عرض مشاركة واحدة
قديم 27 - 10 - 2024, 02:34 PM   #91


الصورة الرمزية البارونة

 عضويتي » 1746
 جيت فيذا » 13 - 7 - 2024
 آخر حضور » 19 - 1 - 2025 (08:40 AM)
 فترةالاقامة » 193يوم
مواضيعي » 51
الردود » 1984
عدد المشاركات » 2,035
نقاط التقييم » 450
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 63
الاعجابات المرسلة » 18
 المستوى » $37 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبهAlbania
جنسي  »  Male
العمر  » سنة
الحالة الاجتماعية  » اعزب
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل 7up
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله baunty
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلةNGA
ناديك المفضل  » ناديك المفضلahli
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضلهBentley
 
الوصول السريع

عرض البوم صور البارونة عرض مجموعات البارونة عرض أوسمة البارونة

عرض الملف الشخصي لـ البارونة إرسال رسالة زائر لـ البارونة جميع مواضيع البارونة

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 7,0 My Camera: Sony


 
الاوسمه الحاصل عليها
 
وسام  
/ قيمة النقطة: 70
وسام  
/ قيمة النقطة: 50
مجموع الأوسمة: 2...) (المزيد»

مجموع الأوسمة: 2

البارونة غير متواجد حالياً

افتراضي رد: روايه لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية




( الجزء الثاني من 74 + البارت 75 )



رن هاتفه ليُردف : خذ راحتك البيت بيتك . . . وقف ليُجيب : هلا فيصل . .
عقد حاجبيْه فارس لينظر للمغسلة التي أمامه، إتجه نحوها ليُبلل ملامحه بالمياه الباردة وعقله يتشوَش بفكرة وحيدة محلَها عبير، نظر للمرآة التي تعكس الصورة بإستقامة واضحة لا تشبه إعوجاج ضلعه، نظر للساعة المُعلَقة على الجدار الخشبي وتعتليها كلمة " الله " هذا الرجل يُشبه أحدًا أعرفه، رأيتهُ بجريدةٍ أو على غلافٍ ما، أجزم أنه ذو مكانةٍ رفيعة وله من السمعة الكثير، ولكن من؟
قبل ساعاتٍ كنت مرميًا وعينيَ تغيب بمهلٍ عن الدُنيا، آخرُ ما أتذكر السلاح المصوَب بإتجاهي والأقدام التي تلمَ حشدَها حولي لتضربني.
أودَعت قلبي بفكرةٍ أنكِ حبيبتي و عِند الله لا تضيع الودائع، أنتِ الآن معهم هذا ما يهم، مع والِدك بالطبع، ما يحدُث أنني الآن أُفكر بأيَ طريقة سترحلين بها عن باريس، بأيَ هيئة ستغادريني! كنت أوَد بشدَة أن أُسمِيك بدُعاءي " زوجتي " ، لن يفهم أحدًا الوجع بِأن تطمح لقولٍ/للفظٍ رُبما لن يغيَر شيء ولكنه يعنيني بالكثير، يعنيني بأنه إرتباط وثيق لا يفضَ قيده أحدٌ سوايْ بعد الله، جبان! أُدرك ذلك، أتخذت الشجاعة بأن أتركك ولكنني الآن تائب من هذا الغياب، أشعرُ بأن روحي تنفصِل عنَي، وحرارة الندم تغرز المرض بصدرِي، تنتشر فيَ ولا تُبقي أيَ ضلعًا صالحًا للحياة من بعدِك، مريضٌ بِك! إني ماضٍ على كل شيء، لا فائدة لهذا الندم بعد كل هذا، من حقِك الحياة كما تُريدين ومن حقي أن أذهب فداءً لقُبلة/حياة تجمعنا، مازال صوتُك الناعم يا عبير يرنَ في إذني، سنَة ونصف أُطاردك كخيال، أنا الكافرُ بالحب من قبلِك، العابثُ بالحياة والسائر بها بلا هدف، و نظرةٌ واحِدة لصورة نائمة على الرفَ أشغلت عقلي لساعاتٍ طويلة، و أتخذت من قلبي مكانًا لأيامًا عديدة، لا أنكر أنني بحثت عنك في البداية لأشبع فضولي من بعدِ رؤيتِك، كُنت أريد أن أتسلى وأسمع صوتُك مثل أيَ " ناقص " يبحثُ عن " أنثى " لمجرد كونها " أنثى " لا غير، ولكن قلبي كفَر بهذه الأفعال، انجذب ناحيتُك حتى أفسدتِ عليَ فسادِي و أصلحتِ قلبًا فطرتهُ أن يُحبك، أنا المؤمن بقلبِك و أنتِ الحلم و الهدف و الغاية و الوسيلة و السبب و الداعِي و كل ما ينتمي للعيش و الحياة.
وكنت أعرف إستحالة ما أفعل نحنُ نرتبط بالحُب ولم نستطع أن نرتبط بعائلتيْن متوافقتيْن، كنت أعرف ولكنني واصلتُ الإحتراق بِك، حتى اندلعتِي في دماءي و عقلي وبين خلايايْ و في صوتي وأعلى حنجرتِي، كنتِ تعبريني كقصِيدة يستحيل على ذاكرتي أن تنساها، أحسنتِ الأبيات المكسورة وأصلحتِ أوزانًا لم تكن لولاكِ أن تتزن، كيف أغنَيك الآن؟ يا من لي على هواها مشَقة، إني على العناءِ راضٍ.
من خلفه : صلَ ركعتين ترتاح فيها
لم يلتفت، أخفض نظره، يُصلي فترة ثم ينتكس، يعِش عُمرًا لا يُصلي به ركعة، كيف تواجه الله هذه الروح؟
يؤذيني أنني مُسلم بالوراثة، أنني منقطع تمامًا عن العبادات ولا أتصِل بالله سوى الدعاء، لأنني أعرفُ يالله أن لا أحد معي سواك، لأنني أعرفُ مهما تماديتُ بعصياني سأعود إليك لأن هذه فطرتي، لأن الملاذُ أنت، ردَني يالله إليْك، ردَني إليك ردًا جميلاً، لم أكسب من هذه الدنيا شيء حتى الحُب، ولا أُريد أن أخسر الآخرة، ردَني يالله إليْك وأرحمني.
أنت تعلم ما في نَفسي، تعلم يالله أنني أُريد الحياة التي تكون خلف سجدَة، ولكن أهوائي أقسى من أن تُفارقني، أصلحني يا كريم و حبب إليَ طاعتك كما أحببتها لقلبي.
: فارس
فارس بضيق : وين لقيتني ؟
: ما لقيتك، كنت معك
فارس : راقبتني؟
: لا . . يهمني تكون بخير
فارس إلتفت عليه بشحُوب ملامحه وعينيْه التي تُضيء بالحُمرة : مين تكون؟
عقد حاجبيْه و بياضُ شعره يزيده وقارًا : فيه أشياء ما يصلح تعرفها الحين، بعدين بتفهم كل شي
فارس خرج ليجلس على الأريكة وهو ينحني بظهره ليثبَت أكواعه على فخذيْه ويديْه على رأسه، جلس أمامه : أسمع وأنا أبوك يا فارس . . مافيه أحد يجبرك تسوي شي ما تبيه . . أنت منت عبد لأحد . . أنت حُر وأمرك بإيدك
فارس دون أن يرفع رأسه : تعرف عني كثير!!
: أكثر من الكثير نفسه . . هذي زوجتك محد يقدر يطلقَك منها
فارس بسخريَة يؤذي روحه بها : وين يجتمع رائد الجوهي مع عبدالرحمن آل متعب ؟
: عبدالرحمن ممكن يكون حازم بهالمواضيع وما يقبل أنصاف الحلول لكن مستحيل يظلمك أو يظلمها
فارس : تعرف أبوها زين؟
بنظرةٍ تلألأت بها عيناه حنينًا : ابوها! . . ماراح تلقى بحياتك شخص نفس حكمته و رجاحة عقله
فارس رفع عينه لينظر للرجل الذي يبلغ من العُمر الكثير و الشيب يملأ رأسه ويُزاحم السواد في عوارِضه الخفيفة : أشغلت فضولي! . . تعرفني وتعرف بوسعود!!
: كل شي بوقته، قريب إن شاء الله . . . أبيك ترتاح وتريَح روحك ولا تثقل على نفسك بالهم!! صدقني محد عايش مرتاح! لا تحاول تصحح كل هالعالم اللي حولك . . صحح بس نفسِك وإذا صححتها كل من حولك راح يتغيَر . . . على الأقل يتغيَر بقلبك
فارس بتوتَر إبتسم : تخوَفني! . . أحسَك تقرأ أفكاري
ربت على كتفِه بإبتسامة : لأني متوَقع كيف تفكر! . . الله يهنيك ويسعدِك ويرزقك الذرية الصالحة
فارس صمت، تجمدَت ملامحه، لم يسمع ولا لمرَة هذا اللفظ، هذا الدعاء تحديدًا، إرتجف قلبه المنقبض خوفًا على عبير، كيف لكلماتٍ بسيطة أن تستثير الحزن بصدريِ، لأول مرَة أحدًا يقولها ليْ بهذه الحنيَة و الحُب، سُبحان من جعلنا لا نهتَز لمواقفٍ هائلة ونهتزُ لكلماتٍ خافتة، سُبحان من جعل دُعاء من شخصٍ لا أعرفه يُثير كل خليَة حسيَة، اختلفت ديانات العالم المنزَلة و المستحدِثة ولكنها اجتمعت بـ " آمين " خلف كل صلاة، أجتمعت بنا والتي تعني بحسب فهمِي الضيَق " أحبك " ، آمين على حياةٍ طيبة ستجمعنا، آمين على سماءٌ سخيَة ستربطنا، آمين على قلبٍ جعل الله به نورًا من أجلك، آمين على الوصِل/اللقاء، على الأطفال الذين يحبسُون ملامِحك و يُغطيهم جفنك، آمين على الهدايَة و الصلاح، آمين على قلبِك وآمين على أحبك.
: عساه آمين
فارس همس : آمين

،

يجلسُ بجانبها والهم يزيده حزنًا على ما وصل به الحال، أن تكون أبًا ليس سهلاً، ان تعِيش من اجل أحد أيضًا ليس سهلاً، أن تحمل على كتفك مسؤوليَة وطَن يزيدُ من الأمر صعوبة، الولاء لهذه الأرض التي خُلقنا منها، للصحراء التي تحنَ إلينا كلما أمتلأت سماء الرياض بالتراب، للقُرى الصغيرة والمحافظات التابعة لمُدننا الشاهقة، الولاء وكل الولاء للشهادة التي تتوسَط البساط الأخضَر. يارب ساعدنا، إنا نحتاجُك، نحتاج أن تربت على قلوبنا وتُطمئنها من كل حزنٍ و كمد و قهر و ضيق، إنا نُنيب إليْك فأرحم عبدًا شهد لك بالوحدانيَة والعبوديَة.
ضيْ تنحنحت لتُردف بإتزان جاهدت أن تصِل إليه : عبدالرحمن
إلتفت عليها بإبتسامة خافتة يحاول أن يُطمئنها بها، يُحمَل نفسه فوق طاقته ليرى الإبتسامة لمن حوله في وقتٍ يفقد كل أسباب الراحة والإستقرار و أيضًا يفقد سببًا للإبتسامة : سمَي
ضي : سمَ الله عدوَك . . أبي أكلمك بموضوع بس . . يعني
عبدالرحمن يلتفتُ بكامل جسدِه عليها ليضع يدِه على شعَرها الطويل : وشو ؟ قولي
ضي أخذت نفس عميق لترتفع الدموع ناحية عينيْها، كل الإعترافات حتى أبسطها دائِمًا تجيء صريحة حادة و أحيانًا قاتلة.
عبدالرحمن يمسح دمعتها قبل أن تسقط : متضايقة؟ . . تطمَني إن شاء الله كلها يومين وراح نرجع للرياض
ضي إبتسمت حتى تغلب بكاءها ولكن هذا الدمع من غلبها حين تساقط كمطرٍ باريس هذه الأيام
عبدالرحمن تنهَد بعُقدة حاجبيْه : ضي؟ . . وش فيك يبه؟
ضي اخفظت رأسها، جبَنت في آخر لحظة بأن تقول له.
شدَها ليعانقها، حاول بكل قدرته أن يمتص حزنها بهذا العناق، يُحزنه أن تعاني ضي أيضًا.
غطَت ملامحها بكتفِه ودمعُها يُبلله وبصوتٍ مختنق : ما أبيك تزعل مني . . والله أموت يا عبدالرحمن لو تضايقت مني
عبدالرحمن : بسم الله عليك . . ليه أزعل؟
ضيْ ببكاء : مقدرت أقولك . . بس والله مو بإيدي . . خفت . . خفت كثير . .
عبدالرحمن أبعدها قليلاً ليُقابل ملامحها الناعمة، رفع حاجبه : وش صاير؟ وش اللي ماأعرفه ؟
ضي شتت نظراتها : آسفة . .
عبدالرحمن : وش الموضوع لا تخوفيني
ضي بربكة وهي تلمُ كفيَها في حضنها : أأ . . قبل يعني فترة عرفت . . بس ما كنت . .
يُقاطعها : عن ؟
ضي بشكلٍ سريع أبتعدت بجسدِها للخلف قليلاً وهي تنطقها : حامل
تجمدَ هذا العالم بأكمله في عينيْه، نظر إليْها بدهشَة دُون أن يساعده الصوت بأن ينطق كلمةٍ واحدة، انتفض قلبه من هذه الكلمة، انتفض من الفرحة التي تجيء بشكلٍ مُفاجئًا، أدركتُ تمامًا بعد هذا العُمر أنني أخاف من لحظاتِ الفرح التي لا تطول أبدًا، " عقد حاجبيْه بردَة فعلٍ لا يفهمها جيدًا " أُجاهد بأن لا يهتَز بي ضلعًا من أيَ خبرٍ يجيء بصورةٍ مُفاجئة، أحاول بكل ما أملك أن لا ينحني ظهري بأيَ شيء من أجل هذه الأوضاع التي تقتل القلب ببطء لتُجمَد الإحساس به، ولكنِك يا ضيَ عينِي أنتِ إستثناء من هذا بأكمله.
ضي عضَت شفتِها السفليَة لترفع عينيْها بتردد حتى تراه، سُرعان ما شتتها بحُمرةِ ملامحها الباكية، خافت أن تقع بشباكِ نظراته لتعِيش حُزنًا يصبَ من عينيْه.
عبدالرحمن بلع ريقه بصعوبَة أنفاسه التي تخمدُ برئتيْه: متى؟
ضي بخفوت مهتَز : هذا الشهر الثانِي
عبدالرحمن همس مُشتتًا نظراته : الحمدلله
ضي رفعت عينيْها لتنظرُ إليْه بعينيْن باكيتيْن : مو متضايق؟
عبدالرحمن اقترب منها ليُقبَل جبينها بقُبلةٍ عميقة، أستطال بالثواني وهو يُلامس جبينها المرتفع بدرجة حرارته، أبتعد ليُردف : أؤمن بأن كل اللي يصير خيرَة
ضي دُون إرادتها أجهشت عيناها مرةً أخرى : يعني ما ودَك بهالطفل ؟
: مو قصدِي . . سحب يدَها ليضغط عليها بدعمٍ معنوي يُقدَره جيدًا.
أكمل : محد يرَد شي فضَله الله وأختاره له، صحيح إني طلبت منك تآكلين حبوب المنع وقطعتيها بدون علمي . . لكن من حقَك! مقدر أحاسبك على شي أنتِ تبينه
ضيْ : إذا أنت ماتبيه أنا ماأبيه
عبدالرحمن يمسح على شعرها بإبتسامة تكسره كثيرًا : واللي تبينه أنا أبيه
ضيْ : ماأبي أخليك تشيل هم فوق همَك ولا تـ
يُقاطعها بضحكة تتمايل بقلب ضيَ الغنيَ به : استحي على وجهك! فيه أحد يقول عن ولده همَ ؟
ضي ابتسمت بين بكاءها : كنت خايفة، خفت تعصَب من . . . مدري بس أشياء كثيرة خلتني أخاف!
عبدالرحمن يمسح دموعها بكفَه الحانية : ليه أحملَك فوق طاقتك؟ وأخليك تشيلين همَي بعد! أعرف شعورك يا ضيَ . . أعرف وشلون تشيلين همَ كيف توصلين خبر لأحد . . وماأبيك تجربين شعوري ، هذا الشعور اللي ما يخليك تنامين براحة ويقتلك كل يوم وكل لحظة تفكرين فيه
ضيْ تضع يديْها على كفَه التي تعانق خدَها لتسحبها قليلاً وتُقبَل باطن كفَه : الله يخليك ليْ
عبدالرحمن وقف ليُمسكها من يدِها ويوقفها بإبتسامته الهادئة: توضَي وخلينا نصلي الشفع و الوتر . .
ضي : أنا على وضوء . .
عبدالرحمن : طيب . . تقدَم ناحية القبلة، أخذت حجابها لتُصلِي خلفه، سكَن المكان بصلاتهم وصوتُ المطر الذي يضطرب بالخارج يعبرُ مسامعهم كطمأنينة، سجَد وفي أولِ سجدة أبتهلَ قلبه بالصلاة على النبي إقتداءً لسنَة الدعاء، ليصمت قليلاً بخشوعٍ عظيم حتى تصاعدت روحه بالكلمات الراكعة لله " اللهم يا كريم يا رحمَن يا منَان ردَ بناتي إليَ وأحفظهم بحفظِك، اللهم إني أستودعتُك فلذات كبدي فأحفظهم وأحمِهم، يارب لا تُريني بهم مكروهًا وأصلح أمرَهم وسهَل ما صُعَب عليهم، يارب أرزقهم الدرجات العليا في الدنيا والآخرة و أجمعهم بمن يحبُون، يارب أحفظ قلوبهم من الوجَع و الحُزن . .
أطال بسجُودِه وصمت بعد " الحزن " ، من شأن الكلمات أيضًا أن تقف كغصَة وتمنع الصوت عنَا،( بناتِي ) الصوت المبتهج في داخلِي أما الآن أحتاجُ حنجرة أخرى لأواصل السير على نبرةٍ أتعبها الوقوف " الغصَة ". مهما بلغنا من القوة الا أننا فُقراء ضعفاء أمام الله، سقطت دمعته على السجَادة.
ليُكمل " يارب يا كريم أرزقني القوَة والصبر حتى احتمل وجعهم، يارب أرزقني النفس الصبورة التي تحمدُك في أشدَ المصائب وأصعبها، اللهم احفظ زوجتي و اكرمها بما تشتهي نفسها ولا تُصعَب عليها أمرًا إنه لا يعجز عنك شيء، اللهم ارزقها السعادة و الراحة. . . . . اللهم أحفظهم . . أحفظهم يا رحيم.


،

في ساعات الفجر الأولى دخَل لعُتمة المنزل الذي يزداد إضطرابًا بسكُونِه، إلتفت ليندهش من وجودها : عمَة؟
إلتفتت حصَة التي غفت قليلاً وهي تنتظره : جيت!
إقترب منها ليُقبَل رأسها ويجلس على ركبتيْه أمامها : وش فيك نايمة هنا؟ كنتِي تنتظريني؟
حصة صمتت قليلاً حتى تتغلب على نوبة البكاء التي أصابتها طوال اليوم : متضايقة من اللي قاعد يصير فيك ومو قادرة أرتاح دقيقة وحدة
سلطان : تطمَني . . ما فيني الا العافية . . يا ما شفت ولقيت بتجي على هذي!
حصة تمسح على رأسه القريب من حضنها : طلبتك يا سلطان لا تطلقها!
سلطان بضيق : قومي نامي ارتاحي شكلك مانمتي طول اليوم . .
حصة : تكفى يا سلطان والله قلبي بيتقطع من هالموضوع
سلطان : بسم الله على قلبك عساه فيني ولا فيك
حصة ببكاءها الذي لا يهدأ : لا توجعني فيك . . بس عطَ نفسك فُرصة والله ما تستاهل كل هذا
سلطان سعَل قليلاً من المرض الذي يتفاقم عليه في كل لحظة، وقف ليجلس بجانبها : الحين تبكين كأن احد ميَت لِك؟ والله أنا اللي بتقطعين لي قلبي!! يا عُمري ماتدرين وين الخيرة . . الله يسهَل من عنده ويرزقنا
حصة : ليه ما تفهمني يا سلطان! موجوعة والله العظيم . . ماراح تلقى وحدة تناسبك غيرها! أنتم مكتوبين لبعض لا تضيَعها من إيدك
سلطان بضيق يمسح دموعها بكفَه وبنبرتِه الخافتة يشعُ قلبه لها : طيب لا تبكين! . . لا تبكين
حصَة : لو أبوك الله يرحمه موجود وشافك كذا والله لا يحلف عليك أنك ترجعها!
سلطان : الله يرحمه ويغفر له ويغفر لأمواتنا جميعًا . .
حصة : كلكم بإيدكم الحل . . وش بتسوي بعدها؟ بتصحى عشان تشتغل وتنام عشان تريَح من هالشغل وما بينهم أنت مشغول . . وإلى متى؟ بعد عُمر طويل تتقاعد ومين بتلقى عندِك؟ . . بس فكَر بطريقة منطقية أنه اللي تسوونه أكبر غلط! والله أكبر غلط
سلطان بإبتسامة يُخفف وطأة هذا البكاء : يا ويل قلبي بس! مين اللي بيتطلق أنتِ ولا الجوهرة ؟
حصة تضربه على كتفه : أنا اللي بتطلق وش رايك؟
سلطان : بنتك وهي بنتك مابكيتي عليها كذا
حصة : لأني عارفة عواقب تصرفاتها لكن أنت يا سلطان عارفة وش بيصير بحياتك بعد الجوهرة!! تكفى يا سلطان أبي أفرح فيك وبعيالك
سلطان بلع ريقه بصعوبة ليُردف : يا أميمتي أنتِ . . ماعاش من يرد لك طلب بس خلَي هالموضوع وطلعيه من بالك . . أنا ما أنفع للزواج وأريَحك من الآخر . . عفت الحريم
حصة صدَت عنه بضيق : ما تعرف مصلحتك! والله ماتعرفها
سلطان : مشاكلنا ما تنتهي، بنوجع بعض كثيير
حصة : بتنتهي لو بس تقدمت خطوة وحدة
سلطان ابتسم : ملاحظة أنك ما تفقدين الأمل كل مرة نفس الكلام تقولينه
حصة : وبجلس طول عمري أزَن عليك لين تتعدَل! . . فيه شي إسمه تفاهم وتنازل وتضحية عشان حياة زوجية زي الخلق . . . المشكلة أنكم إثنينتكم تبون بعض وأكذِب وقول لا .. والله لا اذبحك لو تكذب!!
سلطان بضحكة يُريد أن يُبعدها عن هذا الموضوع : ولدِك جلف ما يفهم بهالأمور
حصة بسخرية : ناجح بحياتك العملية وفاشل مع مرتبة الشرف بحياتك الخاصة
سلطان : الشكوى لله . .
حصة : فرحة وحدة مستكثرها على نفسك!! وش فيها لو قلت للجوهرة أبيك . . وش بينقص منك؟ هذا وأنت راعي دين وتعرف بالدين وتدري أنه أبغض الحلال عند الله الطلاق
سلطان بضحكة مبحوحة صادقة : عشاني راعي دين على قولتك أدري أنه ماهو أبغض الحلال عند الله الطلاق . . وهذا حديث مغلوط عن الرسول صلى الله عليه وسلم . . كيف شي حلال شرَعه الله يكرهه الرحمن؟ يعني بالعقل ما يدخل هالحديث . . لأن في الطلاق فوائد! وأكيد لحكمة منه شرَعه
حصة نظرت إليه بجمود ليبتسم سلطان : حجَرت لك ؟
حصة : الشرهة على اللي مقابلك!!
سلطان غرق بضحكته ليُردف : جعلني ماأبكيك . . قومي نامي وريَحي نفسك
حصَة : إيه أضحك! ماشاء الله على روحك اللي لها كل هالقدرة على التجاهل
سلطان : لا حول ولا قوة الا بالله وش تبيني أسوي؟ أجلس لك وأبكي وألطم حظي! عندي أمور أهم تخص شغلي! . . . وعلى فكرة معدَي سالفة الصبح ولا عاد تحاولين تجمعينا بأيَ طريقة
حصة من غضبها لم تعد تعرف ماهية قوْلها : هذا إذا ما حطيت صورها في البيت كله عشان تحترق كبدك شوي وتروح لها
سلطان : تبين الملائكة ما تدخل البيت؟
حصة : أشوف غرفة سعاد ما قلت والله الملائكة ما تدخل بيتي! لو ماجيت وسنَعت غرفتها كان الله يعلم كم بقيت تحرَ الجوهرة فيها . .
سلطان تنهَد : الله يصلحك بس
حصة : أنا أعرف كيف أطيَح اللي براسك . . بيجي يوم وتعض أصابعك ندم على اللي قاعد تضيَعه منك، يخي شفت الجوهرة بس قلت لها أنك تعبان فزَت لك ونست كل شي عشان تكلمك . . يعني لو بس ترفع سماعة التليفون عليها وبكلمتين حلوة تتسنَع فيها وتعقل مثل كل الرجال بترضى وبتجيك
سلطان سعَل بمرارة دُون توقف لتربت حصَة خلف ظهره : يا لكاعتك!! بس تبي تضيَع السالفة
سلطان بضيق بحَ صوته من السعال : ذبحتني الكحَة والله
حصة : لو قاعد في البيت اليوم مو أحسن! رحت ورجعت أسوأ من أوَل . . المهم شدَ حيلك شوي بس وكلَمها
سلطان : بقولك شي . . الحين أمَر بمرحلة مهمة بشغلي ومضطر إني أعطيها كل وقتي حتى لو على حساب نفسي وحياتي
حصَة : إلى متى؟ بس قولي متى تنتهي هالمرحلة المهمة اللي من فتحت عينك على هالدنيا وأنت تمَر فيها
سلطان : كل شي يخص شغلي مهم، وأيَ غلط صغير يضيَعنا وببساطة ينهينا
حصَة برجاء : سلطان
سلطان : يا عيونه طلَعي هالموضوع من بالك ونامي وأرتاحي . . وأعتبري ما صار الا كل خير
حصة : اتصل عليها . . بس على الأقل حسسَها أنك مهتم . . تطمَن عليها وأسأل عنها
سلطان : وش بستفيد؟
حصَة : صاير تفكيرك إستغلالي لازم مقابل لكل فعل تسويه! ما ينفع تكون أخلاقك حلوة شوي مع البنت؟
سلطان ابتسم : أفآآ! صرت إستغلالي الحين؟
حصة بضيق انفعلت : منت إستغلالي! والدليل أنك حمار وماتفكر بنفسك!
سلطان مازالت الإبتسامة المتعبة تتسع حتى أظهرت أسنانه : مقبولة منك يا أم العنود
حصة : وش أسوي فيك يا سلطان ؟ بموت من حرَتي عليك!!! وش بيصير في هالدنيا لو قلت لها وش أخبارك يالجوهرة ؟
سلطان : الحين غيَرتي توجهاتك! قبل شوي تقولين رجَعها والحين تبيني بس أكلمها
حصة بسخرية : عاد حكم القوي على الضعيف! كل ماجيتك من جهة عنَدت
سلطان : طيب خلاص
حصة : تكلمها ؟
سلطان : إيه
حصة : إحلف
سلطان غرق بضحكته ليُردف بتعب وهو يسند ظهره على الأريكة : ما عاد فيه ثقة؟
حصة : إخلص عليَ وإحلف عشان أعرف كيف أواجهك بالحجَة؟
سلطان : والله العظيم بكرا بكلَمها
حصة إبتسمت : خلَ أسلوبك حلو
سلطان بسخرية : سجَلي وش الكلام اللي تبيني أقوله ؟
حصة : لا طبعا ماراح أتدخل بينكم
سلطان لم يتمالك نفسه من الضحك ليُردف بين ضحكاته : بسم الله على قلبك اللي ما تدخَل
حصة إبتسمت بإحمرار وجنتيْها : اللي سويته مو تدخل . . إسمه إصلاح . . الله يصلح قلوبكم ويجمعكم
سلطان مسح على وجهه بإرهاق دُون أن ينطق شيئًا لتدفعه حصة من كتفه : قل آمين عساك اللي مانيب قايلة
سلطان بتعبٍ واضح : آمين . . آمييييين . . . آميييييييييين
حصة ضحكت لتُردف : يممه منك حتى آمين مستخسر تقولها!!
سلطان : قلتها في قلبي
حصة : أنت ماشاء الله عليك كل شي تقوله في قلبك ولمَا أقولك سوَ كذا ولا لا تسوي كذا قلت أنا أمشي ورى عقلي . .
سلطان سعل بشدَة حتى أردف وهو يغمض عينيْه ويضغط عليها بأصابعه : اللهم صلِ وسلم على محمد . . شكل حرارتي بترتفع من نقاشك!!
حصة بخبث تُلقي عليه من أعظم أبيات الشعر الفصيح في العصر العباسي : جربتُ من نار الهوى ما تنطفي نار الغضا و تكَلُ عما يُحرق . .
سلطان إلتفت عليها بنظرة حادَة لتكتم حصة بضحكتها وهي تُردف واقفة : أمزح وش فيك ؟ . . تصبح على خير . . . أختفت من عينيه سريعًا بلذَة إقناعه بمحادثة الجوهرة.
ضلَ يُراقبها حتى تلاشت، تمتم بتنهيدة : سبحانك لا اله الا أنت وأتوب إليك . . . صعد للأعلى ودُون أيَ سيطرة منه على عقله الذي بدآ يُكمل الأبيات " و عذلتُ أهل العشق حتى ذقته فعجبت كيف يموت من لا يعشق؟ وعذرتهم وعرفتُ ذنبي أنني عيَرتهُم فلقيتُ منهم ما لقوا " دخل لياخذ نفس عميق حتى يطرد كلمات المتنبي من عقله الغارق بقصيدته التي تُضرب بها الأمثال حتى هذا اليوم، نزع حذاءه ليرمي نفسه على السرير بإرهاق دُون أن يغيَر ملابسه، سحب وسادة الجوهرة ليضعها فوق وسادته وتصِل رائحة عطرها أنفه متجهة لعقله الذي مازال يستذكرُ صوت القصيدة،
" أرقٌ على أرقٍ ومثلي يأرَق " في كل جُزء منَي وعلى كل جزءٍ و فوق الحال وبين كل حال تضعين مُسببًا للأرَق، للغرق، للاوجود، للغياب، عفيف يالجوهرة لمْ أسكُر ولم يُذهب عقلي شيء عدَا عينيْك، لم يكذب من لعن الفتنة، الفتنة التي تسرق مني نومًا في هذه الساعات.
أستلقى على ظهره متقلبًا، يحاول جذب النوم بالذِكر : استغفر الله . . .
كاد أن ينفجر عقله من القصائد التي يقرأها عليه في وقتٍ يحاول أن يقرأ به الأذكار، في كل لحظة يلفظ ذكرٍ من أجل أن ينام مرتاحًا يُقاطعه مقطع قصيدة، لم يبقى شيئًا حفظه منذُ زمنٍ بعيد لم يُعاد عليه في هذا الليل، بدأ يُكرر الإستغفار في داخله : أستغفرك ربي من ديارٍ تجلب حُزنًا . . لم يُكمل بمُقاطعة قلبه الذي يحفظ " واستلذُ نسيمها من دياركم، كأن أنفاسهُ من نشركم قُبلٌ "
تنهَد بمحاولة قمع كل محاولات عقله وقلبه في ترديد الشعر في وقتٍ يُريد فقط السكون والهدوء، ولا فائِدة مع كل كلمة تستنطق لسانه بخفُوت يُجيب عقله بطريقة مُستفزة وهو لا يخضع لأيَ سيطرة منه، التفكير يخرج عن إرادتنا مهما حاولنا أن لا نُفكر، نستطيع أن نمنع أنفسنا من الكلام و أعيُننا من النظر و لكننا لا نستطيع أن أنمنع أنفسنا من التفكير وهذه الحقيقة في وقتٍ مثل هذا تشدَ أعصابه وتستفزه.
ـ بإسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه فأن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فأحفظها بما تحفظ به عبادِك الصالحين. بمُقاطعة قلبية : " ولو أنني أستغفر الله كلما ذكرتك لم تكتب عليَ ذنوب "
ـ اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادِك، اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادِك، اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادِك.
بمُقاطعة أخرى : " هجرتُك حتى قيل لا يعرف الهوى و زرتُك حتى قيل ليس له صبرًا "
دفن رأسه بالوسادة ليشتعل عطرها بكل خليَةٍ في جسده، أغمض عينيْه ليُردد بصوتٍ منخفض حتى لا يُفكر بأيِ شيءٍ آخر : أستغفر الله . . أستغفر الله . . أستغفر الله . . .
أندهش من نفسه التي تحفظ أبياتًا لم يُرددها يومًا، دخل في صراعٍ مع الوسادة حتى ينام " شطرٌ واحد يا حصَة أشعلتي به ذاكرتي النائمة ".
على بُعدٍ طويل في شرق المملكة كانت مُستلقيَة على السرير وكفيَها على بطنها وعيناها للسقف.
لم يجيئها النوم رُغم أنها لم تستيقظ مُتأخرًا، ابتسمت من الإسم الذي جاء بقلبها " بدر بن سلطان بن بدر الجابر "، أريده يحمل سُمرة والِده و عينيْه التي تُناقض كل ما يقول دائِمًا، كيف أنتظر 9 أشهر ؟ لا افهم مقدرة الحامل على إنتظار كل هذه الشهور بصبرٍ وحِلم وأنا منذُ الآن أعدُ الوقت من اجله! وأعدُ اللحظة التي تجيء به، لم اتمنى شيء كمجيئه بظروفٍ اجمل لا ينفصلُ بها عنَي أحدٌ أحببتهُ قاسيًا حتى أصبحت قسوته لُطفًا بعيني، يا وداعة الأشياء الجميلة في صدرِي إني أُحبك بقرارٍ يشملُ الحياة.
إلتفتت للباب الذي انفتح، أفنان : صاحية ؟
الجوهرة أستعدلت لتجلس : إيه
أفنان : طفشت وقلت مالي غيرك
الجوهرة : ما عدلتي نومك؟
أفنان : لآ للحين . . وش رايك نجيب فيلم ونسهر عليه ؟
الجوهرة : مو مشتهية والله
أفنان بملل : طيب الجو حلو خلينا نسهر برا . .
الجوهرة بإبتسامة : جد مالي خلق أتحرك
أفنان : من الحين بديتي تتعيجزين شلون لو تصيرين بالسابع!
الجوهرة : أجلسي وسولفي عن باريس وكَان
أفنان : تعبت وأنا أسولف لك وأعيد نفس السوالف! خلاص خلصت سواليفي
الجوهرة إبتسمت : سولفي عن أيَ شي؟ عن رواية قريتيها ؟
أفنان : يوه يا قدمك! صار لي سنتين ما أقرأ
الجوهرة : أجل بنام وأنتِ روحي أسهري لحالك
أفنان برجاء : جُوج! يخي بموت من الملل . . سوَي معي شي مفيد قبل لا ترجعين الرياض!!
الجوهرة تنهدَت بضيق من كلمتها الأخيرة لتُردف : وش تبيني أسوَي؟
أفنان بصمتٍ لثواني : صح ما قلت لك! رجعت أحفظ أجزاء جديدة من القرآن
الجوهرة بنبرة فرح : شدَي حيلك لا تقطعين . . ما بقى لك الا الأجزاء الأخيرة
أفنان : يارب أقدر وأحفظهم . . والله تعبت تخيلي أحفظ وأسمَع ألقى نفسي ماحفظت نفس الناس
الجوهرة : طيب أنا قلت لك أسمعي بالقارئ اللي تبينه وخلَي إذنك تحفظ معك . . القرآن ما ينفع تحفظينه بطريقة الترديد، لازم تحفظه عينك معك بالقراءة وإذنك بالإنصات عشان يبقى بذاكرتك فترة طويلة
أفنان صمتت لثواني طويلة لا حديث يقطع صمتهم حتى أردفت : طيب بسألك سؤال
الجوهرة : وشو ؟
أفنان : تضايقتي من ريَان اليوم ؟
الجوهرة : أنا ؟ لا ليه ؟
أفنان : أجل ليه بكيتي؟
الجوهرة بلعت ريقها : مو عنه
أفنان : ترى ريَان بدآ يتغيَر والله حتى صايرة أسئلته مو كثيرة مثل دايم، يعني أجاوبه وينهي الموضوع ما يستفسر كثير . . وأنتِ بعد لا تشيلين بقلبك عليه!
الجوهرة : مين قال إني شايلة عليه؟ أفنان تراه أخوي مهما صار مالي غيره
أفنان : أنا بس قلت لك يوم حسَيت أنه اوضاعكم للحين متوتَرة
الجوهرة : لا تطمَني، قلبي ما يشيل على سلطان!
أفنان بضحكة : سلطان!! والله مآخذ عقلك هالسلطان نسَاك حتى إسم أخوك
الجوهرة تصاعدت الحُمرة لوجنتيْها لتستمر أفنان بنظراتِها المتغنجة : إيه وش أخبار سلطان ؟
الجوهرة شتت نظراتها : بخير
أفنان بإبتسامة فسيحة : متى بيجي؟
الجوهرة : ليه يجي ؟
أفنان : يعني عشان يآخذك، ماراح يجي هنا؟
الجوهرة بتوتر : الحين هو مشغول . . مدري بالضبط متى بينتهي شغله


،

في صباحٍ هادىء بالغيم، مُضطرب بالشعور، تتصاعدُ الأحلام وتتسامى دُون أيَ قُدرة على الإمساك بها! تفلتُ منَا أحلامنا التي هي ذواتنا، تفلتُ منَا أنفسنا ولا نُسيطر عليها.
بين أربعة جدرانٍ صمَاء ينظرُ لوميض الضوء المنبعث من ثقبٍ بزاوية السجن الإنفرادي، رأسُ مالي في هذه الحياة ثلاثٌ لا يزيدهم فردًا، والدِي و عبدالعزيز و غادة، و إثنيْن أنفصل عنهم شيئًا فشيئًا، ما حيلتي لأعِيش وأنا مُقيَد بهذه الصورة، لا أطلب من الدنيَا عدل وحُكمها بيدِ البشَر، لله أترُك أمر الحياة والناس. يا وجَع قلبي و يا ضيقُ الفرح بجوفِي! قبل سنواتٍ كانت الحياة تتمهدُ امامي وتُبسِط على كفَها من الفرح حُزمٍ لامنتهية، كانت تأتِ دائِمًا في الكلمات بضميرٍ يحمل غادة، ياء الملكية التي تُنهي الكلمات كان يُزعجني أنها ألتوت على نفسها كهاء الغائب، وأنتِ لم تغيبي لحظةً عن روحي، " أخفض رأسه من فكرة وجود ولِيد معها هذه الأثناء، وعدهُ بأن لا يقترب منها ولا يُخبرها شيء "
قبل ساعاتٍ طويلة في مكتب الضابط يُقابله.
وليد : والحين وش بتسوي ؟
ناصر : ولا شي! . . أبيك تبلَغ فيصل بموضوع غادة أنها بروحها عشان يتصرف
وليد : وينها ؟
ناصِر بتهديد يُشير إليه بسبابته : صدقني ماراح يحصل خير لو عرفت أنك أنت اللي رحت لها
وليد إبتسم بهدوء : قضيت سنة كاملة معها! لو بضرَها كان ضرَيتها من زمان
ناصر : الكلام الدرامي هذا وفَره لنفسك! بلَغ فيصل ومشكور
وليد تنهَد : وش مشكلتك معي؟ أنا أحاول أساعدِك!!
ناصر بحدَة : بتساعدني؟ بلَغ فيصل وماتقصَر
وليد : عطني عنوانها طيَب، أقول لفيصل أيش؟
ناصر يسحب الورقة الموجودة على الطاولة ليكتب عنوانه في لندن، مدَ الورقة وقبل أن يلتقطها وليد سحبها ليُعيد تهديده : صدقني لو يوصلني خبر أنك معها بحرقك في مكانك!!
وليد وقف ليمدَ يدِه ويأخذ الورقة : أستغرب من أنانيتك حتى وهي بروحها! ما خفت عليها من أحد لكن خفت عليها منَي!!
ناصر وقف ليقترب منه : إذا حبَيت بتعرف وقتها وش يعني أنك تغار من ظلَ يلامسها و ماهو ظلَك!
وليد : يعني لو كنت أناني محد بيشره عليَ بنظرك؟
ناصر : الأنانية إنك تفكَر بنفسك وتتجاهل اللي حولك وأنا ما تجاهلت أحد.
،
يقف أمام النافذة المطلَة على الحديقة المنزليَة، وعيناه تُراقب هيفاء التي تُحضَر طاولة الطعام للفطور، يأتِه صوتُه المُشتعل بالغضب : يعني ما جبت الأوراق؟
فيصل ببرود : ليه أجيبها ؟ عطني سبب يخليني أروح وأجيبها
عُمر بحدة : فيصل!!
فيصل بضحكة : ودَي أذبح ذبيحة على شرف هالصوت!
عُمر بعُقدة حاجبيْه : أذبحها على شرفك حبيبي!! أقسم لك بالله ماتكون في بيتك الليلة إن ما طلعت الأوراق
فيصل يُلحَن الكلمات ويُمططها بإستفزاز : أنا آسف عشان الأوراق اللي شايف نفسك فيها صارت بإيدي . . وهذي الأوراق بتنحشر في فمَك
عُمر بهدوء يخفي خلفه براكين مشتعلة : كيف طلعت لك ؟
فيصل بسخرية : أمطرت الرياض
عُمر بغضب : تكلَم! كيف وصلت لك؟
فيصل : زي الكلب تروح وتطلَع ناصر ولا بضطر أسوي شي يحرقك فيه سليمان قبل لا أوصَل الموضوع لأبو سعود وسلطان
عُمر : ناصر ماراح يطلع! وبشوف وش بتسوي يا فيصل؟
فيصل تنهَد : عاد الشكوى لله، اللهم بلَغت اللهم فأشهد . . سُو سورِي
عُمر : مين وراك؟
فيصل غرق بضحكة عميقة ليُردف : اللي قاعد يصير لك أمر مُحزن ومثير للشفقة! صرت تشَك بنفسك صح؟ يا حياتي والله
عُمر بحدَة : لو أنك رجَال تقول مين!
فيصل : مقطَعتك الرجولة! والله عاد ما يهمَني أكون رجَال بعيونك . . يكفيني أنه ينتهي اللي بديتوه بخسارة كبيرة لكم
عُمر : كأنك ما بديته معنا!!
فيصل بإستفزاز : أنا؟ متى؟
عُمر : تنكر؟
فيصل : عطني دليل واحد إني كنت معكم؟ . . .
إلتزم عمر الصمت، ليُكمل فيصل : حاول ما تجي الساعة 7 بتوقيتكم الا وناصر طالع وإلا والله أنت اللي ما راح تنام الليلة!! . . أغلقه ليتنهَد براحة الكون أجمَع، اتسعت إبتسامته الفسيحة حتى ظهرت أسنانه في لحظةٍ شعر بها أن هذا العالم يقف على شُرفةِ منزله، نزل للأسفل ليمرَ مكتبه الذي ورثه عن والِده، وضع الأوراق في الخزانة، انتبه للسلاح العتيق النائم على الأوراق، لمعت في رأسه فكرة ليضعه في جيبه ويُغلق الخزانة جيدًا، خرج متجهًا نحو الخلف، إلتفتت عليه بإبتسامة : صباح الخير
فيصل بنبرةٍ مبتهجة : صباح النور والسرور والرضا
هيفاء : عمتي خذت ريف وطلعت ويوم شفت الجو حلو قلت نفطر هنا
فيصل : زين تسوين . . جلس لتجلس بمُقابله . .
هيفاء : كنت أبغى أستأذن منك يعني لو أقدر أروح لأهلي اليوم
فيصل رفع عينه : إيه أكيد
هيفاء أبتسمت : مشكور
فيصل : حسستيني إني رئيسك بالشغل على هالإستئذان!!
هيفاء ارتبكت بتوتر عميق لتُردف : آآ . . يعني عشان . .
فيصل وبدآ يقع بعشق ربكتها، ليتمتع اكثر بصمته ويراقب حركاتها العفويَة المتوترة، أكملت : مو مفروض استأذن؟
فيصل بلع ضحكته قبل أن يصخب بها ليُردف : مو قصدِي كذا
هيفاء : أجل؟ يعني طريقتي بالإستئذان
فيصل هز رأسه بالإيجاب ليأخذ كأس العصير ويشرب منه.
هيفاء تمتمت : الله يآخذ دفاشتي!!
فيصل : عفوًا؟
هيفاء : ولا شي بس لأني متعودة أستأذن بهالطريقة
وبداخلها تمتمت " الله يسامحني على الكذبة انا لو أستأذن منك زي ما استأذن من أبوي بترمي عليَ الطلاق "
فيصل بإستلعان يُربكها ويقف على كل كلمة : يعني تروحين لأبوك وتقولين أبغى أستأذن منك لو أقدر أروح لصديقتي؟؟؟
هيفاء إبتسمت بتوتر : يعني مو كذا بس لأن ما أعرف أستأذن
فيصل : ما تستأذنين! تطلعين بدون إستئذان؟
هيفاء أخذت نفس عميق : لآلآ .. خلاص أنسى أشرح لك بعدين
إبتسم إبتسامة أوقعت قلب هيفاء : بنسى يا عيني ليه ما أنسى؟
هيفاء تصاعدت الحُمرة لتتورَد وجنتيْها، شربت من كأس الماء لتُخفف حرارة جسدها المرتفع بالربكة.
فيصل ضلَت عيناه تغرق بتفاصيلها وتبحر بمراقبتها، لم ترفع عينيْها تُدرك أنه ينظر إليْها، بدأت تُحرَك الملعقة على الصحن دُون أن تأكل لقمة واحِدة.
فيصل : هيفا
رفعت رأسها وبتعجُل : لبيه . . آآ أقصد هلا
فيصل بضحكة : وش فيك مستخسرة عليَ كلمة حلوة؟
هيفاء بربكة : لآ لآ مو قصدي كذا أقصد يعني . . خلاص لبيه
فيصل إبتسم : تلبين بمكة . . قومي بورَيك شي
هيفاء وقفت لتسير خلفه وهي تضع يديْها على خديْها المشتعليْن بحرارتهما، " يالله عليك يا فيصل " لم أتوقع أن تُصيبني كل هذه الربكة بحضُورك، أشعرُ بأن نظراتِك لها خُطى مهيبة لا قُدرة على قلبي بأن يتحمَلها، فيك شيءٌ لا أدري ما تفسيره، و على عينيْك أمرٌ يتخطَى العادة، يجيئني شعور أنه أمرٌ خارق، أعني بذلك النظرُ إليْك وإستكشاف تفاصيلك التي تهرول حولك، يبدُو لي أنني أقع بِك/فيك.
إلتفت عليها لتسير بجانبه متجهَان لمكانٍ لا تعرفه، نظرت للمكان الخاوِي سوى من زرعٍ بسيط يُزيَنه.
فيصل يأخذ علبة المياه ليضعها على بُعد 20 متر تقريبًا، رفعت حاجبها بإستغراب : وش بنسوي؟
فيصل : بعلَمك شي . . أخرج السلاح لتبتعد خطوتيْن للخلف بشهقة فلتت منها رُعبًا.
فيصل : بسم الله عليك! . . تعالي
هيفاء : لآ مستحيل . . ما احب أمسكه ولا . .
يقترب منها ليسحبها من ذراعها، هيفاء برجاء : لا تكفى والله أخاف منه . . أعرف نفسي والله ما اكذب إني ماأشوف زين وممكن أوديك بداهية
فيصل بإبتسامة شاسعة : أنا معك
هيفاء بتوتر وكأنها تواجه الموت : والله العظيم والله ما اكذب . .
فيصل : مين قال إنك تكذبين! أنا معك . . يالله أوقفي زين
هيفاء : تكفى لا . . حتى بمزرعتنا أخواني يعطون ريم ومايعطوني لأني ما أشوف زين . . والله ما اكذب
فيصل بضحكة يشدَها ليجعل ظهرها مُلاصق لجسدِه، ووجهه على كتفِها، مدَ يديْها بإستقامة ليضع إبهامها والسبابة على السلاح ومن فوقها يدِه، هيفاء بضيق : ما أبغى أتعلم واللي يرحم لي والديك! . . علَمني أيَ شي خايس الا هذا
فيصل : أعلمك كيف تقرأين؟
هيفاء أشتَد إحراجها من إدراكه لكذبها، إلتزمت الصمت وهي تبلع رهبتها من السلاح.
فيصل لفَ قدمِه على ساقه حتى يُثبَتها، أغمضت عينيْها بشدَة لتضغط على الزناد وتذهب الرصاصة بعيدة كل البعد عن قارورة المياه.
فتحت عيناها بتجمَد تام، فيصل يهمس بالقرب من إذنها : لازم تتعلمين كيف تدافعين عن نفسك، بكرا لا سمح الله اذا صار شي تكونين عارفة وفاهمة
هيفاء : خلاص؟
فيصل : أبي العلبة تنفقع!
هيفاء إلتفتت عليه وساقها مازالت مثبَته بقدمِه، لاصق بطنه بطنها ويدِه خلف ظهرها، وبصوتٍ مُرتبك تنطق الكلمات بهيئة مستعجلة : والله إني أخاف من هالأشياء وعندي فوبيا منها . .
فيصل بهذا القرب لم ينطق شيئًا، اكتفى بعينيْه التي تُراقب شفتيْها المتحركتيْن بكلماتٍ سريعة.
إرتجف فكيَها لتبلع ريقها مُشتتة نظراتها بعيدًا عنه في وقتٍ يُحيطها جسدِه من كل إتجاه، ابعد قدمِه عن ساقها ليجاور قدمِه قدمها، أمال رأسه قليلاً ليصِل لمستوى شفتيْها، ويدِه تنزلُ من أعلى ظهرها لتُحيط خصرها، أغمضت عينيْها ليلتحم جسدِه بجسدِها، ارتفعت درجة حرارتها الداخليَة ليغيب قلبها عن الوعي بما حوله، ويديْها المرتجفتيْن تغفو على صدرِه.
عن الشعور الذي أجهله في هذه الأثناء؟ كيف أحكيه؟ قلبِي بِكر لم يعشق من قبل ولم يسلك طريق الهوى، تُغيَرني يا فيصل بظرفِ يوميْن، تقلبني رأسًا على عقب، تفضَ الحياة بعيني ليصعد مقامها نحوُك، نحوك أنت فقط لا يُشارِكك إنسانًا ولا جمادًا، فوق العادة، ما أعنيه تمامًا أنَ هذا الشعُور المحمَر خلف قلبي فوق العادة، أجهلُ ماهية الشعور ولكنني أُدرك تمامًا بأن هناك شيئًا يشدَني إليْك، كُنت أظن أن عينيْك وحدها المصيبة إلا أن شفتيْك أكثرُ المصائِب ودًا.
ابتعد بحرارةِ أنفاسه التي أنتقلت لرئتيْها لتضجَ أنفاسه بداخلها، ولا أعرفُ وصفًا يا هيفاء أعمقُ من قول المتنبي " قد ذقتُ ماء حياةٍ من مقبَلها، لو صاب تُربًا لأحيا سالفَ الأمم "، للمرةِ الأولى أتذوَق الجنة بترتيلِ شفاهِ غانيَة، أتحسَر للعُمر الذي مضى دُون أن أفكَر بالزواج، وأرثي الآن من يعيش دُون أنثى، أقصد فتنة.
ابتعدت خطوتيْن للخلف دُون أن تتجرأ بالنظر إليْه، سارت بإتجاه الداخل وأنفاسها تضطرب إضطرابًا يصِل لقلبها الذي يرتفع أشدُ إرتفاع بحركته، دخلت لتصعد بخطواتٍ سريعة نحو الأعلى، أغلقت الباب لتُسند ظهرها عليه، وضعت يدَها اليمنى على خدَها والاخرى على صدرها لتُهدأ من روْعِها، نظرت للنافذة و جسدِها من قدميْها حتى رأسها يشعُ حُمرةً ويُضيء، بللت شفتيْها بلسانها لتبتسم من ربكة شعورها، تسللت أصابعها نحو فمِها لتشعرُ بأن شفتيْها تحترق بحرارته، إتجهت نحو الحمام لتُبلل ملامحها بمياهٍ باردة، نشفَت وجهها المحمَر بخجله، جلست على الأريكة وتفكيرها يتشوَش بأشياءٍ كثيرة لا تستطيع أن تُحددها.
قُبلةٍ واحدة أدت إلى غياب عقلي عن وعيْه كيف لو أطالها؟




يسيرُ ذهابًا وإيابًا، وصوتُ ضرباتِ القلم على إصبعه يرنَ صداها، إلتفت للباب ليدخل أسامة : ما لقيناه
رائد بغضب يقترب منه ليُحرقه بجحيمه : طلَع فارس من تحت الأرض! والله ثم والله لو يصير له شي راح أحرقكم كلكم
أسامة صابته الرهبة من وعيده : سوينا اللي علينا! وأنت ما كلفتنا نراقبه
رائد يصفعه بقوة حتى أصطدم جسدِه بالجدار، بصراخ : وأنا الحين كلفتكم!! فارس يطلع لي!!!
نزفت شفاهُ أسامة وهو يقف بإرتباك : إن شاء الله
رائد : أنقلع عن وجهي ولا ترجع الا وفارس معك . . . جلس خلف مكتبِه وأفكاره تشتدُ سوءً حول فارس، أنحنى بظهره وقدمه اليمنى تضربُ الأرض بإستمرار لتعبَر عن توترها أيضًا، سيُصاب بالجنون من غياب فارس عنه، يتمنى أن يموت ولا يصِلهُ خبرٌ سيء عنه، أهتز هاتفه على الطاولة ليسحبه، فتح الرسالة لتُصاب عيناه بجمودٍ سحب كل أنفاسه للداخل ولم يزفرُ بشيء، اختنق صدرِه من الصورة التي يراها، من منظر فارس الملقى على الأرض والدماء تنتشر على جسدِه و تُبلل الجزء الآخر من ملابسه، لا يُريد أن يصدَق أن شيئًا حلَ به، للمرةِ الأولى منذُ فترة بعيدة ترتجف عينيْه وتُسبِب ربكة فكيَها التي تزداد إصطداماتها ببعضها البعض، وقف وهو يضع يدِه اليسرى على جبينه من صُداعٍ يُداهمه ويُشتت رؤيته، خرج من الغرفة ليصرخ بصرخة هزَت أركان الشقة، تجمَعوا بأقل من الثانية إليْه، إقترب من أسامه ليُحيط رقبته بيديْه : تعرف مكان فارس؟ . . تعرفه
أسامة أختنق من قبضة يدِه دون أن يُجيبه بأيَ شيء،
رائد يرمي كل خططه بعرض الحائط من أجلِ إبنه : سليمان صح؟
أسامة بدهشة أتسعت عيناه من معرفة رائد به، لكمه حتى سقط على الأرض، سحبه ليلكمه بشدَة مرةً أخرى، دفعه بإتجاه الجدار ليسحب قميصه ويضربهُ مرةً أخرى، رفسَه على بطنه ليُثير غثيانه : تكلَم لا أقسم بالله أدفنك بمكانك!!
أسامة والدماء تنزفُ من كل جزءٍ بجسدِه، بصعوبة نطق : ما أدري
رائد يرفسه بقوَة : أنا أبيك تدري . . إلتفت للواقفين خلفه . . جيب سلاحي
أسامة برهبة أحمرَت عيناه : ما أعرف شي صدقني
يمدَ حمد السلاح إليْه ليأخذه، صوَبه بإتجاه أسامة : عندِك دقيقة وحدة لو ما تكلمت ترَحم على نفسك
أسامة بضيق صوته : سليمان ذبحه
رائد لم يتردد ولا للحظة أن يضغط على الزناد، وجهه لساقِ أسامة، انطلقت الرصاصة لتنغرز به وتهتَز الجدران التي تُحيطه بصرخته الموجعة حد البكاء، صرخ بقوَة وعينيْه تجهشُ بالوجَع، أنحنى رائد إليْه بنبرةٍ لم ولن يجيءُ من يُشابه غضبها : والله لا أفقهكم بالتعذيب كيف يكون!! .. ولدِي أنا تذبحونه وترمون جثته !!! والله إن ما خليتكم تدعون على أنفسكم بالموت ما أكون رائد . . . والحين بتقولهم عن مكانه ماهو أنا اللي ولدي ينرمي على الطريق!!! وحسابكم جايْكم بالدور . . . . دخل لغرفته ليضرب الباب بقوَة حتى يغلقه، قبض على يدِه ليضربها على الجدار، صمَد لدقائق طويلة حتى أهتزَ جسدِه ببكاءٍ داخلي لا يقوى على الخروج، لم تحمله أقدامه ليجلس على ركبتيْه وهو يُغمض عينيْه ويضغط عليها بكفَه.
" يا عيون أبوك! يا عيونه كيف تتركني؟ " اشتدَت حُمرة عينيْه بحزنٍ لم يعتاده أبدًا، بحُزنٍ يُصيب قلبه ويقتلعه، أخفض رأسه بأنفاسٍ تحبس نفسها في صدره وتخنقه.
إلا أنتْ! أدفعُ للحياة كل شيء عداك، أبكِيك يا فارس لعُمرٍ كامل ولن أتجاوز أمرك، أرجُوك يالله ليقل أحدًا أنها مُزحة أو كُذبة، ليقل أحدًا أيَ شيء إلا موته، إلا موتي. ما كُنت أخشى بالحياة شيئًا عداه، فارس الإستثناء في كل شيء، أتوسَلك يالله لو كان كابوسًا أيقظني منه، أيقظني . .
أنهارت كل خليَة تسبحُ في جسدِه ولم يعد يفرق بين منامه ويقظته، جنَ جنونه مع إبنه. رفع رأسه للسقف وضحكاتِ إبنه تأتِ بصورة موجعة وكلماته الضيَقة تبحَ في ذاكرته " ماكذبت يا يبه يوم قلت نحنُ قومٌ يا إذا عشقوا ماتوا "
" بسم الله عليك يا يبه من الموت " تأتِ الحقيقة بسهامٍ حادَة لا تُقدَر قلبًا ثمَل من عشقه لإبنه، تأتِ بصورةٍ مُفجعة، لا أرضى بالعيش، بالحياة، بالدُنيا وعيناك لا تطلَ بناظريْها، كنت أوَد بأن تكون آخر شخص تراهُ عيني في إحتضاري، ولكنك ذهبت مُبكرًا ولم أراك، لم أراك يا فارس! كل شيء فيَ ينطق " الآه " و الوجَع، إني على بُعادِك لا أصبر وإني
على حُزني موعود، لو كُنت معي في ذروة جحيمي بهذه الدُنيا لقُلت إنني أعيشُ في الجنَة، أمَا الآن لو وضعوني بين مُسببات السعادة لعشت جحيمًا يحرق جسدِي دُونك.
يخترقه صوتُه مجددًا لتسقط دمعةً يتيمة على خدِه الأيسَر تكسرُ رجُلاً لم يكسره موت احد من قبِل ولم يكسرُه حدثًا هزَ بيته و عمله، يجيء صوتُه الضاحك " رائد : طبعًا كاتب قصة حُب . . عارفك ناقص حنان، فارس بضحكة عميقة : مغرقني بحنانك وش لي بحنان غيرك "
تسترجعُ ذاكرته صوته بكل الكلمات الضيَقة والواسعة بفرحها، يأتِ صوته قاتلاً لكل صبرٍ يحاول أن يثبت عليه.
ارتخى جسدِه بذبول، شحَبت ملامحه من مُحادثته في نفس هذا المكان ،
" رائد بغضب : أنقلع عن وجهي
فارس بإبتسامة : والله يا يبه صرت تنكر على الرايحة والجايَة! أحلف لك بالله أنك للحين أمي في بالك
رائد رفع عينه إليْه : وإذا أمك في بالي وش بتسوي؟ قلت لك أمك هذي مهي بصاحية حتى عقب هالسنين داخلة في مخي أعوذ بالله منها
فارس بضحكة منتصِرة : عاد قلبك ومالك سيطرة عليه
رائد : دبلت كبدي الله يدبل كبد العدو! . . قوم عن وجهي لا يجيك ذاك الكفَ اللي يثقفك بأصول الحب
فارس إتسعت إبتسامته حتى ظهرت أسنانه وهو يستفزُ والده بكلماته : عسل على قلبي يا أبو فارس لو تكفخني من اليوم لين بكرا
رائد : أنقلع لا والله . .
يُقاطعه فارس : ههههههههههههههههه وش فيك عصَبت؟ كنت أمزح بس شكل طاري امي يقلب قلبك
رائد : الا يقلب معدتي، الشرهة بس على اللي مقابلك
فارس : جرير وش يقول يبه . . يقول إن العيون التي في طرفها حور قتلننَا ثم لم يحيين قتلانا . .
رائد : الله يآخذك أنت وجرير قل آمين . . صدق فاضي ماعندِك شغل غير تحفظ بهالشعر اللي ماوراه الا النكد الله ينكَد على عدوَك
فارس بخبث : وش دعوى يبه! هذا أشهر بيت في الغزل مفروض تكون حافظه . .
رائد : ترى أمك ضاحكة عليك عيونها مهي حورآ . . هي فيها إنحراف
فارس غرق بضحكته ليُردف : ماشاء الله على الذاكرة اللي حافظة أصغر التفاصيل
رائد يحذف عليه علبة المناديل وهو يُخفي إبتسامته : قم وراك
فارس بضحكته التي تُشبه ضحكة والده : المُشكلة أنك أبوي
رائد بحدَة : أنا مشكلة؟
فارس بإبتسامة يقف ويقترب منه، قبَل رأسه ليبتعد خطوتيْن للخلف : بكون صريح معك، أنا أكره بعض تصرفاتك وأكره تحكمك فيني وأكره طريقتك بالتعامل مع غيري. . .
رائد يُعيد النظر للورق : أنقلع ما أبي أسمع
فارس بنبرةٍ صادقة : وترى ما أحمَلك ذنب شي! الصالح لو بأسوأ المجتمعات بيضَل صالح والفاسد لو بأحسن المجتمعات بيضَل فاسد . . ما أحمَلك شي يا يبه، لأن الله بيحاسبني على أعمالي ماراح يحاسب أحد ثاني، وأكبر مثال أنه عم الرسول صلى الله عليه وسلم! أكيد ماراح يحاسب الله الرسول على عمه! محد يشيل ذنب الثاني! أغلاطي هي من نفسِي مو منَك . . ومهما تصرفت وقلت بس لو يخيَروني عُمري ماراح أنفصل عنك . . ولا راح أرضى إني أعيش بعيد عنك . .
رائد يرفع عينه : وش مناسبة هالكلام؟
فارس : أنت سألتني ليه أنت بالنسبة لي مُشكلة؟
رائد : ما فهمت!!!
فارس بعلاقته الحميمية التي لا تهتَز مع والِده أبدًا : المُشكلة إنه حُبي لك يتناقض مع حُبي لعبير . .
رائد عقد حاجبيْه : ليه ؟
فارس بإبتسامة يبلع بها ضحكتِه على ملامح والده : أحبني لأني ولدِك
رائد بضحكة وقف مقتربًا منه : صحيح ؟
فارس أطلق ضحكته ليُردف : و أحب عيوني لأنها تشبهك
رائد غرق بضحكتِه : يا سلام على الغزل الصريح!
فارس بعينيْه التي تُشاركه الطرب والبهجة على الكلمات : و الحمدلله إنك أبويْ حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه


،

وقفت بإتزان أمامها، ومن داخلها تحترق من وجودها معه بين 4 جدران وسقفٌ يشهد عليهما، وأنا يا عزيز؟ أنا التي يشهدُ على حُبي لك أربعة، قلبي المرتجف و عينيَ الذابلتيْن، و صوتِي الضيَق و جسدِي المرتعش، لكَ حُكمهم يا سُلطانًا أتخذ من صدرِ أنثى عرشًا، لكَ مُلكهم يا رجلاً أستوطَن قلبًا أُرسِل إليْك، تركت قلبًا وضع في طريقك منذُ زمَن والآن أدفعُ ثمن الطريق الذي سلكته، أُنافس الحياة بِك بعد أن كُنت لك حياة، يسرقوني مِنك! وأنا وحدي التي أُحبك.
أثير بإبتسامة ناعِمة ترسمُ على ملامحها الباذِخة بجمالها : تفكرين كيف أبعد عن طريقك؟
رتيل أخذت نفس عميق لتُردف : أدعي الله كثير إني أنا اللي أبعد عن طريقك!
أثير بضحكة مستفزة : بالمناسبة، عزوز حبيبي قالي كلمة أمس وأشغلت بالي كثير أظنها تهمَك
رتيل بلعت ريقها بصعوبة وهي تُجاهد أن لا تفلت أعصابها منها.
أثير بدلع : قالي نفسي هي أنا حياتي اللي مستحيل يقاسمني فيها أحد حتى لو كان جزء من هالحياة . .
رتيل شدَت على شفتِها السفلية بأسنانها حتى لا ترتجف ، أثير تُكمل : أظن غلطتي بكلمة نفسك او شكلك فاهمتها غلط بقاموس عزوز
رتيل شتت نظراتها لتُعيدها بإشتعالهما لعينيَ أثير، بحركةٍ خافتة تراجعت أثير للخلف خطوتيْن من نظراتها التي شعرت وكأنها تُجلدها.
إن كنت تخاف من أحدٍ يا عزيز يجب أن تخاف من المرأة إن اشتعلت غيرتُها، الرِجال أسلحتهم واضحة أما النساء لهن جيوش سريَة إن اندلعت لن يقف بوجهها أحدٍ، النساء اللاتي أسقطن حكومات لم يستطع رجلٌ واحِد أن يقمع جزءٍ منها، هؤلاء النساء يجتمَعن في مرأة واحِدة ويُعينها الشيطان بكيدٍ عظيم إن أشتدت غيرتها، فقط استفز غيرتها وسترى الجحيم بعينه.
أثير بلعت ريقها من نظراتِ رتيل الغريبة والمُخيفة بنفس الوقت، شتت نظراتها لتُردف بتوتر أتضح على صوتها عطفًا على أن عبدالعزيز خرج ولا تستبعد أن تفعل رتيل بها شيئًا مجنون : وأسألي عبدالعزيز إذا جاء . .
نطقت إسمهُ دُون دلع حتى لا ترتكب بها جريمة، رتيل أقتربت أكثر بجسدِها إليْها وبإبتسامة تُخفي معانٍ كثيرة : كنت أبيك تتفاجئين باللي راح يصير، بس راح أعلَمك كيف تدفعين ثمن أغلاطك معي!
أثير : تهدديني؟
رتيل بحدَة : إيه أهددك . . أتقِ شرَي يا أثير لا والله أطلَع حرَة عبير وأبوي وعبدالعزيز فيك
أثير أخذت نفس تُعيد به توازنها : في بيتي وتهدديني بعد؟ أنا والله اللي لازم أقولك يا غريب كُن أديب
رتيل ضحكت بسخريَة لاذعة : ما أحتاج أعيد لك نفس المنوال كل يوم . . لا تحاولين تعوضين نقص ثقتك بعبدالعزيز بترديدك لحكي أنتِ تعرفين أنك تلعبين فيه على نفسك! يكفي عيونه اللي تفضحه مهما حاول يبيَن لك . . مفهوم؟
أثير : الله العالم مين يعوَض نقصه!
رتيل إقتربت لتشتعل نظراتها بغضبِ الغيرة : أبعدي عن طريقي
أثير غرقت في عينيْها لتُردف بعد صمتٍ لثواني : وإن ما بعدت؟
رتيل : فيه شي ما تعرفينه عنَي! ضميري ميَت وأسألي عبدالعزيز عنه، هو بنفسه شهد عليه أول ما جاء الرياض!
أثير تراجعت لتأخذ حقيبتها وهاتفها : طبعًا راح أسأله وأبلغه بتهديدك الحلو . . . خرجت لتضرب الباب بقوَة، رمشت عينيْها لتسيل دمعة حارقة على خدِها الأيمن، أخذت العلبة الزجاجية الموضوعة على الطاولة لترميها على الحائط وهي تصرخ بغضب يندمج مع بكاءها : حقييييييير! . . حقيييير . . . جلست على ركبتيْها، اخفضت رأسها ببكاءٍ صبرت عليه كثير. وضعت كفيَها على إذنها حتى لا تسمع صوتُ قلبها المرتجف، كيف أصمَ سمعي عن قلبي؟ أكرهك وأنا كاذبة، سأُرددها حتى أصدَقها مثل ما صدَقت مسألة أثير، سأصدَقها يومًا وأكرهك يا عبدالعزيز.


 توقيع : البارونة

البارونة


رد مع اقتباس