لعل أهم ما تعاني منه المرأة المطلقة هو نظرة المجتمع إليها، وكأنما المرأة المطلقة مخلوق آخر أو شاذ لا يمكن التعامل أو التعاطي معه، وبالقدر الذي تناله المرأة المتزوجة من احترام وتقدير من المجتمع بصغيره وكبيره ورجله وأنثاه، تختلف النظرة إلى المرأة المطلقة وتتراوح بين نظرة الشفقة والنظرة السلبية التي تسيء لها أخلاقيا أحيانا، وكأن الطريق الوحيد أمام المرأة المطلقة لمتابعة حياتها هو العمل في بيع جسدها، وأحيانا أخرى تكون هذه النظرة السلبية اجتماعية تعتبرها مقصرة أو مهملة بحق بيتها وزوجها وغيره من أسباب الطلاق، متناسيا «المجتمع» أن الرجل أيضا أحد أقطاب الحياة الزوجية، وأنه قد يكون أحد أسباب الطلاق، وتتعدى النظرات هذا لتصل إلى نظرة الاستهزاء والسخرية من المرأة المطلقة، لتصل الأمور بهذا الإنسان إلى الانطواء على نفسه واختيار الحياة التي لا تتجاوز حدودها العمل والمنزل والأهل والأطفال، وأمام هذا كله تطرح أسئلة كثيرة نفسها باحثة عن إجابة، لماذا هذه النظرة الدونية اتجاه المرأة المطلقة، ولماذا التفريق بين امرأة مطلقة وأخرى، وكيف تقدم المرأة المطلقة نفسها للمجتمع، والأهم من هذا وذاك يجب أن نسأل عن الأسباب والظروف التي أودت بالحياة الزوجية لهذه المرأة إلى الطلاق؟ وإن كانت هي السبب فقد نالت عقابها، أما إن كان زوجها السبب يجب أن نبحث عن الأسباب التي دفعت المرأة إلى طلب الطلاق من زوجها، وبالتالي تفصل الشراكة على الحياة فيما بينهما؟ الحاجة للرجل يقول المثل الشعبى المصري الذي تتداوله النساء «ظل راجل ولا ظل حيطة»، وهذا ما يدل على أن المرأة في كثير من الأحيان ترضى بمر الحياة الزوجية مقابل أن تبقى على اسم زوجها، وألا تسمى مطلقة، ولكن الإحصائيات تناقض هذا المثل وتقول بأن المرأة تقبل على طلب الطلاق أكثر من الرجل، وبذلك فهي تتنازل عن كامل حقوقها، بل وعلى استعداد لتقديم كل ما يطلب الزوج للحصول على الطلاق، رغم إيمانها بالمثل الشعبي ومعرفتها بأن «أبغض الحلال عند الله الطلاق» وفي البحث عن الأسباب نرى أن أولها: اولا العقم في كثير من الأحيان بسبب عدم تظلم المراة قدرتها علي الإنجاب، وهي مشيئة ربانية، فيقوم الزوج بالزواج من أخرى، أو يطلقها لهذا السبب الذي يحفر قلبها قبل وأكثر من قلبه، ولكن ماذا لو قلبت الصورة؟؟!! وتبين أن الرجل عقيم، وأن المرأة سليمة تماما، وهذا ما يعتبر مشكلة أساسية لدى المرأة فإن صبرت على مرض زوجها قد لا ترى ضناها طوال عمرها، وإن طلبت الطلاق متنازلة عن حقوقها وملبية طلبات زوجها، ستقع بين أنياب المجتمع التي لا ترحم وستأخذ بالتهام سمعتها، وستكون المرأة أمام خيارين أحلاهما مر، وفي هذه الحالة كثيرات من يفضلن الطلاق والوقوع بين أنياب المجتمع على البقاء دون أولاد. تحمل المسؤوليات ثانيا لأ يختلف اثنان علي أن تبنى بتعاون جميل الاسره ورائع بين الرجل والمرأة، فبقوم كل طرف بما عليه من واجبات اتجاه الطرف الأخر، فإذا استمرت علاقة التعاون بهذا الجمال فسنجد بنيانا متماسكا، أما إذا اختل ميزان التعاون وبدأ كل طرف يرمي بالحمل على الطرف الأخر، فما الحل؟ وهذا في الحال الطبيعية، أما إذا اختل ميزان التعاون متثاقلا باتجاه المرأة، وتنكر الرجل لالتزاماته، فمن الطبيعي أن يقع على عاتق المرأة المهام المنزلية والأسرية، وأيضا ربما تكون عاملة وتساهم في المصاريف المنزلية، وفي المقابل يقوم الرجل بكل ما عليه من التزامات وواجبات اتجاه بيته وأسرته وزوجته، أما أن يتنازل الرجل عن واجباته ويطالب بأكثر من حقوقه فهذا أمر غير طبيعي، وعندها لا بد أن تتثاقل كفه ميزان التعاون باتجاه المرأة، ويصبح عليها الحمل الأكبر، وقد تصبر وتصبر وتصبر وتصبر محاولة بالحوار والنقاش إعادة توازن كفتي الميزان، ولكن لم تجد نتيجة من صبرها ومحاولاتها، ويبدأ صبرها ينفذ، فهل أمامها حل سوى أن تصرخ طالبة الطلاق ومتنازلة عن جميع حقوقها في سبيل الخروج من هذا الجحيم .... تدخل الأهل كل فتاة تحلم بفارس أحلامها الذي تعتقد بأنه سيأتي علي حصانه الأبيض ليحملها بعيدا حيث المملكة التي أعدها معها ليعيش فيها وحدها، ولكن علماء النفس البشرية يضعون هذا الحلم تحت قائمة أحلام اليقظة التي يستحيل أن تتحقق، وتتأكد الفتاة من كلام العلماء عندما تنتهي فترة الخطوبة التي تتمتع بها بكل غنج ودلال، وتدخل عش الزوجية الذي يفترض أن يكون أبديا، وما إن ينتهي شهر العسل حتى يليه البصل «كما يقال» عندها تكتشف الفتاة بأن زوجها غير قادر على حماية استقلاليتها، أو حتى حماية استقلالية العلاقة بينهما، وتكتشف الزوجة بأن زوجها طالب مجتهد ينفذ بدقة شديدة تعليمات أهله حتى في طريقة الكلام معها، وهنا تنهار المملكة التي بنيت في الأحلام، ليحل مكانها أحيانا اليأس والندم وأحيانا أخرى غير ذلك من حقد وكره، وإن ضاقت الدنيا بها فلن تجد إلا كلمة «طلقني» للخلاص من نار اعتقدتها جنة . الباب الأخير من المؤكد أن هناك أسباب كثيرة أخرى كالخيانة والإدمان وغيرها التي تعتبر حالات لأ عامة ولم نجد داع لتفصيلها، ووجدنا من الأنسب أن نبحث في ظاهرة «الطلاق من أجل الانطلاق» فغالبا ما نرى المرأة المتزوجة منهمكة بالعمل سواء داخل المنزل أو خارجه متناسية كل أمور الحياة الأخرى، ومبحرة في الهموم الزوجية، حتى تسد جميع الأبواب في وجهها، ولا تجد بابا تستطيع فتحه إلا باب التنازل عن الحياة الزوجية، فتطلب الطلاق لتنسى الأعباء التي كانت على عاتقها، وتعود لأمور الحياة الأخرى، حيث نراها بعد حصولها على الطلاق الذي غالبا ما يكون باهظ الثمن، مهتمة بأمور لم نتخيل يوما أنها قد تهتم بها مثل «الموضة - أخر ابتكارات المكياج - الأغاني الشبابية - مواقع الدردشة الالكترونية» وهذه الحالة ما يطلق عليها في علم النفس «المراهقة المتأخرة» أو «أزمة منتصف العمر»، ويرى علم النفس أن الاهتمامات لا توجد إلا عند المرأة التي تجاوزت العقد الرابع من عمرها، أي ما يطلقون عليه «سن اليأس»، ويعود السبب في هذه التسمية إلى عدم قدرة غالبية النساء على الإنجاب بعد هذا العمر، وتعتبر المرأة نفسها أنها قد فتحت صفحة جديدة من حياتها، إلا أن علم النفس يحذر من مخاطرة هذه المرحلة التي تكون فيها غير قادرة على مواجهة أي كلمة دافئة توجه لها، ويرى علماء النفس البشرية أن الحل الوقائي من هذا الخطر يكمن في تسلح المرأة بالوعي لما يسيطر عليها من هواجس، وغالبا لا تعي المرأة ما يحدث معها إلا بعد أن تكون قد وقعت الفأس في الرأس، فتصحوا على واقعها بأنها مطلقة ومرفوضة من النساء قبل الرجال. مجابهة الواقع تعي المراة المطلقة واقعها الجديد ومحاولة الناس الابتعاد عنها، وفي هذه المرحلة بالذات تبدأ بمجابهة هذا الواقع، فلا تجد إلا العمل لتأمين حياتها وقوت يومها وكسب احترام الآخرين، إلا أنها تصطدم بأن المهن التي تناسبها قليلة أو قليلة الأجر، فتأخذ من المثل الشعبي « من رضي عاش »شعارا لها في الحياة وتقبل بالعمل، وما إن يعلم رب العمل بأن موظفته الجديدة مطلقة حتى ينكمش قلبه خوفا منها ومما تخفي خلفها، ولكن تبقى أبسط من وجهة نظر ربة العمل إن كانت امرأة، فالرجل صاحب العمل قد يكون لديه مشكلة، أو قد يقبل بها لأسباب عديدة «خبرتها - الشفقة». وغيرها، أما ربة العمل فغالبا لن تقبل بامرأة مطلقة في عملها مهما كانت أسباب طلاقها الكيل بمكيالين بعد أن تجابه المراة المطلقة بما يخص العمل واقعها، تنتقل إلى المعركة الأخرى لتجابه المجتمع، وفي المجتمع الأمر أشد غرابة، فالمرأة تتنازل عن صديقتها إذا طلقت مهما كان مستوى ونوعية العلاقة بينهما، وفي الوقت ذاته فالأم أو الأخت أول من يقف في وجه الابن أو الأخ الذي يريد الارتباط بامرأة مطلقة، وهنا الاختلاف المدهش والكيل بمكيالين، فإن كان نصيب الابنة الطلاق فالأم والأخت أول من يبحث لها عن زوج ويدفعانها للتنازل عن أبسط حقوقها أمام طلب السترة، والأب كذلك والأخ مثلهم، أما إن طلب الابن الزواج من امرأة مطلقة فسيثور بركان غضب الأب والأخ والأم والأخت وقد يصل بهم الغضب إلى التهديد بالمقاطعة و ....... و ..... التصالح مع الذات تبقى المراة المطلقة ضحية لذنب قد تكون ليست من اقترفه، وتبدأ بالمكابرة نهارا وعلنا وبالبكاء والحسرة ليلا وسرا، حتى يصل بها الأمر إلى التصالح مع ذاتها وتعتبره أمرا طبيعيا وتصبح تقول بملء صوتها «عفوا أنا مطلقة»، وقد اكتسبت النساء المطلقات هذه الخبرة من قوائم السير الذاتية التي يقدمها طالب العمل، فأصبحت تعتذر قبل أن تسأل:؟ «عفوا أنا مطلقة» هل لديكم عمل لي، وقد تتخذ المرأة المطلقة هذا الأسلوب انطلاقا من المقولة المعروفة «الهجوم خير وسيلة للدفاع» وفي أحيان كثيرة { كما قالت عدة مطلقات} تواجه الجواب الإيجابي من المجتمع عندما يقول: «عفوا مدام، حياتك الشخصية لا تعنينا» وهذا هو عكس الموقف الذي يأخذه المجتمع إن اكتشف أن المرأة التي تعيش داخله مطلقة، وقد يعتبرها غاشة وكاذبة، وقد حدث هذا كثيرا حتى دفع الكثيرات إلى إخفاء قصص طلاقهن وادعائهن بأنهن أرامل إن كان لديهن أولاد، أو عازبات إن لم يكن لديهن أولاد، وطبعا هذا كله بعد تغير المجتمع الذي تعيش فيه المرأة المطلقة. ببطء السلحفاة وصحيح أن المجتمع يتطور ببطء السلحفاة الأ أنه يتطور، وأصبح ولو بشكل قليل لا يعتبر المرأة المطلقة عار أو ......... أو ........، وتبقى المرأة سواء أكانت متزوجة أو مطلقة مالكة للأحاسيس والعواطف ولو طلقت، ولا يجب أن نلتهم لحمها مهما كانت أسباب طلاقها، بل يجب أن نقدم لها يد المساعدة للخروج من مأزق الطلاق الذي وقعت فيه مرغمة. م ن ق و ل |
|
|