عرض مشاركة واحدة
قديم 7 - 12 - 2024, 07:30 AM   #6


الصورة الرمزية البارونة

 عضويتي » 1746
 جيت فيذا » 13 - 7 - 2024
 آخر حضور » 19 - 1 - 2025 (08:40 AM)
 فترةالاقامة » 193يوم
مواضيعي » 51
الردود » 1984
عدد المشاركات » 2,035
نقاط التقييم » 450
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 63
الاعجابات المرسلة » 18
 المستوى » $37 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبهAlbania
جنسي  »  Male
العمر  » سنة
الحالة الاجتماعية  » اعزب
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل 7up
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله baunty
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلةNGA
ناديك المفضل  » ناديك المفضلahli
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضلهBentley
 
الوصول السريع

عرض البوم صور البارونة عرض مجموعات البارونة عرض أوسمة البارونة

عرض الملف الشخصي لـ البارونة إرسال رسالة زائر لـ البارونة جميع مواضيع البارونة

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 7,0 My Camera: Sony


 
الاوسمه الحاصل عليها
 
وسام  
/ قيمة النقطة: 70
وسام  
/ قيمة النقطة: 50
مجموع الأوسمة: 2...) (المزيد»

مجموع الأوسمة: 2

البارونة غير متواجد حالياً

افتراضي رد: رواية امراة في ظل الاسلام




اللقاء السادس


الأمومة رسالة المرأة الأولى. نظام الإرث هل ظلم المرأة؟


في معية الله سبحانه تهون الصعاب


قطرات المطر تضرب النافذة بشدة.. وحان موعد اللقاء بزينب فهل ستأتي؟
منذ لحظات كانت أشعة الشمس ظاهرة من خلال الغيوم، أما الآن فقد غطت الغيوم جوانب السماء.. سبحان الذي يغيّر ولا يتغيّر.. الكون كونه.. والمُلك ملكه.. والأمر أمره.. والكل عبيده يأمر فيُطاع، واستباحت قطرات المطر الأفنية والشوارع، أما التراب فهو في شوق لها وسيمتصها بسرعة ويتفاعل معها، وأما الشجيرات العطشى فقد فتحت الأكف تنتظر اللقاء بشوق ولهفة، كأنها إنسان اشتدّ به الظمأ لقطرات من الماء، وها هي تأتيه بقوة من فوق.. من ربّ السماء، فيرفع يديه ويستقبلها بشوق بينما تضيق الأفنية والشوارع ببرك المياه، كما يضيق بها العابرون والمارون، ناسين أنها رحمة من الله وأن الحياة لن تستمر على الأرض لو انقطعت عنها هذه الرحمة، فسبحان الذي جعل من الماء كل شيء حي..
وانتشلتني من متعة التأمل طرقات على الباب، إنها زينب لقد أصابها البلل وبادرتني قائلة:
- هل تصدقين أنني كلما سمعت قطرات المطر تعزف موسيقاها الرتيبة انبعث في داخلي هاتف يدعوني للخروج لكي أستقبل مظهراً من مظاهر رحمة الله، وهكذا أخرج غير مبالية بما يحدث لي.
قلت: أهلاً وسهلاً بك وإنني في انتظارك، وقد شغلني المطر كما شغلك، أما الآن فإنني على استعداد للاستماع إليك والتعرف على الأحداث التي عشتها، ولا تزالين تعيشينها في ظل الإسلام، هذا المنهج الذي تستقيم النفوس في ظله، وتجد الفطرة فيه الراحة والسلام.
قالت: أحداث مؤلمة مرّت في حياتي كغيري من البشر، سأذكر بعضها لك، وإن كان الظل الذي لجأت إليه حماني، وكان إحساسي دائماً مع ربّ قريب مجيب، يسمعني ويعلم ما بي، وهذا هوّن عليّ الألم وسهّل لي الصعب، وها أنذا أبدأ بأول حادثة في حياتي، وفاة أمي رحمها الله.. فقد كنت صغيرة. بكيت وتألمت.. صورتها لا تفارقني حتى الآن ودعواتي لها لا تنقطع أبداً، وأجد راحة كبرى عندما أتذكر أن الموت آت، وهناك سنلقى الأحبة ومنهم أمي منبع الرحمة والحب.. وبالرغم من أن أيدياً كثيرة امتدت لي وانتشلتني مما بي، ولكن يدي أمي لهما طعم خاص في نفسي، لا أستطيع وصفه ولا جدوى من الكلام فيه. ولا أنسى حنان أبي والرعاية التي أحاطني بها، ثم زواجه ممن ترعانا وتسهر على راحتنا، ولم يشغله زواجه الجديد عن الاهتمام بنا وتفقّد أحوالنا وتأمين كل ما نحتاج إليه.
قلت: هكذا يكون الراعي الذي يشعر بمسؤوليته أمام الله.. يذكّرني هذا بزميلة لي توفيت رحمها الله وتركت ثلاثة أبناء أصغرهم في الثانية من عمره وأكبرهم في التاسعة من عمره، وتزوج الأب بفتاة صغيرة إرضاء لنوازع نفسه، ناسياً واجبه نحو صغاره، وكان أن شغلته عن كل شيء، بل أكثر من ذلك كان يغار على زوجته من ابنه الكبير، ويمنعها من أن تقدم للأبناء أية معونة فلهم غرفتهم وفيها متاعهم وعليهم أن يتدبروا أمرهم. وقد ساءت أحوالهم كثيراً، لولا الرعاية الدافئة التي كانوا يجدونها عند جدتهم لأمهم كلما لجؤوا إليها ليجدوا عندها بعضاً مما كانوا يجدونه عند أمهم وأبيهم في الأيام الماضية.
قالت زينب: شتّان بين من هو عبد لنزواته وشهواته وبين من هو عبد لربه سبحانه، لقد كان أبي رحمه الله نموذجاً لعبد من عباد الله الصالحين.. فبالرغم من تعلقه بخالتي وحدبه عليها، وهذا مما كان يمكن أن يضايقني أحياناً، لولا إحساسي أنّ المودة والرحمة حق لها كما كانتا حقاً لأمي رحمها الله، بالرغم من ذلك لم يتغير شيء بالنسبة لاهتمامه بنا. وهكذا سارت بي الحياة سيرها الطبيعي دون عثرات، وأنهيت دراستي، وعملت في الميدان الذي أحببته، وتزوجت من إنسان اختارني واخترته بملء إرادتي، إنه قريب لي يعرفني وأعرفه.
قلت لزينب: هل أفهم من هذا أن ما ربط بينكما كان ميلاً عاطفياً؟
قالت: لا أستطيع أن أحدده كنت أشعر أنني سأنسجم معه وستكون بيننا مودة ورحمة وسنكوّن أسرة سعيدة. العاطفة موجودة ولكن العقل كان موجوداً أيضاً ولم يكن بعيداً.
قلت: وهل تحقق ما أحسست به؟
قالت: نعم تحقق إلى أبعد الحدود، وعشت حياة مستقرة مملوءة بالرضى بين عيادتي وبيتي.
قلت: ألم تحصل بينكم خلافات؟
قالت: هذا شيء لابد منه وخاصة في البداية، ولكن كنا نسارع إلى تسويتها ببعض التنازلات. وغالباً ما تكون من جانبي، فقد كان في طبيعة زوجي شيء من العند والتمسك بالرأي، ومع ذلك فقد كان ليناً بعيداً عن العنف، ويصل إلى ما يريد باللين ولكن لا يتراجع، وبعد أن فهمته أصبح بإمكاني أن أتكيف معه. وجاء ابني الأول وتذوقت مشاعر الأمومة، كما كان يلازمني إحساس مؤلم كلما غادرت البيت تاركة ولدي لمن استعنت بها لتحل محلي في غيابي، إنه إحساس من ترك قلبه في مكان وحلّ هو في مكان آخر، إنه شعور مؤلم لا يقدّر مدى مرارته إلا أمّ سلّمت فلذة كبدها ليد الله أعلم بما ستفعله بمن لا يستطيع التعبير ولا الشكوى، وهكذا ودون توقف توالت عليّ مشاق الحمل والولادة، وجاء بعد محمود سميّة وإسراء، وقررت أن أتوقف لفترة فقد أصبح الحمل ثقيلاً، كما قررت أن أهجر العيادة، فبيتي وأطفالي أحق بوجودي ورعايتي، ومرّت فترة وجاء طارق. وأشفقت عليّ إحدى خالاتي وجاءت لتعيش معي، بل مع أطفالي وتكون عيني التي تهتم بهم وترعاهم أثناء غيابي، وهنا تأتي حادثة أخرى مؤلمة في حياتي وهل تخلو الحياة من الآلام؟
قلت: ولكن هناك فرق بين من تؤلمه الحياة ولا سند له من إيمان بالله ورضى بما قدّر وقضى، وبين من تأتيه الآلام فيتقبلها بالصبر والرضى لأنها من عند الله، ولأنه يُثاب حتى على الشوكة يُشاكها. وقد نبّهنا مولانا سبحانه لنكون دائماً على استعداد كما في قوله تعالى:
)ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون( البقرة 155، 156، 157.
قالت زينب: الحمد لله على كل حال ففي معيته سبحانه يهون الصعب، لقد امتدت يد الطغيان إلى أخي الكبير، الذي حدثتك عن سعادتي بزواجه في لقاء سابق، أخذ من بيننا في ظلام الليل وغاب عنا.. ومرت الأيام والشهور ولم ندر عنه شيئاً أهو حي أم ميت؟ أين هو؟ ماذا يفعل وماذا يفعلون به؟ ولماذا خلا بيته من أب صالح؟ لا أحد يدري؟ وكانت ضربة قاسية مؤلمة لنا جميعاً، وخاصة بالنسبة لأبي، أما أطفال أخي الأربعة فقد كانت تملأ عيونهم الحيرة والخوف، وسؤال لا جواب له: أين أبي؟.. وتحاول الأم المسكينة أن تكفكف الدمع وتقول شيئاً فلا تستطيع، لو كان الموت.. لو كان لقاء الله لهان الأمر فالموت نهاية كل حيّ.
قلت: وكيف انتهى هذا الأمر؟
قالت: إنه لم ينته وكأنه لا نهاية له، تستيقظ الآمال أحياناً بأن الفرج آت وبأننا سنراه قريباً، وتمر الأيام والسنوات ولا يحدث شيء.. إن الله سبحانه يمنح الصبر لعباده المخلصين فيصممون على الاستمرار في الحياة ولولا ذلك لانهار كل شيء، خاصة أن ما حدث لنا قد حدث لكثيرين غيرنا، وقد كانت عاصفة قاسية تلقاها أبي كما تلقى سيدنا يعقوب فقدان ابنه وردد أبي كما رددنا معه )فصبر جميل والله المستعان..( يوسف 18.
قلت: وماذا فعل أبوك رحمه الله؟
قالت: لقد حاول أن يفعل شيئاً ولكن الأبواب مغلقة، فقرر أن يسعى لإزالة آثار هذه العاصفة بعد أن قدّر لها أسوأ الفروض وهو أن لا يعود أخي أبداً.
قلت: كيف سيزيل هذه الآثار؟
قالت: لقد كانت أسرة أخي شغله الشاغل رحمه الله، وكأنه تيقّن أن هذه الغيبة لا نهاية لها، فقرر أن يفعل ما يضمن لأسرة الغائب حياة كريمة قبل أن يحين الأجل في يوم لابد آت، فقد يفقدون الجدّ بعد فقدهم الأب والموت نهاية كل حي.
قلت: وماذا فعل من أجلهم رحمه الله؟
قالت: استدعاني في أحد الأيام مع أخوي غسان وعمر، وأخبرنا أنه سيوصي لأولاد أخي الغائب بما يخص والدهم من الميراث، أراد أن يسمع رأينا في الموضوع فوافقنا جميعاً، بل طلبنا منه أن يخصهم بما يشاء من ثروته حتى لو أوصى لهم بكل ما يملك فنحن موافقون.
فرفض وأخبرنا أن نظام الإرث في الإسلام لا مثيل له في أية شريعة أخرى، وأنه نظام يقوم على العدل والرحمة، وعلى أن المال مال الله، وأن الإنسان إذا حانت وفاته، انقطعت صلته بماله إلا في حدود الثلث، فله الحرية أن يهب هذا الثلث لمن يشاء.
قلت لزينب: لاشك أن نظام الإرث الإسلامي نظام رائع، ومع ذلك هناك من يحاول أن يجد فيه مثلباً، مثل قولهم: بأن فيه ظلماً للمرأة إذ أعطاها نصف نصيب الرجل..
قالت: حاشا لله أن يظلم، بل يكفي المرأة أنه لأول مرة في التاريخ يصبح لها حق في الإرث، بعد أن كانت وما تملك ملكاً للرجل، لاشك أن الظلم يجري في قوانينهم التي وضعوها فكانت ظالمة لفئة ما، بعيدة عن العدل والحق، فمنهم من لا يورث إلا الولد الأكبر ذكراً كان أو أنثى، ومنهم من يوصي بثروته لكلب أو هرة أو راقصة، ومنهم من يحرم الأولاد والأسرة ويوصي بالثروة لجهة من الجهات، أين هذا من عدله سبحانه وتعالى.
قلت: صحيح أن الرجل له ضعف نصيب المرأة من الميراث، ولكن هو المكلف بالإنفاق عليها، فقد راعى الإسلام ناحية التكافل بين أفراد الأسرة، كما راعى الحاجة ولم يحاب أحداً، فالله سبحانه لا يضيع أحداً، الخلق جميعاً عياله، رجال ونساء:
)أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض..( آل عمران 195.
وهل تعلمين أن المرأة في حالات كثيرة تأخذ مثل ما يأخذ الرجل، فقضية النصف هي بالنسبة للأولاد كما ورد في الآية الكريمة:
)يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين..( النساء 11.
قالت: كيف؟ هل يوجد حالات تأخذ فيها المرأة مثل الرجل؟
قلت: نعم وسأذكر لك بعض هذه الحالات، وهناك من أحصى ستاً وعشرين حالة ترث فيها المرأة نصيباً يعادل نصيب الرجل أو يزيد عليه، وسأذكر لك بعض هذه الحالات:
- إذا ترك المتوفى إخوة وأخوات له من أم فهم شركاء في الثلث بالتساوي بين ذكر وأنثى.
- إذا توفيت المرأة وتركت زوجاً وبنتاً فإن البنت ترث النصف ويرث والدها زوج المتوفاة الربع فترث البنت ضعف أبيها.
- إذا ترك المتوفى أولاداً وأباً وأماً يرث الأب والأم الثلث بالتساوي لكل منهما السدس.
وهكذا تجدين أن القضية لا علاقة لها بالذكورة والأنوثة.. وإنما مبنية على عدل الخالق وحكمته في إعطاء كل إنسان ذكر أو أنثى حسب حاجته وحسب ما حمّل من أعباء، والله يعلم مالا نعمله، ونحن واثقون من حكمته، وأن منهجه خير منهج، فهو يناسب فطرة الإنسان ويمنحه سكينة الروح إلى جانب الاكتفاء المادي.
قالت: حقاً لن يجد الإنسان الراحة إلا في ظل نظام يستوعب حاجاته الروحية والمادية، والإسلام هو النظام الوحيد الشامل الذي ما ترك ناحية من نواحي الحياة إلا وسنّ لها ما يلزمها من خطط ووسائل.
قلت: ولكن للأسف الشديد لا ينفذ هذا النظام على الأرض، إلا في جوانب محدودة منه، بينما يعيش في ظلّه من آمن به وسعى إليه، وارتضاه منهجاً لكل لحظة من لحظات حياته.
قالت: أحمد الله وأرجو أن نكون من هؤلاء أنا وأفراد أسرتي، وهكذا حقق والدي لأسرة أخي حياة كريمة، وقدّم لهم كل ما يستطيع مادياً ومعنوياً، متبعاً تعاليم شريعته التي قامت على العدل والتكافل، وبعد عدة سنوات توفي والدي رحمه الله، وقد اطمأن علينا جميعاً، وودعنا وهو يردد الشهادتين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ولا أنسى أبداً ابتسامة ارتسمت على وجهه توحي بالرضى والاطمئنان، وبالرغم من أن الموت متوقع وسيلفّنا جميعاً في يوم ما، مع ذلك كان فراقاً مؤلماً هزّني من الأعماق، لولا إيماني بأن لقاءات ستجمعنا في دار أرحب، وما الموت إلا الانتقال من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.
قلت: مما لاشك فيه أن الموت حقيقة تواجه الإنسان في كل لحظة، ومع ذلك يتصرف البشر وكأنهم خالدون مخلدون على هذه الأرض، فكيف كان سيكون الحال لو انتفت هذه الحقيقة؟! تخيلي ذلك.
قالت زينب: ماذا؟ تريدين أن أتخيل حياة بلا موت على هذه الأرض؟ حسناً.. إنني أتخيل البشر وقد انقلبوا وحوشاً يأكل بعضهم بعضاً.. فالحمد لله على نعمة الموت.
وهكذا بعد وفاة والدي رحمه الله استمر بنا الحال، أسرة متعاونة مترابطة، تجمعنا الأخوة والمنبت الواحد والظل الواحد، وكذلك بالنسبة لأسرتي الصغيرة.. حتى جاء ذلك اليوم، وأعتبره يوم الابتلاء والامتحان الأكبر بالنسبة لي، كان يوماً من أيام العشر الأخيرة من رمضان وابنتي سمية تصوم رمضان كله للمرة الأولى، وهي طفلة في الثامنة من عمرها، وخبّرني زوجي من مقر عمله أن أخاه قد جاء لزيارته، وكان يقيم في مدينة أخرى، وتذكرت أنه يلزمني في البيت بعض الأشياء من أجل الضيف، فقررت الذهاب لشرائها، وأسرّت لي سمية أنها تود الذهاب معي، فالمدرسة طالبتها ببعض المستلزمات وعليها إحضارها، وأذنتُ لها، وغمرتها الفرحة وانطلقت لتنتظرني في الخارج، ريثما أكمل استعدادي. وخرجت لتفاجئني ضوضاء وتجمّع على الدرج، ولا أدري كيف استوعبت الخبر، لقد سقطت ابنتي وهي تنزلق فرحة على سياج الدرج.. وارتمت أمام أحد أبواب الجيران.. وحملها الجار إلى المشفى القريب.
قلت: يا الله ما أصعب هذا الموقف!.. وماذا فعلت؟.. إنني أرى الدموع تسيل من عينيك الآن بلا بكاء..
قالت: لم أفعل شيئاً، دموع حارة سالت من عيني كما تسيل الآن، وكما تسيل كلما تذكرت، وهرولت ناحية المشفى، ووجدتها في غرفة الإنعاش، وقد تحلّق حولها الأطباء، ودخلت ووضعت يدي على جبهتها الباردة، كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة.. قطرات من عرقها لامست يدي.. خصلات شعرها الأشقر بدت مبتلة، زرقة لوّنت جانب رقبتها، أغمضت عينيها.. وانتهى كل شيء.. ركعت إلى جانبها وأمسكت بيدها وتمنيت أن أبقى هكذا إلى مالا نهاية.. وخيّل إلي أنها همست لي: صبراً سنلتقي غداً في الجنة.. لقد فتحت الجنة أبوابها.. وكانت دائمة السؤال عن الجنة وأحوالها، ومتى ستفتح أبوابها؟.. ومتى سنشرب من كوثرها؟ وها هي تذهب إليها صائمة ظمأى.. واحتضنها أبوها ورأيت الدموع في عينيه.. وهمس:
إنني لا أصدق..
وهمست: سيكون لقاؤنا في الجنة إن شاء الله تعالى.
وقال أحدهم: صبراً ستكون لكما ستاراً من النار يوم القيامة إن شاء الله.. وكما قال سبحانه:
)واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين، الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون( البقرة 45.
قلت لزينب: لاشك أن الأمر في غاية الصعوبة، وخاصة عندما يكون فراق الأحبة مفاجئاً لنا.. ولكن من صبّر نفسه صبّره الله.
قالت: لقد كان الأمر فوق احتمالي.. عندما حملوها إلى مقرها الأخير ورأيت الدموع في عيون إخوتها، أحسست أن ناراً اشتعلت في صدري.. شعور ما عرفته من قبل.. فقد فقدتُ الأم والأب والأخ.. ولكنها فلذة كبدي.. وصبّرت نفسي، وتذكرت أن اللقاء آت لا ريب فيه، وفي معيته سبحانه تهون الصعاب، والآن أقول: الحمد لله الذي أمدّني بنعمة السلوان، وأعانني على الصبر.. وقد لازمني في مصيبتي وعده سبحانه:
)ومن يتّق الله يكفّر عنه سيئاته ويُعْظِمْ له أجراً( الطلاق5.
وقد جنيتُ خلال ذلك ثماراً كثيرة أهمها الاطمئنان والرضى.
قلت: شتّان يا عزيزتي بين من ناداه ربه فلبّى وأطاع، وبين من سمع النداء فنفر واستعلى، وشتّان بين من يجني في معارك الحياة الاطمئنان والرضى، وبين من يجني الخوف والتوتر والقلق.. هناك من يلجأ إليه سبحانه ملتمساً منه العون والرضى فيرضيه ويعينه، وهناك من يواجه الدنيا منفرداً فيتهاوى بين يدي طبيب نفسيّ لا يملك من أمر نفسه شيئاً.. أو في وادي اليأس والضياع فلا يجد منفذاً للنجاة إلا الانتحار.
قالت: إنه فضل القرب منه سبحانه، وكلما ازداد قرب الإنسان من ربه هانت عليه الصعاب، وجنى ثمار التقوى فانحلت مشاكله واطمأن قلبه، وقد لاحظت كما لاحظ الجميع أنني أقدر على التحمل من زوجي.. ترى هل المرأة أكثر صبراً من الرجل؟.. لا أدري.. فكثيراً ما لاحظت دموعاً في عينيه وكثيراً ما سمعته يردد:
"إنني لا أستطيع أن أصدق، ولا أحتمل أن يضم التراب من كانت زهرة يانعة تملأ البيت ضحكاتها وأسئلتها.. كيف.. كيف يضم القبر من كانت حركة مستمرة لا تستقر ولا تهدأ إلا عند النوم؟"
فكنت أخفف عنه وأذكره برحمة الله وحكمته.. وأن ابنتنا ليست في القبر ولا في التراب، إنها إن شاء الله طائر يغرد في جنبات الجنة مع أطفال آخرين استضافهم المولى عز وجل في رحابه.. فكان يهدأ.. والآن لقد أطلت عليك وأثقلتُ عليك وعلى نفسي.. أستودعك الله وإلى لقاء قادم بإذن الله تعالى.


 توقيع : البارونة

البارونة


رد مع اقتباس