دروب الضياع
يبدو أن جدلا دائرا هذه الأيام حول مشاركة المرأة السعودية , يتزايد كلما اقترب موعد إقامة دورة الألعاب الأولمبية في العاصمة البريطانية " لندن " - يوليو القادم - . مع أن الأمر لم يحسم بعد , والمفاوضات لا زالت مستمرة حول مشاركتها , رغم انضمام أسماء أربع رياضيات سعوديات من المحتمل مشاركتهن رسميا - حتى كتابة هذه المقالة - , وتعيين خامسة لحمل شعلة الأولمبياد . من حيث الأصل , فإن ممارسة المرأة للرياضة في ذاتها , بضوابطها الشرعية جائز , بل هو ضرورة شرعية . وأقصد بالضوابط الشرعية , عدم إلهاء المرأة عن واجب شرعي , أو اختلاطها بالرجال , أو السماح بكشف عورتها , مع بعدها عن مواطن الشبه , وإثارة الغرائز . - وبالتالي - فإن هناك عدد من الرياضات المهمة , تكون سببا في تقوية بدنها , وتنشيطه , ولا تتعارض مع طبيعة جسم المرأة من الناحية الجسدية , والنفسية , والطبية , بل تناسب طبيعتها . سيقال : طالما أن الألعاب الرياضية التي ستشارك بها المرأة السعودية , تتناسب مع طبيعتها , وحشمتها , ولا تتعارض مع قيم تعاليم الشريعة الإسلامية , شريطة الالتزام بضوابطها , واقتصار مشاركتها على الألعاب المحتشمة , فما المانع إذن من مشاركتها ؟ . ولك أن تتخيل أحدهم , وهو يقول : " إن الأمر قد دُرس من كل النواحي , وحرص المسؤولون على اصطحاب الاحتياطات المانعة من وجود مخالفات شرعية في المشاركة ، وذلك بممارسة رياضات في أماكن مخصصة لهن , تُحفظ فيها كرامتهن , وسترهن , واحتشامهن , وتتفق مع الأدلة من الكتاب , والسنة " . ولا يدري كاتب هذه الكلمات , أين موقع كل هذه الضوابط من الإعراب ؟ , - لاسيما - وأن كثيرا من أنواع الرياضات , يكثر فيها الاختلاط بالرجال , والتحدث معهم دون استحياء , - إضافة - إلى كشف العورات على وجه مثير للفتنة , وأداء بعض تلك الرياضات على أنغام الموسيقى . لا أعتقد , أن عاقلا سيخالف في حكم المنع ؛ لما في ذلك من تبرج , وسفور , لا يرضاه مسلم لمحارمه . فغالب الرياضات النسائية في تلك الألعاب , إن لم يكن - كلها - , لا يمكن تطبيق ضوابطها الشرعية , فهي ستقام في حضرة رجال , وستبث عبر القنوات الفضائية بشكل مباشر . - وبالتالي - فإن إقرار مثل هذه المشاركات دون اعتبار لرأي هيئة كبار علماءنا , أو إشباع الموضوع بفتاوى شرعية , - لاسيما - وأن تلك المشاركة نازلة فقهية مستجدة , هو بداية دخول إلى نفق مظلم . وسيكون تجاوزا في ذلك الغرض من مقصد الشارع في حفظ الأعراض , وهو مقصد ضروري يجب اعتباره . لست في معرض التقدم بالنصح إلى المسؤولين عن مشاركة المرأة في هكذا دورات , أو أن أغلق نوافذ على رياح الثقافات الإنسانية , التي تهب من جميع أنحاء العالم , وإنما هدفت من هذه الكلمات : وضع بعض النقاط على بعض الحروف , وإزالة تراكم سوء الفهم , والمبادرة إلى إيجاد مساحة للحوار , المبني على الحقيقة الواضحة , والمعلومة الصحيحة . فالمرأة السعودية أثبتت على مدار العقود المنصرمة , مقدار الثقة بها , ورفعة شأنها بين قريناتها من نساء العالم , بسبب تمسكها بدينها العظيم . بقي أن أقول : إن حماية المرأة السعودية من هكذا مشاركات , والنأي بها عن التحلل من القيم , والمبادئ الإسلامية , التي تفرض عليها العفة , مقصد شرعي . وعكس ذلك , انسلاخ من طبيعة المرأة , وإقحام لها في مجالات ليست من اختصاصاتها , ومؤامرة تحاك ضدها من الخارج . |