بين السماء والأرض تكتمل المغامرة
المغامرة الأكبر والرياضة الأصعب... تسلق الجبال! رياضة استقطبت البشر الحالمين بالصعود للقمة، والراغبين في خوض التحدي ضد قوى الطبيعة بين السماء والأرض.
والتحدي في تسلق الجبال ليس ضد طبيعة الصخور فقط والتي لابد للمتسلق الاستعداد لها بالأدوات التي تمنعه من الانزلاق، وبالاستعداد الجسدي حيث أن تسلق الجبال في حد ذاته يتطلب مرونة ورشاقة شديدان في المتسلق ليتمكن من الصعود بدون مشكلات.
أما التحدي الجسدي الأصعب هو تكيف الجسم مع الطبيعة القاسية في بيئة الجبال، والمشكلة الأصعب تتمثل في الارتفاعات العالية أي التي تتراوح بين 5 آلاف قدم و11500 قدم فوق سطح البحر، والارتفاع العالي جدًا هو ما يتراوح بين 11500 قدم و 18 ألف قدم أما ما يزيد عن ذلك فيعتبر ارتفاع شديد.
يمكننا أن نعتبر أن الصعوبات التي تأتي بعد الارتفاع العالي تكون مترتبة عليه في الأساس، فمن الصعوبات الأخرى انخفاض الضغط الجوي وهو الذي يحدث كلما ارتفعنا عن سطح الأرض، ففي الارتفاعات المنخفضة تكون الجزيئات مضغوطة بفعل وزن الهواء فوقها، إلا أن في الارتفاعات الكبيرة وبسبب انخفاض الضغط الجوي تنتشر الجزيئات بشكل أكبر.
وعلى الرغم من الشائع أن نسبة الأكسجين تقل كلما ارتفعنا عن سطح البحر، إلا أن الواقع مختلف فنسبة الأكسجين تظل ثابتة تقريبًا في جميع الارتفاعات، ولكن الواقع يؤكد صعوبة التنفس الذي يتعرض لها المتسلق، وهذه الصعوبة تنتج عن انتشار جزيئات الأكسجين في الهواء مع انخفاض الضغط الجوي، فما يحدث هو أن نسبة الأكسجين التي تدخل الرئتين مع كل نفس، فمثلاً في الارتفاعات العالية جدًا تتنفس أكسجين أقل من الطبيعي بنسبة 40% أما في الارتفاعات الشديدة تقل نسبة الأكسجين الذي تتنفسه إلى 50% فقط.
للتكيف مع هذه الصعوبات الشديدة تقوم أجسامنا بإجراء تعديلات منها إنتاج المزيد من كرات الدم الحمراء لتحمل الأكسجين لأنسجة الجسم، وتزيد ضربات القلب والتنفس والتبول، ويتطلب الجسم المزيد من الماء لحمايته من الجفاف، حيث أن الضغط الجوي المنخفض والرطوبة المنخفضة تتسبب في تبخر الرطوبة من الجلد والرئتين بشكل أسرع وذلك بالإضافة للمجهود العضلي بالطبع.
إلا أن أغرب ما قد يحدث للمتسلقين هو ما يطلق عليه "التنفس الدوري" (Periodic breathing) وهو يحدث أثناء النوم، حيث يدخل الشخص في دورة من التنفس المنخفض يتبعه توقف كامل للتنفس لفترة من 3 إلى 15 ثانية، يستمر بعدها التنفس بعد تشبع الجسم بثاني أكسيد الكربون بما يكفي ليحث المخ على معاودة التنفس. والتنفس الدوري أمر شائع في الارتفاعات العالية وكل ما يسببه هو أن يستيقظ الشخص شاعرًا بالإجهاد بشكل كبير. فللأسف يبدو أن حتى النوم لن يجلب لك الراحة عند تسلقك للجبال.
للتعامل مع التحدي الجسدي للتسلق يجب عليك القيام بالآتي: تعلم التسلق بالطبع بعدة أساليب مختلفة، وتعلم أساسيات التسلق من استخدام الأدوات والحفاظ على السلامة في أثناء التسلق إلى جانب تعلم الإسعافات الأولية اللازمة، وأخيرًا التدريبات الجسدية... الكثير والكثير منها، فالتسلق يتطلب منك استخدام الكثير من عضلات جسمك ورشاقة ومرونة فائقين لذا إن كنت ترغب بخوض المغامرة قم ببذل الجهد الذي تتطلبه تلك المغامرة.
قد يبدو لك أن كل تلك الصعوبات بلا طائل، إلا أن الحقيقة هي أن تسلق الجبال يعطيك تجربة شعورية لا يمكن لشيء آخر تزويدك بها، فمع الظروف القاسية التي تقدمها البيئة الجبلية والمجود الذي يتطلبه التسلق يختبر المتسلق اندفاع للأدرينالين في عروقه لم يمر به قبلاً، فالتجربة تشعر معها أن مشاعرك تذوب سواء أثناء التسلق أو عند وصولك إلى القمة، وينصح الخبراء أن تتحدث مع من مروا بالتجربة سابقًا لتستعد نفسيًا لما ستواجهه.
لن يتحداك أي شيء ولن تمثل لك أي رياضة التحدي الذي يمثله تسلق الجبال، فهو يدفعك لحدود قدراتك جسديًا وشعوريًا، ولن يؤهلك شيء غير التدريب القاسي للوصول إلى القمة، وعند وصولك للقمة وانتصارك على التحدي من الطبيعة ومن جسدك ، تذكر هذا المقال... وابتسم.