ومضى من عمر الزمن عام، وقبله مضت أعوام. وانقضت من عمر الإنسان ليالي وأيام، تلتها أيام وأزمان.
وفي ذلك عبرة وفكرة وذكرى(لمن كان له قلب وألقى السمع وهو شهيد) سورة ق 37
والعبرة: في استقراء العام المنصرم بأحداثه، وما مضى في تاريخه، وصفحات إنجازاته وإخفاقاته.
وفكرة: لمن تأمل حال نفسه وتبصر عملها، وحاسبها وقوى فيها ما ينمي ثرواتها الروحية. وسقاها علما ونهجا حتى ترتوي وتهتدي.
وذكرى: لمن نظر في حال أمته الإسلامية. وبنى لها عزها ومجدها. والذود عن حماها، ورفعة شأنها كما كانت في سابق عهدها (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ) حديث صحيح، رواه أبوداود وصححه العلماء.
وكل ذلك ببناء النفس أولاً، ثم المضي بها قدما إلى جادة الصواب، لبلوغ المرام.
المتأمل في قوله تعالى (يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار) سورة النور 44. يدرك أن في تعاقب الليل والنهار، وانقضاء الدهور والأعمار موعظة.!! وكيف تسير بنا رحلة الحياة الدنيا وتنطوي أعوامها سريعا، ونحن معها كصنفين من البشر. إما كحال المبصر طريقه في خطوط مستقيمة واثقة متيقظة. أو كالذي تعرجت به المسارات، وظل متخبطا يبحث في حلكة الظلام طريقه.
وبين هذين الطريقين إما نتقدم أو نتأخر.
ولا أحكم عقلا وأعلم، ممن تتبع سيرة المصطفى صلوات الله عليه وصحبه. ومبادرتهم للعمل بروح مؤمنة. عرفت كيف تحفظ العمر والوقت، حتى أن أحدهم يبسط يده المباركة ليبايع الرسول صلى الله عليه وسلم على الشهادة، لا يبايعه على غيرها، وهو يستشعر أن هذه البيعة هي العمل لدين الله. فيبذل لذلك وقته وجهده وما أوتي من قوته. وهكذا كانوا، حتى خلفوا بسيرتهم، ميراث أمة أُسست لها دعائم من الشرف والتمكين... قائمة في العالمين.
إن في انتهاء الأعوام وتصرمها، تذكير وليس تخصيص بعبادة أو توبة أو إحياء بدعة، إنما للتواصي على الخير، وبذل الخير، من مبادرين غير مفرطين، ولا مسوفين، نرغب فيما هناك. في نعيم وروضة زاهرة. في جنة ثمارها نضرة.
يقول أحد السلف: "مثلتُ نفسي في الجنة آكل من ثمارها، واشرب من أنهارها وأعانق أبكارها، ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، تحيطني سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: أي شيء تريدين؟".
قالت: أريد أن أعود إلى الدنيا فأعمل فيها. قلت: فأنت فيها فاعملي.
ومن العمل في الحياة الدنيا، أن نحيا بمشاعر إيجابية، وإلى تغيير فعال، نطبع به بصمات واضحة.. من العبادات والمعاملات.. ونشرق بها حتى نصل إلى قمم توصلنا الجنان.
ومضة
كن كسحائب المطر، تتعانق وتتصافح، لتنثر عبق خيرها على بساط الدنيا