أحدها: ما ركبه الله سبحانه في طبع الرجل من ميله إلى المرأة؛
كما يميل العطشان إلى الماء والجائع إلى الطعام،
حتى إن كثيراً من الناس يصبر عن الطعام والشراب ولا يصبر عن النساء،
وهذا لا يُذم إذا صادف حلالاً، بل يحمد.
الثاني: أنَّ يوسف -عليه السلام- كان شاباً، وشهوة الشباب وحدّته أقوى.
الثالث: أنه كان عزباً لا زوجة له ولا سُرِّيَّة تكسر شدة الشهوة.
الرابع: أنه كان في بلاد غربة يتأتى للغريب فيها من قضاء الوطر ما لا يتأتى له في وطنه
وبين أهله ومعارفه.
الخامس: أن المرأة كانت ذات منصب وجمال؛
بحيث إن كل واحد من هذين الأمرين يدعو إلى مواقعتها.
السادس: أنها غير ممتنعة ولا آبية؛
فإن كثيراً من الناس يزيل رغبتَه في المرأة إباؤها وامتناعها؛
لما يجد في نفسه من ذل الخضوع والسؤال لها.
وكثير من الناس يزيده الإباء والامتناع إرادة وحباً، كما قال الشاعر:
وزادني كَلَفاً في الحب أن مَنَعتْ *** وحَبُّ شيءٍ إلى الإنسان ما منعا
الثامن: أنه في دارها وتحت سلطانها وقهرها؛
بحيث يخشى إن لم يطاوعها من أذاها له؛ فاجتمع داعي الرغبة والرهبة.
التاسع: أنه لا يخشى أن تَنِمِّ عليه هي ولا أحد من جهتها؛
فإنها هي الطالبة والراغبة، وقد غلّقت الأبواب وغيبت الرقباء.
العاشر: أنه كان في الظاهر مملوكاً لها في الدار؛
بحيث يدخل ويخرج ويحضر معها ولا يُنكر عليه،
وكان الأنس سابقاً على الطلب، وهو من أقوى الدواعي؛
كما قيل لامرأة شريفة من أشراف العرب: ما حملك على الزنا؟
قالت: قرب الوساد وطول السَّواد؛
تعني: قرب وساد الرجل من وسادتي وطول السواد بيننا.
الحادي عشر: أنها استعانت عليه بأئمة المكر والاحتيال،
فأرته إياهن وشكت حالها إليهن لتستعين بهن عليه،
واستعان هو بالله عليهن
فقال: {وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ} [(33) سورة يوسف].
الثاني عشر: أنها توعّدته بالسجن والصَّغار،
وهذا نوع إكراه؛ إذ هو تهديد من يغلب على الظن وقوع ما هدد به،
فيجتمع داعي الشهوة وداعي السلامة من ضيق السجن والصغار.
الثالث عشر: أن الزوج لم يظهر منه الغيرة والنخوة ما يفرق به بينهما
ويبعد كلا منهما عن صاحبه،
بل كان غاية ما قابلها به أن قال ليوسف: {أَعْرِضْ عَنْ هَذَا}
وللمرأة {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ}،
وشدة الغيرة للرجل من أقوى الموانع، وهنا لم يظهر منه غيرة.
ومع هذه الدواعي كلها فآثر مرضاة الله وخوفه،
وحمله حبه لله على أن اختار السجن على الزنا
{قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}
[(33) سورة يوسف]
وعلم أنه لا يطيق صرف ذلك عن نفسه،
وأن ربه تعالى إن لم يعصمه ويصرف عنه كيدهن صبا إليهن بطبعه
وكان من الجاهلين، وهذا من كمال معرفته بربه وبنفسه.
ومع كل هذه الدواعي إلا إن نبينا يوسف عليه السلام صبر ولم ينقاد لما تأمرهُ بهِ
* نستفيد من قصة نبينا يوسف عليه السلام
خلق الوفاء
الوفاء مع الله + الوفاء مع الناس+ الوفاء مع النفس
* وفاء النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة رضي الله عنها
وحبه لها حتى بعد موتها
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :
(( مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ ،
هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي ، وَمَا رَأَيْتُهَا قَطُّ لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا ،
وَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ ،
وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ فَيُهْدِي فِي خَلائِلِهَا مِنْهَا مَا يَسَعُهُنَّ ،
وفي لفظ (ثُمَّ يُهْدِي فِي خُلَّتِهَا مِنْهَا) ،
وفي لفظ (وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ فَيَتَتَبَّعُ بِهَا صَدَائِقَ خَدِيجَةَ فَيُهْدِيهَا لَهُنَّ ))
البخاري 3534، مسلم 4463، 4465،الترمذي 1940، أجمد 23174.
وعند أَحْمَد عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ :
(( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ ،
قَالَتْ : فَغِرْتُ يَوْمًا فَقُلْتُ : مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا ،
حَمْرَاءَ الشِّدْقِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا .
قَالَ صلى الله عليه وسلم : مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا ،
قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ ،
وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ ،
وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلادَ النِّسَاءِ ))
أحمد 23719، وأصله في مسلم وهو الحديث الذي قبله.
* وآخراً أن نجعل " إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ"(23) يوسف
شعار لنا في كل مرة تراودنا فيها أنفسنا لمعصية الله ..
لا تنسونا من صالح الدعاء ~
................