الْحَيَـِآةُ مِرْآةٌ عَـِآكِسَةْ .. [ قِصَّةٌ قَصِيْرَةٌ ] ~ّ!ْ
" الحياة مرآة خارجية تعكس أثر تصرفاتنا , إنها مرآة مفيدة تعلم الدروس النافعة , فالإنسان اللبيب يتعلم من أي موقف يواجهه , يا لها من مرآة عجيبة ! , ليت كل مرايا الدنيا مثلها "
هذا ما كانت تفكر به الآنسة الصغيرة ( ديانا ) التي تبلغ من العمر خمسة عشر عاما , صاحبة الشعر الذهبي المنسدل , والوجه المستدير الذي يحمل بين طياته ملامح الطفولة والبراءة , العينان الزرقاوان البراقتان , الأنف الصغير المستقر وسط وجهها الأبيض الذي هو بلون بشرتها الصافية , والفم المشابه لحبة توت في حجمه ولونه . كانت ممسكة بفرشاة ذهبية تمشط بها شعرها , وتجلس على كرسي أبيض ناعم طري أمام مرآة متوسطة الحجم عكس سطحها جمال الفتاة الصغيرة , نهضت من مكانها بدلال وفتحت خزانة ثيابها الفاخرة التي توسطت إحدى جدران الغرفة الواسعة , جالت عينيها في الخزانة بحيرة لتنتقي ثوبا تلبسه , أغمضت عينيها وأشارت بأصبعها على ثوب بلون الدم الأحمر القاني . سرعان ما ارتدت الثوب ونزلت السلالم على عجل , واتجهت نحو الباب الخلفي للقصر الذي تقطن بداخله , فتحته لتواجهها حديقة غناء اكتسبت دفئها لتعرضها لحرارة خيوط الشمس الذهبية الملتهبة , توجهت نحو الزهور تنتشق عبيرها , اتجهت نحو المشتل ورأت براعم بعض الزهور لم تتفتح بعد , أخذت تتجول به إلى أن رأت ما أثار عجبها وأذهلها ! رأت وردة حمراء متفتحة تقف بشموخ بعيدة عن جميع تلك الورود , قالت في نفسها النقية :
- عجبا لهذه الوردة كيف نمت بعيدة عن البقية ؟! يا لها من وردة غريبة !
مرت الأيام على الآنسة الصغيرة ( ديانا ) بسرعة , وهي تنتظر بشوق نمو تلك البراعم الصغيرة التي راقبتها , ولم تكن تحس بنموها من دقة المراقبة , استيقظت صباح يوم دافئ إثر صوت طرق على باب غرفتها , أجابت الطارق الذي كان رئيس الخدم الذين يخدمون في القصر , بصوت ناعس :
- من ؟!
- آنسة ديانا هل استيقظتي ؟!
- نعم لقد استيقظت
- حسنا الفطور جاهز , والسيد ريكاردو ينتظرك
- حسنا , سآتي على الفور
تنهضت من سريرها اللين بكسل , واتجهت نحو الحمام وغسلت وجهها ثم فرشت أسنانها وخرجت منه , توجهت نحو خزانتها وفتحتها , هذه المرة كانت قد قررت ماذا سترتدي لذلك لم تحتر كالمرة السابقة . ارتدت ثوبا بلون أصفر أبرز ملامحها الطفولية , توجهت إلى غرفة الطعام , ووجدت والدها يجلس على رأس الطاولة , ألقت التحية وقبلت رأسه المكتسي بالسواد , نظر إليها بعطف بعينيه الخضراوين , تذكر والدتها الراحلة منذ خمسة أعوام , تبسمت في وجهه وقالت له :
- لنبدأ
أجابها بشبح ابتسامة بالكاد كانت تظهر على وجهه , بدآ بتناول وجبة الإفطار وعندما فرغا منها توجه والدها لعمله بينما توجهت هي للمشتل , وكانت تنتظرها المفاجأة الصاعقة , جميع البراعم نمت واتشحت بحمرة قانية , على عكس الوردة التي كانت تقف بشموخ قبل عدة أيام , لقد ذبلت بتلاتها !! اللون الأحمر تحول إلى بني باهت , أوراقها المليئة بالحيوية انكمشت وجفت , التوى كأس الوردة على ساقها , وأصبحت تقف بذل وانكسار , بضعف وهوان , قالت في نفسها :
- هذا هو حال من ينظر للناس بتعالٍ , يكون في البداية قويا شامخا ومع ذلك وحيدا , ثم ينعكس حاله بأن يصبح ذليلا منكسرا لا يقوى على شيء , يا لحقارة من يتعالى على الآخرين , الحياة تماما كالمرآة العاكسة لتصرفاتنا ! |