إن الله -جل وعلا- له الأسماء الحسنى والصفات العلى
ومن أسمائه الحسنى اسما
"الرحمن الرحيم"
وهما اسمان كريمان ؛ بلغا غاية في الحسن والجمال والجلال ..
وقد تضمن هذان الاسمان الجليلان الكريمان صفة
"الرحمة"
الخاصة والعامة لجميع الخلق وبدون استثناء ؛
حيث دلت الأدلة الصحيحة على صفة الرحمة التي لا نقص فيها بوجه من الوجوه لله تعالى.
فمن الأدلة على ذلك قوله تعالى:
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
[الزمر:53]،
وقال تعالى:
﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
[الأعراف:156]،
وقال تعالى:
﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحجر:49]،
وقال تعالى:
﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا
رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ [غافر: 7]،
وقال تعالى:
﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة:163].
فهذه الآيات الكريمات من كلام الله تعالى
دلت دلالة واضحة على اتصافه -سبحانه وتعالى- بصفة الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء.
وهذه الرحمة العظيمة لله تعالى بادية للعيان في مخلوقاته؛ وآثارها ظاهرة في بديع آياته.
فمن آثار هذه الرحمة:
· رحمة الخلائق فيما بينها ؛ فهذه الرحمة من خلق الله تعالى؛
فقد روى البخاري في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال:
(قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَبْتَغِي،
إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَ أَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟
قُلنَا: لَا وَاللهِ، وَهِي تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا).
· ومن رحمته تعالى وعظم سعتها أن الرحمة التي يتراحم بها الخلائق في هذه الحياة هي جزء واحد من مائة جزء؛
يؤكد ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
(جعل الله الرحمة في مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءًا، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا،
فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق، حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه).
· ومن آثار رحمته تعالى إحياؤه للموتى حيث أوجدهم بعد أن لم يكونوا شيئًا مذكورًا ؛
وإحياؤه للأرض الميتة بإنزال المطر عليها كما قال تعالى:
﴿ فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الروم:50]، وقال تعالى:
﴿ وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28].
· ومن آثار رحمته في خلقه إيجاده و خلقه لليل والنهار ليسكن فيهما العباد؛ ويقضوا فيهما معايشهم؛
وتستقيم بهما حياتهم، حيث قال تعالى:
﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ
فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [القصص:73].
· ومن أعظم آثار رحمته تعالى في خلقه أن أرسل لهم رسله ؛
وأنزل عليهم كتبه؛ ليعبدوه ويوحدوه على صراط مستقيم؛ ومن ذلك
بعثة النبي الكريم محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ حيث كانت بعثته رحمة للخلق أجمعين؛ كما قال تعالى:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].
قال العلامة ابن القيّم -رحمه الله تعالى- في كلام نفيس له وهو يتكلم عن آثار رحمة الله
«... من رحمة الله -عز وجل- أحوج يعني سخرالخلق بعضهم إلى بعض، لتتم مصالحهم،
ولو أغنى بعضهم عن بعض، لتعطلت مصالحهم، وانحل نظامهم، وكان من تمام رحمته بهم أن جعل فيهم الغني والفقير،
والعزيز والذليل، والعاجز والقادر، والراعي والمرعى، ثم أفقر الجميع إليه، ثم عم الجميع برحمته.
وتأمل قوله تعالى:
﴿ الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ﴾ [الرحمن: 1-4]
كيف جعل الخلق والتعليم ناشئًا عن صفة الرحمة متعلقًا باسم الرحمن...» إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى.
وخلاصة القول:
إن آثار رحمة الله تعالى لا يمكن حصرها وعدها ؛
لأنها تتمثل وتظهر في كل ذرة وسكنة في هذا الكون ..
وآفر التحايا و عميق الود