24 - 7 - 2012, 04:39 AM
|
| | | | | عضويتي
» 2170 | جيت فيذا
» 23 - 7 - 2012 | آخر حضور
» 20 - 11 - 2014 (09:19 PM) |
فترةالاقامة »
4535يوم
|
المستوى » $17 [] |
النشاط اليومي » 0.07 | مواضيعي » 74 | الردود » 259 | عددمشاركاتي » 333 | نقاطي التقييم » 76 |
ابحث عن » مواضيعي ❤
ردودي | تلقيت إعجاب » 0 | الاعجابات المرسلة » 0 |
الاقامه » |
حاليآ في » الشرقيه | دولتي الحبيبه » | جنسي » | العمر »
سنة
| الحالة الاجتماعية » |
التقييم
» | مشروبى المفضل » | الشوكولاته المفضله » | قناتك المفضلة » | ناديك المفضل » | سبارتي المفضله » | | | | |
اعتذار رواية تخلد ذكرى رجل
اعتذار رواية...تُخلد ذِكرى رجُل
أعزائي القراء...
هذه السطور وعدتني بالأمل ولم تٌنسني الدموع ولم تشفي في قلبي الجراح...أيٌها السادة الكرام قلمي خط الألم خط السطور لرجل عاش في زمان حلمت أن أكون فيه,تمنيت أن يراني,فلا يتجاهل وجودي,وهو دم عروقي...نعم هو كل سعادتي وغيابه كل شقائي..أنتم ستقرئون رواية وقد يكون بطل حياتي بينكم,نعم سيقرأ نفسه ويمسك بدائرة زمانه من البداية ليلتقط بعض الصور الذي يحاول أن يخفيها الزمان فيه,طفولته وجميع مراحل حياته,أقدم بين أيديكم رواية مستوحاة من واقعه...
ولك حبي في عبق كلمات تسترضي جروحك فلا تبخل بإعفاء الرواية عن البكاء في أخر فصولها...
أعتذر عن سطوري التي لم تأخذ الأذن منك, ولكنها لم تحتمل ألمي وهذياني,لم تقف مع الزمان وظلمك ضدي...عانقت أفكاري وحاولت دوما مسح دموعي,فقالت لقلبي الحزين,أكتبيني رواية لم يعد المكان يسعني في قلبكِ الحزين, ألم الفراق من أصعب الآلام الذي يعجز أن يداويها الزمن,أكتبيني رواية اعتذار يعانق بين سطوره العشق وأجمل معاني الحب وأصدقها, لأخلد لكي قصة أحد رجال هذا الزمان...
لقد أودعتني للغربة التي أمقت الإحساس بها,التي لم أحسب لها حسابا في يوم من الأيام...حبيبي... قٌرائي الكرام سنعيش في فصول تتوالى وراء بعضها...لأني لا أحتمل فراقُ لحروفي ولعبق الكلمات ولسطور الرواية التي تؤنس وحدتي في غياب نور شموسي في أنن واحد, صدقوني أن فراقها يؤلمني جدا,ولكني لن أسخى بقصة حياته الرائعة التي عشت بجميع فصولها على أناس تعطشوا الى ذلك الزمن ولم يعد أحد يصدق بوجود رجل لا زال يحمل في قلبه تلك القيم التي عاصر بها الحاضر الذي يندد بالحرية...
دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفسا اذا حكم ألقضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي فما لحوادث الدنيا بقاء
تتجلى كلمات الشافعي الرائعة على نفس بطلنا الذي كان يرددها منذ عرفته في حياتي فكان شمعة أمل يضئ دنياي ويوقد قلبي دفئا...
أعزائي القراء فالتسمحو لي أن أوقد شموع الماضي العتيق...وأمسح الغبار الذي تراكم في أذهاننا ولم تعد تلك الأيام تتجلى قيمها في حياتنا...فلنرحل الى ذلك الزمان الذي لم يجعل للنسيان او لحياة العولمة أثرا في وضع قيمهُ على رف الحرية الشخصيه المكذوبة , تمثلت في رٌجل لا زال يقاوم العولمة مناديا[نحن هنااااا]...فالنبحر الى أعماق حياته قد يضحكنا تارة ونبكي تارة ونحب تارة ونشتاق تارة....
في بدايات عام 1960م الموافق 1381
نشأ طفلا لأسره متوسطة الحال يسكنون منطقه جبليه رائعة وخلابة في جنوب السعوديه ويتميز سكان هذه المدينه بالهدوء النفسي المتكيف مع الطبيعة وتميز أبنائها بعقول مستنيرة فهي مدينه تحب العلم من قديم الأزل...توجد هذه المدينه على ارتفاع كبير من سطح البحر الذي يصل الى أكثر من 2500م فنجدها منطقة جبليه معتدله في الصيف ودرجات الحرارة لا تتجاوز 30درجه مئوية وبارده شتاء وتصل الى صفر درجه مئوية في كثير من الاحيان...
_أبو مازن وين بشارتي..!
_قولي يا نوره وابشري بالخير...
_جاك ولد بألف صحة وسلامه وأختي بخير...
_اللهم لك الحمد وبشارتك ياخالة العيال واصله...
_أبغاها الحين ياأبو مازن..!
_وشلي تأمرين عليه...وأنا حاضر
_ما يأمر عليك ظالم..أبغى السماوه..!
تفاجأ ابو مازن من طلبها ولكن قال... _تم...!
_نوره ابو العيال خبرني بالسالفة ويقول أنك ما خبرتيه بأسم.. هونتي ولا إيش ؟ ترى أبطيتي
فأخذت نوره تهمس ببعض الكلمات وتقلبها على لسانها فقالت...
_طلال,,طلاااال,ناصر,نااااصر
_وش تهمسين به يا نوره ناويه تسمينه همس..
_أرياء يا مريم أنا أجرب الاسم على لساني وأشوف وش الأحلى
أرياء بمعنى أنتظري..!
_الظاهر أني جايبه كيكه...أقول عجلي وش رسيتي عليه...
كانت نوره الأخت الصغرى لأم ناصر وفرحت كثيرا بالهدف البطولي الذي سجلته بشباك أختها التي كانت تعاملها كالطفلة متجاهله بأنها قد بلغت ثمانية عشر من العمر
_يبه بروح أنام بيت عمي العيال عازمينا أنا وأخوي...
طبعا هذا ناصر قد بلغ من العمر أربع سنوات ومظاهر الرجولة تكون في سن مبكرة جدا في المجتمع السعودي في ذلك الوقت
_أنا كم مره أقولك مبات برى البيت مافيه؟! تبغاهم يجوون حياهم الله وغير كذا أنسى
وبالطبع لم يعتد ناصر على تنفيذ الأوامر بالاستسلام لها...
_يبه أنت ليش دايم تقول كذا؟! ترى موه دايم تمشي
_طرررررراق...
أصوات عاليه لا تبشر بخير...وغبار عم المكان
_أرجع يا ولد...خليني أعلمك كيف تراااددني؟!
لقد هرب من عقاب أبيه ووقف بأول الحارة ينتظر والدته التي تعمل كموجهه بأحدى مدارس الحي...
_مذابك يا ولد عمي؟..[بمعنى ماذا بك]
_أبوي عيا أجي معكم ومالي غير أمي تكلمه بنتظرها هنيه...[أي هنا]
_يا ناصر أدخل مذابك واقف هنيه..؟!
_يمه ماني بداخل وكلميني برى..!
_وش عندك أكيد متعارك مع أبوك مثل لعاده...
_قولي له أني بنام بيت عمي...
_طيب أفلح ويصير خير...[أي بمعنى أذهب]
في أحدى أركان البيت ظل أبو ناصر يسرح بفكره فهو أصبح مدركا بحجم التناقض الكبير بشخصيات أولاده أحدهما مطيع لا يناقش ولا يطالب بالأسباب والأخر عكس ذلك تماما...نعم كان لا بد أن يجد حلا أو مبررات ليقنع ناصر أو يرضخ أطماع أبنه لبعض الوقت...شهيق عميق وزفرة أعمق سمعتها أم ناصر من بعيد..فقالت:
_مذابك كل هذا لأني خليت ناصر يروح
فرد قائلا:
_وليش قد قلتلك أني زعلان, ليش هاذي أول مره مثلا؟!
_أنت عارف أنه صغير وما حبية أزعله,وأنا أدري بعادتك لا روح النهار جبته..!
كان لأبو ناصر منهجيه غريب نوعا ما في التربيه فكان من القواعد الأساسيه في تربيته هو عدم مشاركة الآخرين في تربية الأبناء وأخص بذلك مرحلة ما قبل الدراسة...!
_ياعيال اللي ينجح له اللي يبييه
رد مازن قائلا:
_أنا أبغى سيكل مثل ولد جارنا..
_تم, لك اللي تبيه..
تعجب مازن من موافقة والده على هذا الطلب فهذه ليست أول مره يطلب منه هذا الطلب ويواجه بالرفض دائما..فقال:_أوعدني بال هديه...
_خذها مني كلمة أرجال
_طب أوعدني...
_مازن كلمتي ما تملى عينك؟!
_حقك علي يبه...
وأنت ياناصر أشوفك ساكت ماهية بعادتك..ملائكة الرحمه أنزلة...
ابتسامه تخبأ ورائها دهاء غير عادي..فقال:
_أبغاك تصارعني وأكيد أنا أغلبك..!
ليس غريبا على هذا الولد الشقي الذي اجتمعت به صفات الاحترام والرجولة منذ الصغر...لقد أعتاد ابو ناصر على مصارعة أبناءه بفناء المنزل أو غيره فهو من وجهة نظره بأن من واجبات الأب المعلم..أن يكون معلما موفقا فيحرث بذوره في التربيه الأخلاقيه و لعقليه ولجسديه... حلت نهاية الأسبوع الدراسي الذي ينتظره أبناء هذه العائله بفارغ الصبر...وأخذ ناصر يتأنق ويفكر بالرحله وما خبأ له أبوه من مفاجئات...فنادى أبو ناصر قائلا...
_يا بناااااااااات أجهزوا...أنا في السيارة لا تتأخرون
نعم لقد أنجبت أم ناصر بنتان من بعد ناصر وفارق العمر ليس بكبير فكانت ضحى وهيا لهم الحظ الأوفر في حنان أبيهم الذي أجتمعت في كنفه كل العائله...
ردت ام ناصر قائله:
_أصبر لا تعجل على البنات لسى مخلصو لبس
أستغرب أبن الثانية عشر من العمر هذه اللهجة المخصوصه..فرك أذنه وأعتدل بقامته مالئ نفسه بالثقه وتسير به أقدامه نحو سيارة أبيه..فقال:
_يبه خواتي يتأخرون أقول أفلح معي وخلهم
_ليه يا ناصر هاذي النذاله تراهم خواتك..!
_يبه ما سمعت بالمثل اللي يقول من سبق لبق..!
_ألا سمعت به بس بلها وأشربها يالحبيب..وبعدين من اللي عزمك معانا..أصلا ليش جالس لو أدري أن موالك في روحتنا ما فتحت لك باب السيارة..أنجز وأطلع منها...
_ يعني بتروحو لحالكم من دوني..ولا حتى مازن وأمي؟!..
أصوات شغب وهت فات أنثاويه وأيدي ناعمه تجر قميص ناصر بلطف ويقولون:
_إيه لحاااالنا يا نصور.. [ أي بمعنى لوحدنا]
لقد أعتاد أبو ناصر على تصنيف الرحلات كالأتي..أحداها للأولاد,وأخرى للبنات,وأخرى لجميع العائله ولا بأس برحلات رومانسيه مع زوجته في بعض الأحيان.
وفي ركن أخر من حياة ناصر ينادي أبو ناصر قائلا:
_نااااااصر أفلح أنت وربعك للصلاة
لقد بلغ ناصر من العمر خمسة عشر عاما وأصبح من أصحاب العود والطبله التي جعلت من أسطوح البيت الذي يتكون من ملحق يصبح معسكرا للفرقة الفنيه المبتدأه..
_طيب يبه جااايين... كملوا يا عيال لسى ماأقامو..مذابك يا مازن خربت الحلقه كمل طبل وأنت ياكريم شغل العود وغني...
شكلت الفرقه حلقه دائريه وناصر يجلس بظهر الباب والمغني أمام الباب...
_أيووووه قلبي عليك زعلان.....أيووووووه عميييييي جاااااااااااا
لقد كمل كريم الغناء بلحن الخوف حتى كاد أن يدرك الجميع بأنه مقطع من الأغنيه بالطبع المكان يعم بالموسيقى المنسجمه مع صوت كريم الذي أكتفى بالغناء ليعبر عما رأااه أمام الباب فلم يرى هذا الشبح غيره...
_أقولكم صلاة وتقولوا عووود وبعد العود مافي قعود ياكريم..طررررررررررراخ
بالطبع الكل خذا نصيبه من العقاب ولكن الحظ الأوفر كان لصاحب العود الذي تلبس العود رأسه فأصبح ثوبا يزهو به..وعياره الى الممات...
_يمههههه وين الغداء تراني جوعان مرررره..
_يخسا الجوع ياحبيبي...بس غريبه مال لجوع عاده تهززك
_أنسرق مني المصروف...الله لا يوفقه..
_يا ولد لا تدعي عسى يكون محتاج بسك تحلطم وأنتظر أبوك وإخوانك..
_ألا سروقي..ربي يبليه بنفسه ياشيخه..
بعد أن استقرت الزلازل وبدأ شبح علي بابا يتلاشى من ذهنه.. حين فرغ من الغداء..ورفعت أمه الحصير وذهبن أخواته يساعدنها..وهو يغمض عينيه وعود السواك بين شفتيه..
فقال أبو ناصر:_ناصر أنت سقيت البهايم أمس مثل ما وصيتك.؟!
توقف السواك عن الرقص بين شفتيه..وأنثنى بجسمه حتى يجلس بعد أن كان مستلقيا ومودعا لكل الأنكاد..فنظر إلا أخيه نظرة الرجاء الأخير متلهفا إلا المعونة الألهيه التي تنقذه من الموقف...فرد قائلا:
_إيه لا إيه لا..
_وش تقول يا ولد؟
فعانقت عيناه أعين أخيه..فقال:
_إيه يبه سقيت البهايم وإذا مش مصدق أسأل اخوي
_حسبي عليك من أخو وش شايفني درع...وش أرقع له ألحين
أسر مازن بهذه الكلمات في نفسه ثم رد على أبيه قائلا:
_إيه يبه شفته يسقي الغنم وأنا حبية أساعده وسقيت الهيشه والسحيل..[أي البقره الكبيره والصغيرة]
_أكيييد أخر كلام تقولونه..يعني سقيتم؟!..
فاردو قائلين : _أييييييه يبه!
والحقيقة أنتم تعرفونها طبعا..لقد دهش أبو ناصر من حال البهائم العطشه في اليوم التالي من اعتماده على ناصر بسقاية البهائم..ثم نظر الى الخزان ولم يجد قطرة ماء..لقد أشرك ألأب أبنائه بالاهتمام بالحلال والمز رعه ومن أهم الأعمال اليوميه هي سقاية البهائم ومن أهم الأعمال ألأسبوعيه جلب الماء من الطرف الأخر من القريه الذي يفصل بينهم طريق بري صعب قليلا...بمعنى أن أبناء هذه القريه يتعلمون قيادة السيارة في سن مبكر نوعا ما في ذلك الوقت...
وفي أحدى أيام الشتاء تتبع أبو ناصر أثر أبنه عندما ذهب ليجلب الماء من العين الموازي للقرية..عاد ناصر وخرج من السيارة و فتح باب الخشبي للمزرعة ليدخل السيارة ويعبأ الخزان... أسر أبو ناصر في نفسه قائلا:
_الظاهر أنه وصل عساه ما لمحني؟!
يسير بقدمين ترتعد من هذا الشتاء القارص...وبحركة حفيفه أخرج السيارة من المزرعة ثم...
_يبه يبه وش تسوي؟!وليه ماخذ السيارة وحاط العنك على الباب [أي قفل الباب]
_ياوليدي سلي البهايم مشتاقين لك حييييل..مشي ألاعيبك على غيري ياناصر..
_يبه برد وأنا ماني لابس دفى خلك رحوووم...
_ياولد خلي الخرفان تدفيك وخلي الكذب ينفعك ..!
_يبه يبه يبه
فأجاب قائلا من بعيد...
_تمسي على خير.
مرت ثلاث الساعات الأولى بصعوبة شديده في ذلك الشتاء وأخص بالذكر تلك المنطقه الجنوبيه من السعوديه..!
_أبو ناصر خيم الليل وناصر ما رجع؟!
_أييه نسيت أقولك خبرني أن عمه عزم عليه يبات عنده الليله وأنا سمحة
_معقوووول أكيد تمزح..يا ثقل دمك..!
_وليه ما تصدقي؟َ!...
_وش بلاك يارجال تغيرت هرجتك بعد كل هالسنين..
فأخذ يتمتم بلسانه فقال: _إذا أعمامه بهايم أنا موافق..؟
_وش تقول...؟!
_أقصد زمان أول تحول هههها العيال غدو رجاجيل وصعبه نحكرهم...[غدو بمعنى أصبحو]
وأما ناصر ظل يحاول جاهدا أيجاد أي منفذ للخروج من المزرعه حتى يحظى بالدفء والطعام...ولكن لا فائده...
_من هنا مافيه مخرج من هناك مافيه..أحاول أنام أحسن.!
ولم ينسى الأب الحنون أن له أبن قد يموت من شدة البرد..فأخذ ينسحب من فراشه بهدوء حتى لا يوقض زوجته..ثم ذهب الى المزرعة وأيقض ناصر من نومه وظلوا يسيروا طوال الوقت بصمت غريب جدا..وعند العوده شعرت أم ناصر بعودتهم فأسرت في نفسها وقالت:
_أنا قايله مراح يخليه يبات عند عمه ولو حلق شنبه..!
أشرقت شمس اليوم التالي ولا زال الصمت يعبئ بناصر الى عالم بعيد يذكره بأنه أخطئ وما حدث له ليس سوى موقف بسيط وفكره ترسم قسوتها في نفسه حتى لا ينسى بأنه يجب أن يتعلم تحمل المسؤليه منذ الصغر حتى لا يكون عاله على نفسه وعائلته عندما يكبر...ولكن هل سيمرر ناصر هذا الموقف بسلام...؟!
_يمه أنا جوعان وأخواني موجودين غرفي لنا الغداء...
_يا ولد أبوك ما جاء أصبر تراه قريب...
خطوات ثابته وهادئه وعين تتربص أمه وهي تخرج من المطبخ..تسير بلحن الشوق والانتظار لزوجها العزيز..نعم أنها تحبه كثيرا بل تعشقه..سر عجيب جعل من هذا الحب دفئ يعم أرجاء البيت بالحنان والطمئنينه...ويسكب عطر المودة وروح التعاون بين الأبناء...
_مااازن...تعال شيل القدر..ضحى افرشي الحصير...
_ناصر أستنى أبوي ولا بعلم أمي...
_هياوي يالخبله علمي وتشوفييين..
_يميمييممم..
_بس أسكتيي..هياوي تبغين أعطيك من الحلو اللي في دولابي؟
_أيوه...
_أجل لا تفتنيين ولك اللي تبينه..
_ماني فاتنه عليك بس العلبه كلها لي...
_ياالدبه كلهههه..
_تعطيني ولااااا..
_خذيها خذيها...
كبت غضبه في نفسه وقال:_أخلص من أبوي وجايك الدور يالدبه..!
نظره مبتسمه تصيب سهامها أعين أخوته..فقال:
_هجوم ياعيال لا تبقون في القدر شي..
باب البيت يفتح وأم ناصر تترصد خطوات زوجها التي تقترب نحو باب غرفتها...
_ السلام عليكم...
_وعليكم السلام...
نظرة من عيناه تسحر هذه المرأة العاشقه..هناك سرا تخبئه في صميم قلبها ويفضح به عيناها... _أنا أحب هذا الرجل..!
كلمات أسر به قلبها عندما دخل من الباب..إنها ترى بملامحه هيبة رجل يسعى إلا إسعادها..ويتحاشى تكدير حياتها..عيناه الممزوجتان بالعسل تشعرها ببهجة الحياة..وشعره الذي يتهاوى من الغتره أصبح ملتصقا بوجهه, يملئ لونه سواد الليل الذي أصبح رفيق درب أناملها...
_حبيبي مذابك تأخرت على العيال...
_على العيال بس...!
_وعلى أمهم يانظر عيني...
نهضت من الكرسي الذي أبحر بها أمام المرأه التي ظلت تتغنى بجمال صاحبتها..وتنظر اليها وهي ترسم خطوط الكحل على جفن الحب وأحمر الشفاه على شفتاها الممزوجة بشهد الحياة...تمشي بخطوات يملئها الحياء وتطبع قبلة الحب على جبين حبيبها...سكون عانق الوقت للحظات ثم قالت:
_أغرف لك الغداء؟ العيال ملو وهم ينتظرون...
_أغرفيه, اخذ شطفه سريعه وجاي...
حسنا ذهبت أم ناصر الى المطبخ حتى تسترضي جوع أفراد عائلتها...
_وش ذا العيش اللي منثور,وليه المطبخ مكركب,لااااا ما أصدق...
بخطوة سريعه تخبأ في نفسها رجاءا بأن لا تكون في وضع محرج أمام زوجها...!
_مافي شي في القدر يااااالله صلاح لعطا,وش ذي التوهيقه,وش أقول لأبو العيال..مساكين العيال مقدرو يصبرون!..
وبحركه سريعه حاولت أن تسعف الموقف..فجهزت بعض الطعام السريع...
_أبو ناصر أنجز تراني جهزت الغداء...
_وليه جايبته الغرفه...ياحرمه وين الغداء..
_نعمة الله يارجال العيال ماصبرو وقضوا على اللي في القدر كله..
أنتاب لأبو ناصر أحساس غريب ببعض الغدر الذي أعتادها من أولاده..فقال:
_عليهم بالعافية..ومصير الحقيقه تبان..
أسدل الليل ستاره وتجمعت العائله على طعام العشاء..وأصبح الجميع يتحدثون إلا أبيهم ويخبرونه بأهم مستجدات روتينهم اليومي مثل العادة..ولكن أحدهم أنهمك في تناول الطعام وكأنه غير مبالي بالحضور...
_الحمد لله..يسلم يدك يامي..والله أن غداك وعشاك ما يتطوف...يبه وش رايك بغداء اليوم..؟!
أستطاع أن يكتم أبو ناصر غيظه للحظات فقال:
_وصل العلم يالحبيب...
_يبه مالي شغل هذا ناصر اللييييي ...
_هياوي ما عليه خليه علي..!
_أن الأيام بيننا يا بايّيي...
وكأس يلوح بالأفق يترصد ناصر ولكن نجا منها...
_إحساسي ما يخيب والله داري أنه ماراح يعديها بس كنت محتار كيف بتجيني الطعه...والله ينخاف من ولدك لا صار ساكت...
_وش تقصد ياأبوناصر...؟!
_هااا لا ولا شئ..بس الظاهر أن عمه مشيشه علي..!
_والله ما يندرا عنكم بس الله وكيلكم...
ذهبوا أفراد العائله الى النوم وأستلقى ناصر على فراشه ينظر الى السقف وأستلقى مازن بجانبه وقال _ناصر فيك نوم؟!.
_ ليش تسأل؟!
_ماني قادر أنام...كلام صديقنا عليان ماراح من بالي طول اليوم..
_ليه وش قال؟
_يقول إنه سمع أصواتً غريبة تناديه من البيت المهجور اللي جنب بيتهم...
_ وش سمع؟...
_يقول تناديه بأسمه ثم طلب مني أروح معه..وأنا قلتله أفكر وأرد عليك بكره...
_وأنت خااااااااايف صح؟!
_وشلي يخوفني بيت مهجور وهو يتوهم أكيد..!
_إلااااااا خرفن عليك وأنت صدقته...
_خليت الخرفنه لك..ورينا الشجاعه ياسوبرمان..
أبن السادسة عشر يضع نفسه في موقف لا يحسد عليه أمام أخيه والخوف يمتص الكثير من دمه وكان يتحاشى منذ فتره التحدث مع أخيه بهذا الموضوع الذي أصبح حديثا يدور بين زملاء فصله في المرحله الثانوية...فرد قائلا:
_نروح مع خوينا نهاية الدوام وأنا أعلمك من اللي يخرفن...
عم السكون أرجاء المكان وكان من عادة أبو ناصر الاطمئنان على أولاده قبل النوم وعندما أراد فتح باب حجرة أولاده سمع الحديث اللي دار بينهم بالمصادفة...تثاقل النوم على جفن مازن وأصبح الخيال يذهب بناصر الى البعيد..أشرقت شمس يوم الأربعاء,وأخذت أم ناصر بالشروع الى الحرب التي تشتعل نيرانها كل صباح دراسي مع الذي يتكاسل والذي يبحث عن أي عذر لعدم الذهاب الى المدرسه وبين الذي لا يتناول طعام الفطور...الله يجازيك ياأم ناصر..
_أفلح يا ناصر..!
_ناصر أمي تناديك..!
_قول لها أني ماني برايح بطني يوجعني حيييل...
_يا ولد قوم وخلي العياره...
حسنا أنتم تعرفون السبب الحقيقي ولكن هل يعلمها أبو ناصر..؟!
لم يذهب ناصر الى المدرسه وأنتهى اليوم الدراسي الذي قضاه مع العود..أنه يحب هذه الأله الموسيقيه كثيرا فهو ماهر فيه ومبدع..أنه يحتضن هذه الأله منذ الثانية عشر من عمره علمته الأماني أن يجيد العزف عليها أكثر,لقد رسم بين أسلاكها المستقبل وبلحنها أصوات السعاده الذي يتمنى أن تهديه إياه الحياة بدون كدر..يحتضنها كالطفل الذي يهرب من الضياع ويرجو من صاحبه أن يتمسك به ويحلم معه بل يتسامرون ويضحكون ولكنهم لم يعرفوا مرارة الهموم بعد...
_أم ناصر زٌوارة الخميس هاذي المره عند أمي..جهزي عيالك ولا تأخرينا الدرب طويل..
نعم لقد اعتادت هذه الأسره على الاجتماع بعائلتهم كل خميس..لقد تزوج ابو ناصر من أبنت عمه وهذه من أهم الأسباب التي تجعل من هذه العائله شجره قويه ثابتة في أرض الجنوب ممسكه بأغصانها وتمد بفروعها لمن أراد الابتعاد,أنها لا تنسى أبنائها..الجد والجدة,الأعمام والعمات الأخوال والخالات,الأبناء والأحفاد تلك الفروع الممتدة ألا السماء تتباهى بهم هذه الشجره,أرض الجنوب تحب أشجارها,وأشجارها لا تنسى قط أبنائها...فهل يأتي زمان ينساها؟!!
_ناصر خليك في السيارة أنت وأخوك لا تنزلون..أم ناصر خذي البنات.. ساعه وجايكم..!
_على وين ياأبو ناصر؟!
-راجعين مشوار قريب وماني متأخر..
أوجس ناصر في نفسه بعض الدهشة وأصبح يراجع الدفاتر القديمه حتى لا يفاجأ بشي لم يحسب له حسابا...يوجد بيت العائله في قرية المجاوره يفصل بينهم مسافة بريه وعره,تكثر بها الثعالب والذئاب ليلا..!
_ياعيال سمعوني دعاء المساء,ودعاء الخوف,ودعاء الضرر
_ليش يبه معقول مش حافظها؟!
_أنا ناسيها ذكروني فيها ولا يكثر..
لقد أعادو عليه الذكر مرات كثيره حسب طلبه,ثم أخذو يتسامرون أطراف الحديث وعلامات الاستفهام تملئ وجه ناصر تقول,إلا أين يا أبي؟!!حسنا أعتذر أظني قد أخذت دور البطل..لقد أوقف أبو ناصر السيارة فجأة وقال:
_السيارة شكلها بنشرة ياعيال شوفوها من وراء
خرجوا ليتأكدوا من حالة السيارة,وما هي إلا ثواني وقد تحركت السيارة المعطله ورمى أبيهم محفظه كبيره نوعا ما على الأرض...
_يبه يبه يبه...أبوي أفلح ياناصر ليش سوى كذا؟!!!..
_لا تستغرب من أبوي شئ أكيد أنت سويت شي..بس أنا وش ذنبي؟!..ما أخبر أني مقلبته هالفتره صاير معاه مسالم كثر ماأقدر..
_لاتحطها في راسي..أنا بعد ماسويت شئ...
_أقول خل عني الفلسفة الحين..قولي وش نسوي..
_لازم نرجع البيت والطريق حنا نعرفه بس الدنيا ليل..
_شوف الرحوم وش معطينا..
_أفتحها يا ناصر شوف وش فيها..
_هذا كشاف وهذا مويه وهذا سلاح..
_سلااااح...وليه السلاح..
_الظاهر أنك نسيت إنا في البر والثعالب والذيابه يكثرون...
الخوف وعلامات الاستفهام تملئ قلوبهم وعقولهم وترسم للمجهول أشد الألم...سير طويل وأصوات الحيوانات الجائعة...يتدافعون يعظهم على قلب واحد للسير في الطريق, مرت أربع ساعات ولم يجدوا أي سيارة تمر من البعيد مسرعي الخطى نحو القرية..ولم يعرفوا أن هذه البريه ستنقش على جدران قلوبهم الثقة بالله وتحمل الصعاب وعدم الخوف من المجهول..لقد عادوا الى البيت بسلام وعانقوا الأمان في أحظان أسرتهم وهم على ثقة بأن أباهم معلم جليل لا يسخى بأبنائه ولكنه ذلك المعلم الذي يجعل من الحبر خطا يكتب به السطور وتخلد به الحروف...
وسنودع الطفولة والصبا الى لقاء أخر في الفصل الثاني من الرواية...
| |