي رعشتها ورجفتها المتشكلة بكل خلية في جسدها، نظرت إليْه بنظراتٍ " تكوِي " ، تكوِي بها عبدالعزيز.
عبدالعزيز عقد حاجبيْه وبدأت البرودة تتسللُ إلى جسدِه : كيفك؟ . . كيف الأيام اللي فاتت؟
رتيل : يهمك؟
عبدالعزيز : لو مايهمني ما سألت . . أسند ظهره للكرسي والريح تحركه قليلاً، لينظر للأشجار العاليَة المنتشرة على هذه الأرض.
رتيل : وش مفهوم الحب بنظرك؟
عبدالعزيز : تعبان يا رتيل . . لا تزيدينها عليّ
رتيل ببكاء : أسألك . . جاوبني
وتهزمُه هذه الدموع وهذا البكاء الناعم، تهزمه البحَّة في صوتها وإرتعاشُ أطرافها، تهزمه كلماتها بشدَّة.
رتيل : ما تعرف ! . . . . وقفت وهي تحاول أن تتجه للداخل ليقطع عليها صوته دُون أن يلتفت إليْها : اللي يخلينا نعيش صح
رتيل دُون أن تلتفت إليه هي الأخرى : وكيف نعيش صح؟
عبدالعزيز وقف متجهًا نحوها ليقف أمامها ويلاصق حذاءها حذاءه : ما عشت صح عشان أقولك
رتيل أخفضت رأسها لتجهش بالبكاء وهو يزهق روحها بهذا الجواب، بهذا الإنكار، لم يعترف! لم يحاول أن يتجرأ و يعترف، مازال يُكابر ويحرقني . . يالله!
عبدالعزيز : بس ممكن يختلف مفهومه عندِك؟
رفعت عينيْها وشفتيْها ترتجف : كله كلام . . كلام يا عبدالعزيز . . . . أتمنى بس لو . .
يُراقب تصاعد البياض من بين شفتيْها وتبخره في الهواء وهو يشعرُ بأن صدره يحترق وهذا البرد لا يُخمد جرحه/ حزنه
رتيل تُخفض رأسها : ما راح أتمنى أني أحبك أبد . .
عبدالعزيز شتت نظراته، يقبل شتى أنواع الهزائم إلا قلبها، لا يقبل منه.
رتيل : لكن أنت . . آآ . .
عبدالعزيز يعود بنظرِه لعينيْها التي تحكي الكثير : لكن؟
رتيل : تقول أنه الحب اللي يخلينا نعيش صح . . طيب واللي ماعاش صح؟
عبدالعزيز : ما جرب الحُب
رتيل تصادم فكيّها ببعضهما البعض لتسقط دموعها بإنهمار، ضمّت نفسُها بذراعيْها والهواءُ البارد يسرق منها إتزانها
عبدالعزيز بصوتٍ خافت تعبره البحة من البرودة : ما أبي أوجعك! . . كنت جايّ وأبيك تبتسمين بس أنتِ . . أنتِ اللي تضايقين نفسك
رتيل شدّت على شفتِها السفليَة بأسنانها : لأني متضايقة من نفسي . . أمس مانمت من البكي! . . ليه تكتب لي كذا؟ ليه؟ . . جبان يا عبدالعزيز .. أحلف بالله أنك جبااااان
عبدالعزيز : جبان بأيش؟
رتيل تثبت عينيْها بعينِه : أعترف . . .
عبدالعزيز : بأيش؟
رتيل بغضب تصرخ من بين بكائها : أنت تعرف بأيش!
عبدالعزيز يستفزها بلا وعيٍ منه : أني جبان
رتيل تلتفت للجهة الأخرى :حرام عليك! . . حرااام يا
حاول أن يقترب منها ولكن صدته يدها : لآ تلمسني . .
عبدالعزيز : أعصابك تعبانة ... أدخلي
رتيل وضعت يدها على صدره لتدفعه بقهر وهي تتجه نحو الباب : على صبري . . مثواي الجنَة
عبدالعزيز بإبتسامة من خلفها : مثواك عِيني.
وقفت قبل أن تضع يدها على مقبض الباب، وأعصابها تبدأ بالإنفلات من سيطرتها، ألتفتت عليه بنظرةٍ مشتعلة : ياربي بس! أنا أضحك ولا أبكي ولا وش أسوي؟ أقطع نفسي عشان ترتاح
عبدالعزيز ضحك بهدُوء : أبيك تضحكين
رتيل : هذا إن بقى فيني عقل! . . جننتني الله يآخذ العدو
عبدالعزيز : تعالي . .
رتيل وتستند بظهرها على الباب : ماأبغى . . لأنك إنسان أعجز عن وصفه .. متناقض قاسي مجنون مستفز عصبي و معفن
عبدالعزيز بإبتسامة : شكرًا . . طيب ممكن تجين شويّ
رتيل : يعني حتى كلمة حلوة بخلت فيها عليّ!
عبدالعزيز بإستفزاز يجري بدمِه : من أيّ صنف من الكلمات الحلوة تبين؟
رتيل : جبان مستحيل تقول شي ماتعرف تواجهه
عبدالعزيز يقترب بجديّة : رتيل .. ماأبغى أزعج ضي
رتيل عقدت حاجبيْها : كلامي معك أنتهى وأبوي جاي بكرا . . . . وكان مفروض أني أفرح بشوفتك بس طول عمرك يا عبدالعزيز بتخليني مقهورة و مقهورة ومقهورة
عبدالعزيز : أفآآ! بعتذر لك . . والله العظيم بعتذر لك بس تعالي
رتيل تتقدم خطوتيْن إليْه لتقف أمامه : يالله سمعني! . . خلني أحس أنه هالعالم تغيّر وأنت تتنازل من برجك العاجي وتقول آسف
عبدالعزيز ينحنِي ليطبع قُبلة رقيقة بجانب شفتيْها، أطال بقُبلته ليهمس : أنا إعتذاراتي فعلية ضيفيها لأوصافك السابقة
تجمدَّت بمكانها مع قُبلته ولا تعابير على وجهها، عبدالعزيز حبس ضحكتِه وهو يراقبها، ينتظرُ ردة الفعل.
رتيل أخذت نفس عميق بعد أن شعرت أن هذا العالم يضيقُ عليها والحُمرة تدبّ في وجهها : أضحك وش عليه . . دفعته بقوة ليسقط على الأرض.
لم تتوقع أن تُسقطه، نظرت بشك إليْه، عبدالعزيز الذي سقط بسبب إنزلاق حذاءه وليس بسبب قوةِ يديْها، وقف وهو ينفض ملابسه، غرق بضحكته ليُردف وهو يقلد صوتها : تنازلي شوي سموِّك وأقبلي الإعتذار
رتيل لا تعرف هل تبكي أم تضحك أم ماذا؟ بقدرةٍ هائلة يتلاعب بمزاجاتها وبتعابير قلبها، أمالت فمِها : شايف النفسية الزبالة اللي وصلت لها الفضل يعود لك فيها
عبدالعزيز بصوتٍ مبحوح والمطر يهطل بغزارة : أنا آسف
وتشعرُ بأن كبرياءها يتشبّع بإعتذاره، تشعرُ بلذة الإنتصار لتبتسم بضحكة تحاول كتمانها، وبإنتقامٍ لفظي : إعتذارك مو مقبول!
عبدالعزيز ينظر إليها بنظرة كان يقصد بها أن يُحرجها بغزلِ عينيْه، أنتظر كثيرًا حتى أشتعلت بالحُمرة، أردف بخبث : بسم الله على قلبك لا يطلع من مكانه!
،
نظرت لنفسها نظرة أخيرة بعد أن حاولت ان تسترجع ضياءها الذي أزهقهُ ريان بتصرفاته، تعطرت لتخرج من جناحهما، وفي منتصف الدرج قابلته، نظر إليها بنظرةٍ تفصيلية من قدمها لرأسها.
ريم بهدُوء أبتسمت : عن إذنك . . أتجهت لليمين حتى تُكمل نزولها ولكن وقف باليمين ... ذهبت لليسار ليقف أمامها، رفعت عينها بإستفهام.
ريّان : خير إن شاء الله؟ لمين كل هالزينة؟
ريم : أنت شايفني الحين متزينة؟ كلها كحل وماسكرا !
ريّان : أمي مو موجودة
ريم : أنا أصلا رايحة أجلس مع أفنان
ريّان بنبرةٍ يُطيلها بتوجس : أفنااان! من متى علاقتكم قوية؟
ريم بمثل سخريته تُجيبه : من يوم ماصارت علاقتي مع الجدران قوية
ريّان بحدّة : أنتبهي لكلامك أعرف مين تقصدين!
ابتسمت ببرود : طبعا ماأقصد بأنه الجدران أنت! لكن إذا أنت تفهمها كذا الشكوى لله
ريّان : مو قلتِ خلينا . .
تُقاطعه : وأنا الحين أتجاهل حدتك معي وأتجاهل سؤالك وشكِك . . أظن أني ماشية على الإتفاق
ريان : فيه أحد مالي راسك اليوم؟
ريم : أنا ماني ضعيفة يا ريان عشان يملي راسي أحد . . أنا لي شخصية وأعرف أتحكم بنفسي
ريَّان يُميل فمِه : طيب يا شخصية . . أتجه نحو الأعلى ليرتطم بكتفها بقوة دُون أن يلتفت، كان يتعمد أن يضايقها بتصرفه.
بحديثِ نفسها أنصتت، " ماعليك منه يا ريم! . . ولا يهزِّك بشي . . أنا أعرف كيف أعدله! "
،
أستيقظت عيناه لينظر للسقف والشمس المشرقَة بأشعتها القويَة، ألتفت نحو هاتفه لينظر للساعة التي تُشير للحاديَة عشر ظهرًا، تنهّد من غرقه بالنوم وتأخره، بخطواتٍ سريعة أتجه نحو الحمام، تمرُّ الدقائِق الطويلة والثوانِي التي تستطيلُ مع كل قطرةِ ماء تسقط على جسدِه وتُذكره بما حدث أمس، لا يتصالح مع نفسه أبدًا، لا يتصالح مع هذه الحياة، لا يتصالح مع الجوهرة أيضًا مهما حاول، سحب المنشفة ليخرج متجاهلاً الهواء البارد الذي يُحيط جسده العاري، أرتدى ملابسِه على عجل ليُضع " الطاقيَة " على رأسه ومن فوقها " العقال " تارِكًا الغترة على كتفِه، وخرج ليقف عند الدرج، نظر للطابق العلوي . . أخذ نفسًا عميقًا ليصعد للأعلى، وقف خلف الباب لثواني طويلة حتى فتحهُ بخفُوت، تقدّم بقدمِه اليمنى لينظرُ لجسدِها الملقى على الأرض والفراش الذي يُغطي أقدامها فقط، أقترب وهو يتأملُ المكان المرتب عدَا السرير الذي وكأن معركة حدثت عليه، جلس على ركبتيْه ليضع يده على جبينها المشتعل بحرارتِه، همس : الجوهرة . . . . الجوهرة
أستيقضت برُعب لتعُود برأسها للخلف حتى أرتطم بحافةِ السرير، أضطربت أنفاسها وتسارع نبضات قلبها لتُشتت نظراتها، لا تُريد أن يراها بنظرة الشفقة، وضعت يدها على رأسها بألم
سلطان عقد حاجبيْه : قومي . .
الجوهرة لا تُجيبه، تكتفي بأن تنكمش حول نفسها وهي تضمّ أقدامها إليْها.
سلطان : وش فيك ؟
الجوهرة : أتركني بروحي . . ماأبغى أشوفك
سلطان تنهّد : وراي شغل ماهو وقت تتدلعين عليّ . . قومي قدامي
الجوهرة بغضب تنفجر عليه : روح لشغلك . . وش يهمك أموت ولا أروح في ستين داهية . . . . . مرررة مهتم ماشاء الله عليك
سلطان بحدة وهو يضغط على أسنانه يقترب منها ويفصلُ بين جبينها وجبينِه 5 سنتيمترات لا أكثر : إن علِّيتي صوتك عليّ مرة ثانية . . ماراح أقولك وش ممكن يصير
تبللت ملامحها لتُردف بضيق : أتركني . .
سلطان وقف ليشدّ يدها ويجبرها على الوقوف، حاولت أن تسحب يدها من قبضته ولكن دائِمًا ما يتفوق عليها بالقوّة : أترك إيدي . . يخي ما أبغى أطلع من هنا
سلطان ينظرُ إليْها بنظراتٍ تُربكها : أولاً إسمي مو يخي . . ثانيًا شوفي حالتك .. . . وش صار أمس؟ ليه نمتي هنا؟
الجوهرة : على أساس أنك ماتبي تسمع صوتي ولا تبـ
سلطان : بس ما قلت ما أبي أشوفك
الجوهرة : وأنا ماني تحت رحمة مزاجك ولا راح أقبل أنك تهيني في كل مرة .. أعرف أني ماأشتغل عندِك عشان تسكتني وتهددني
سلطان تنهَّد ليُرغمها على السير معه للأسفل، دخل جناحه وتقدَّم بها نحو السرير : نامي هنا
الجوهرة ببرود : طار النوم
سلطان بعصبية : الجوهرة! . . ترى واقفة معي هنا * أشار لأنفه *
الجوهرة : بتنوّمني بالغصب . .
سلطان تنرفز: أقنعيني أنك نمتي أمس . . نامي وأرحمي أمي .. أستغفر الله العلي العظيم
الجوهرة أدركت أن أعصابه تعبانة، بهدُوء جلست على السرير لتُردف : راجع نفسك . . بديت تظلمني كثير
سلطان بغضب وهو خارج يلفظ : أمرك عمتي بحاول إن شاء الله أتناقش مع نفسي اليوم . . .
،
عقدت حاجبيْها وهي تنظُر إليه بشك من كلماته الأخيرة ومن تنبيش جروحهم الغائرة، تشعرُ بأن الحرقة تصِل أعلاها من هذا الموضوع وكأنه أمر عادِي وكأن مشاعرنا لا تهم : كيف يعني؟
يوسف : ماأدري . . توّ قالي منصور
أخذت نفس عميق : يوسف . . . أخوي عمره ما كان كذا وما يتورط مع ناس ما يعرفهم .. لا تحاولون تشوهون سمعته بس عشان تبرأ أخوك . .
يوسف وقف ليتجه نحوها ويجلس على السرير أمامها : مهرة وش هالكلام! أنا ما قلت بيشوهون سمعته . . أنا أقولك إحتمال ممكن يكون صح وممكن يكون غلط . . والقضية للحين بس يبون يفتحونها من جديد لأن دخل عليهم إسم ثاني وممكن يفيد مجرى القضية
مُهرة بضيق : طيب . . وش بتستفيدون؟ . . أنه أمي شرطت شرط ما يحق لها أو لأن . .
يُقاطعها بنبرةٍ حادة واضحة : أنتِ زوجتي لو صار اللي صار! لو طلع منصور بريء هذا ما يعني أني بطلقك . . تعدينا هالمرحلة يا مهرة ولا أبغى أرجع لها.
،
يضرب حبَّات النرد على الطاولة لينظر إليه بغضب : كيف يعني؟
عُمر : هذا اللي صار طال عُمرك . .
سليمان يقذف الحبات الثقيلة على وجهِه : فيصل لو تكلّم بيصير كل شي واضح لهم
عُمر عاد خطوتين للخلف من ضربته التي أتت بعينِه : هددته بس
سليمان بصرخة يُقاطعه : هددته ما هددته مو شغلي! . . فيصل ماأبغاه يتكلم مفهوم ولا أعيد كلامي
عُمر أخذ نفس عميق : مفهوم . .
سليمان : وشف لي الحيوان الثاني . .
عُمر بربكة : أيّ واحد ؟
سليمان وجن جنونه بغضبه الكبير : والله أنت الحيوان!!! . . من غيره عبدالعزيز . . أبيه عندي حالا
عُمر : إن شاء الله
سليمان : أجل هرب من رائد رغم كل هالرجال! .. والله يا خسارة الشنب فيكم! . . واحد مقدر أبوه علينا يقدر هو! . . واحد يا كلاب قدر يلفّ عليكم كلكم . . .
عُمر : تآمر على شي ثاني
سليمان : أنقلع
عُمر ترك المكان ضاجرًا من أسلُوب سليمان الذي يعلم أنه لا يتحدث بهذه الصورة الا إذا وصل قمة غضبه،
،
يجلسُ خلف مكتبِه ببرود يقاوم به كل هذا الإضطرابات التي تواجهه، وسيلٌ من الشتائم لا تختفي من على لسانه، ينظرُ لإبنه الجالس أمامه بصمت يكرهه، يكره هذا الهدوء الذي يشعرُ بأن خلفه كوارث
دخل حمد : رجعوا الشباب ما لقوه في . .
يُقاطعه رائد : طيب! . . طلعه لي من تحت الأرض . . . جيب لي أيّ أحد له علاقة فيه وماأبغى أعيد الكلام عشان ما يتعب لساني لأن إذا تعب لساني وش يصير يا حمد؟
حمد بربكة بلع ريقه لأنه يُدرك ماذا يحدث إذا خابت إحدى أوامره : إن شاء الله
رائد يلتفت نحو فارس :والسيد فارس ليش ساكت؟
فارس رفع عينه : وش تبيني أقول؟
نظر لهاتفه الذي أنار بإسم " موضي " ، بضحكة ساخرة : أنا أقول المصايب ليه جتنا . . شف من أتصل؟ عشان لما أقولك لها قدرات هائلة بأنه تعلقني بكل مصيبة ماتخطر على البال
فارس أبتسم رُغم كل هذا الإضطراب، رفع عينِه : ردّ عليها
رائد : سكرته .. شكلها كانت تبي تتشمت
فارس : يـــبه!
رائد : ووجعة! . . أمك هذي لا خلتني مرتاح معها ولا بعدها
فارس بسخرية : أوجعك الحب
رائد : تعرف الكف؟ شكله بيجيك ترى للحين حرّتي منك ما بردت
فارس وقف : طيب بما أنها ما بردت أنا رايح
رائد : أقول إجلس
فارس تنهد : يبه بتحبسني عندك
رائد : كِذا مزاج
فارس : أستغفر الله . . وجلس دُون أن يردف أيّ كلمة.
رائد : على فكرة لو بحب أمك بحبها عشانك ولا هي وجه حُب!
فارس : هههههههههههههههه طيب . . لا تبرر لي
رائد : أنا ماني فاضي أبرر لك لكن أصحح مفاهيمك العوجااا
فارس : مفاهيمي العوجا بأيش؟
رائد أبتسم : يخي والله العالم تمصخرنا! . . ما كأن صارت لنا مصيبة قبل كم ساعة
فارس : تتهرب . .
رائد يحذف علبة المناديل عليه ليغرق فارس بضحكته المبحوحة : على فكرة من قدرات أمي الهائلة إستحواذها لك عقب كل هالسنين
رائد : إستحواذ! الله يآخذك أنت ومصطلحاتك تحسسني ماني بني آدمي . . بشّر أمك بس
فارس وقف وقبل أن يتفوَّه بكلمة سمع صرختها التي شعر بأنها تُمزِّق طبلة إذنه، ركض بإتجاه الأسفل لينظُر . . . . .
،
دخلَ مبنى عمله لينظر لوجوههم بريبة، هذه الوجوه التي تُشبه العزاء المجسَّد، قبل أن يتجه نحو مكتب عبدالرحمن ألتفت على أحدهم : وش صاير؟ . .
بربكة أرتجف به لسانه : مقرن . . آآ
سلطان رفع حاجبه : إيه وش فيه مقرن؟
: الله يرحمه
شعر بأن العالم يدُور حوله، تجمدّت أعصابه ليُثبت عينِه بعبدالرحمن الذي تقدَّم نحوه : أتصلت عليك طول الليل!
سلطان : وش اللي قاعد يصير ؟.
و وجهُ عبدالرحمن الشاحب من حقه أن يجعل سلطان يقطع الشك باليقين، أردف : خلنا ندخل وأفهمك
سلطان : هُم صح؟
عبدالرحمن تنهد : سلطان خلنا ندخل مافيني حيل عليك بعد!
سلطان بغضب : أنا أعرف لهم . . وتركه لينزل للأسفل بهرولةٍ سريعة جعلت كل الأعين تراقبه، دخل للغرفة المخصصة للحجز، سحب زياد بقوّة ليدفعه على الأرض : كنت تعرف بأنهم راح يتخلصون من مقرن؟
زياد ببرود يقف : إيه نعم
سلطان بصفعةٍ قوية جعله يرتطم بالجدار : والله لاأعلمك إن الله حق . . . أشار بعينيْه لرجل الأمن أن يأخذه ليخرجا لساحة التدريب الحارقة بمثل هذا الوقت، جعله يجلس على الأرض ليلفظ بغضب وكل الأعين من النوافذ من عدةِ طوابق تراقب ما يحصِل بإهتمام، تُراقب ثورة غضب سلطان الذي لن يرحمه بالتأكيد.
يُشير إليه بالسبابة : لو تكذب بحرف والله ثم والله ما يردِّني عن ذبحك شي . . تجاوبني على كل سؤال
زياد : مالك حق . . ت
لم يكمل . . .
،
بعد ساعاتٍ طويلة، ينظرُ للجثة الواقعة على الأرض ليلفظ ببرود دُون أن يعي قدسيَة الموت : هذا للحين موجود هنا! . . أرموه في أيّ مكان
ليتمدد على الأريكة : سليمان يبي عبدالعزيز
أسامة الذي كان يشربُ الماء أسترجعه من فمِه ليُردف : وشو!!!
عُمر : لا تسألني شي! هو أنهبل رسميًا
أسامة : يبغاه! . . يبغاه بهالوقت؟
عُمر : وحالاً
أسامة : من جدك! . . يالله . . يبي يذبحنا واحد واحد
يدخلُ الآخر : تخيلوا وش صار اليوم؟
عمر : واللي يرحم والديك ما أبغى أتخيل شي
: زياد! . . سلطان قاعد يستعمل معه أسلوب القوة
عُمر : جد؟
: والله . . . . وصلتني الأخبار وبدقة! متأكد 100 بالمية .. شكلهم أنهبلوا بعد سالفة مقرن
عُمر تنهَّد : لا تقول لسليمان بيهلكنا وبيورطنا بأهل سلطان بعد
من خلفهم : ماشاء الله السيّد عُمر يتخذ قرارات بالنيابة عنِّي
جميعهم وقفوا ملتفتين نحوه، ليتقدَّم إليه وهو يضع طرف المفتاح الحاد على رقبةِ عُمر : للمرة الألف أحذرك يا عُمر من أنك تسوي أشياء من ورى ظهري! . . وتصرفوا مع سلطان! . . ولا تبوني أعلمكم كيف تتصرفون معه ؟
أسامة : أبشر . . اليوم ننهي لك موضوع فيصل وسلطان
سليمان يتكتف : وش صار على فارس؟
عُمر : نحاول والله العظيم لكن هالفترة هو بس عند أبوه
سليمان : أنا وش قلت؟
أسامة : بالنسبة لفارس عطنا وقت
سليمان : 48 ساعة لا غير
.
.
أنتهى
البارونة
فترة الأقامة :
163 يوم
معدل التقييم :
زيارات الملف الشخصي :
621
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل :
12.30 يوميا
البارونة
مشاهدة ملفه الشخصي
البحث عن كل مشاركات البارونة