نعم كأس الفراق مر
كلُّ واحدٍ منّا في هذه الحياة الدنيا قد تجرّع كأس الفراق، وذاق علقم الفقد، ولوعة الوداع، وسكب دموعَ القلوب قبل العيون. وكلّ واحد منا فقدَ أمًّا رؤوماً، أو أباً عطوفًا، أو أخاً شفيقاً، أو زوجاً حنوناً أو صديقاً حميماً مخلصاً. والإنسان عندما يودِّع مسافراً فإنه يعيش على أمل اللقاء به ولو بعد حين. وأمّا عندما يودّع إنساناً تحت أطباق الثرى، فإنه لا أمل له في لقائه بهذه الدنيا، وتراه يكرِّرُ مع الشاعر قولَه: وما الدَّهرُ إلا جامعٌ ومفرِّقٌ وما الناسُ إلا راحلٌ ومودَّعُ فإنْ نحنُ عِشنا يجمع اللهُ شملنا وإن نحن مِتنا فالقيامةُ تجمعُ نعم كأسُ الفراق مرٌّ، ولكنْ هذه هي الدنيا، مهما عمَّر الإنسان فيها فمصيره إلى التراب ومفارقةِ الأهل والأصحاب والأحباب. ساعة الفراق، كلٌّ يعبر عمّا يجيش في نفسه بطريقته، فهذا بالنحيب، وذاك بالبكاء والدموع، وغيرُه بالعويل، والآخر بالصبر والسُّلوان... أما الشعراء فتتحول دموعهم إلى مراثيَ حزينةٍ، حروفُها الأحزانُ، وسِفرها قلبٌ مُضنى، وقافيتها اللوعة والأسى، وبحرُها من فيضانات العبرات.... وأجملُ ما في الشعر في تلك اللحظة رقتُه وعذوبتُه، وصدقه وعاطفته. وفي هذه العجالة سنمخر مع الشعراء بحورَ أحزانهم، متأملين في بعض المراثي الباقيةِ ما دامت هناك مآقٍ تسكب دموعها، وسنرى أن بعض الشعراء رثى نبياً أو أماً أو أباً أو أخاً أو ولداً أو زوجةً أو صديقاً وفياً أو ملكاً محبباً إلى القلوب... ونبدأ بالصحابي الجليل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فله قصيدة في رثاء النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أول من رثاه، يقول فيها: لما رأيتُ نبينا متجندلاً ضاقت علي بعرضهن الدورُ فارتاعَ قلبي عندَ ذاك لموتهِ والعظمُ منّي ما حييتُ كَسيرُ أعتيقُ، ويحَك! إنّ خلّك قد ثوى والصبرُ عندكَ ما بقيتَ يسيرُ يا ليتني مِن قبلِ مهلكِ صاحبِي غُيِّبتُ في لحدٍ عليهِ صخور
تحياااتي...
الموضوع الأصلي :
نعم ك س الفراق مر || الكاتب :
كلي ذوق وذبحني الشوق || المصدر :
شبكة همس الشوق