الوسواس القهري
يصنف الوسواسالقهري obsessive-compulsive disorder (OCD) كواحد من مجموعة الأمراض العصابية، ويتصف بوجود فكرة متسلطة وسلوك جبري يحاصر المريض ويلازمه بحيث لا يستطيع مقاومته ويصاب بالقلق والتوتر والألم كما لو كان الأمر مسألة حياة أو موت إذا ما حاول استبعاد الفكرة أو عدم الإتيان بها، ذلك على الرغم من اقتناعه بأنه سلوك خاطئ وغير طبيعي. وقد يعتقد المصابون بالمرض أن هذه الوساوس هي نتيجة ضعف بالشخصية أو أنها من عمل الشيطان أو الجن أو أنها تكون بسبب حالة نفسية طارئة، فيتسبب هذا الاعتقاد الخاطئ في زيادة حدة المرض.
تحدث الإصابة بعصاب الوسواسالقهري خلال مرحلة الطفولة وعادة في سن مبكرة، قبل بلوغ العشرين، بما نسبته نحو 65 في المائة من المرضى، ويتساوى الذكور والإناث في نسبة الإصابة.
وعادة ما يتأخر تشخيص هذا المرض وتلقي العلاج الفعلي مما يتسبب في مزيد من المعاناة المرتبطة بمرض الوسواسالقهري وحدوث المضاعفات الأخرى مثل الاكتئاب أو المشكلات التي تحدث في الحياة العملية والزوجية
ويكون سبب ذلك جهل المريض بأعراض المرض إضافة إلى عدم ذهابه في بداية الأمر إلى الطبيب المتخصص في هذا المجال وتنقله بين أطباء التخصصات الأخرى الذين لا يعرف الكثير منهم أعراض الوسواسالقهري أو قد يكونون غير مدربين على تقديم العلاج المناسب.
واضطراب الوسواسالقهري يؤثر على 2 إلى 3 في المائة من سكان العالم، غالبا ما يسبب المعاناة لسنوات متتالية، قبل أن تتم معالجته بشكل صحيح ـ وهذا راجع إلى التأخيرات في تشخيصه، وكذلك لامتناع المصابين به عن التوجه إلى الطبيب للمساعدة.
ووفقا لتقديرات وردت في إحدى الدراسات، فإن المرضى باضطراب الوسواس القهري، يظلون أكثر من تسع سنوات في المتوسط، قبل أن تشخص حالتهم بالضبط، و17 سنة كي يحصلون على الرعاية المناسبة.
ورغم أن هذا الاضطراب يميل لأن يتحول إلى حالة مزمنة، بأعراض تزداد حدة ثم تخفت خلال فترة حياة المصاب به، فإن المساعدة الفعالة لعلاجه متوفرة.
ولا يشفى نهائيا سوى 10 في المائة تقريبا من المصابين به، لكن حالات 50 في المائة من الآخرين تتحسن بعد المعالجة.
الأعراض
أعراض الوسواسالقهري تنقسم إلى قسمين، الأول يحتوي على وساوس وشكوك فكرية، والثاني يحتوي على العادات والسلوكيات التي تترتب على هذه الوساوس.
1- الوساوس الفكرية ومن أمثلتها ما يلي:
- استحواذ فكرة الوسخ والتنجيس
- استحواذ فكرة الحاجة إلى التناسق
- شكوك غير طبيعية
- أفكار دينية مستحوذة
- استحواذ أفكار العنف
- استحواذ تجميع الأشياء
- استحواذ الأفكار الجنسية
- أفكار تطيرية أو خيالية
2- العادات والسلوكيات ومن أمثلتها ما يلي:
- يحاول المصابون بمرض الوسواسالقهري التخلص من الأفكار المتكررة عن طريق القيام بعادات اضطرارية، وتكون هذه العادات قائمة على أسس معينة، ولا يعني القيام بهذه العادات أن القائم بها سعيد بقيامه بها، ولكن ممارسة هذه العادات هو لمجرد الحصول على راحة مؤقتة من الوسواس، ومن أمثلة هذه السلوكيات ما يلي:
- التنظيف والغسل الكثير
- الاضطرار لعمل شيء بالطريقة الصحيحة
- الاضطرار إلى تجميع الأشياء
- المراجعة أو التدقيق الاضطراري ونرى أن المصاب بالوسواس القهري يتمنى لو يستطيع أن يتخلص من الأفكار الشنيعة أو الأفعال المتكررة، ولكنه لا يقدر لشدة قلقه بسبب تلك الأفكار والسبب يرجع في ذلك إلى أن الوسواسالقهري مرض حقيقي نفسي يرتبط ارتباطا مباشرا باختلال كيميائي في المخ، وتشير بعض الدراسات إلى أن المرض قد ينشأ في الشخص وراثيا، وبشكل عام لا يوجد سبب واحد محدد وراء الإصابة بمرض الوسواس القهري.
وتشير الأبحاث إلى وجود اضطراب لدى مريض الوسواسالقهري في الاتصال بين الجزء الأمامي من المخ وهو المسؤول عن الإحساس بالخوف والخطر وبين التركيبات الأكثر عمقا في الدماغ وهي العقد العصبية القاعدية التي تتحكم في قدرة المرء على البدء والتوقف عن الأفكار
وتستخدم هذه التركيبات الدماغية الناقل العصبي الكيميائي «سيروتونين» والذي يعتقد أن مستواه يسجل نقصا عند مرضى الوسواس القهري، وعليه يتم وصف الأدوية التي تساعد في رفع مستوى السيروتونين في الدماغ من أجل تحسين أعراض الوسواس القهري.
تحديات التشخيص
وكما يعبر اسمه، فإن اضطراب الوسواسالقهري يتصف بنوعين متميزين من السمات: الوسواس الذي يكون على شكل هواجس متسلطة تعاود الظهور، وأفكار مقلقة، واندفاعات، وصور، تسبب القلق والألم الشديدين.
ثم الجانب القاهر منه الذي يتمثل في الإحساس بأن الشخص مجبور على تكرار السلوك، واتباع قواعد لا يحيد عنها عادة (مثل غسل اليدين عدة مرات بعد كل وجبة طعام).
وعندما تتداخل هذه الأعراض مع العمل، والأنشطة الاجتماعية، والعلاقات الشخصية، عندها يجب التفكير في طلب العلاج.
وقد يكون من الصعب التمييز بين اضطراب الوسواسالقهري وبين الاضطرابات العقلية الأخرى التي تماثله في الأعراض.
إلا أن جمعية الأمراض العقلية الأميركية تقدم في إرشاداتها الجديدة نماذج لأسئلة يمكن بواسطتها تسهيل رصد المصابين باضطراب الوسواس القهري، إضافة إلى طرحها لمقترحات للتمييز بين اضطراب الوسواسالقهري وبين الاضطرابات الأخرى.
وعلى سبيل المثال فإن الوسواس في اضطراب الوسواس القهري، يشمل في العادة شيئا أو أمرا ما، أو شخصا ما، عدا الشخص المصاب، مثل الخوف من التلوث الشخصي، أو التعامل بسلوك عدائي مع شخص آخر، بينما تكون حالة التفكير أثناء مرض الكآبة موجهة عادة، نحو النقد الذاتي أو الشعور بالذنب تجاه الماضي ـ وهي لا تصاحب عادة بأي من الطقوس القهرية.
والوسواس في اضطراب الوسواس القهري، محدد بوضوح عادة، بينما يكون المصابون باضطرابات القلق العامة منغمسون بشكل غامض في حالة من القلق أو المخاوف الملحة من النتائج السيئة المقبلة.
علاجات أولية
هناك أربعة أمور مهمة لا بد من مراعاتها في علاج الوسواس القهري، وهي:
- معرفة الشخص المريض بالمرض والتحدث مع المختصين في مجال الطب النفسي لتشخيص المرض بالطريقة الصحيحة.
- تعريف أهل المريض بالمرض لمراعاة المريض والاهتمام به بالشكل الصحيح وعدم اليأس والاستسلام.
- قيام المريض بالعلاج النفسي السلوكي لمقاومة المرض.
- قيام المريض بأخذ الدواء وعدم تركه إلى النهاية إذا ما وصف له (خصوصا أن بعض أدوية مرض الوسواسالقهري تتطلب وقتا لا يقل عن 6 أسابيع قبل أن تعمل بالشكل الصحيح).
وفي العلاجات الأولية لاضطراب الوسواس القهري، توصي جمعية الأمراض العقلية الأميركية باستخدام العلاج السلوكي الإدراكي (المعرفي)، والعلاج بالأدوية باستخدام مثبطات استرجاع السيروتونين serotonin reuptake inhibitors (SSRIs) المنتقاة، أو استخدام توليفة علاجية من هذين العلاجين.
- العلاج السلوكي: ومن أكثر أنواع العلاج السلوكي لاضطراب الوسواسالقهري فاعلية، طريقة «التعريض مع الوقاية من الاستجابة» exposure and response prevention.
وفي هذا العلاج يتواجه المصابون، بشكل متكرر، مع مصدر وساوسهم، لكي يتعلموا الوسائل التي تتيح لهم التوقف عن تنفيذ الطقوس المرتبطة بها، إلى أن يحين الوقت الذي يتمكنون فيه من مقاومة حالة القهر لديهم.
ففي حالة الشخص الذي يمتنع عن استخدام المنتجات الفضية تخوفا من أن تكون ملوثة بالميكروبات، قد يقوم الطبيب بتوجيهه نحو التقاط شوكة للطعام ثم التصور بوجود الميكروبات فيها ـ إلا أنه يؤخر قيام المصاب بعملية غسل اليدين.
وقد يكون العلاج السلوكي خيارا منفردا للمصابين الذين تكون لديهم أعراض طفيفة لاضطراب الوسواس القهري، أو لأولئك الذين لا يرغبون في تناول الأدوية.
إلا أنهم سيكونون بحاجة إلى ما بين ثلاثة إلى خمسة شهور من الجلسات الأسبوعية للحصول على النتائج.
ويتمثل الهدف من العلاج في الإخماد التدريجي لنمط السلوك المحدد. أما فكرة استخدام العلاجات الإدراكية (المعرفية) فإن الدلائل لا تدعمها إلا قليلا، إلا إذا كانت تشتمل على عناصر العلاجات السلوكية.
- أدوية مثبطات استرجاع السيروتونين SSRI: إن العلاج بالأدوية يمكن تجربته منذ البداية، إن كان العلاج السلوكي غير متوفر، أو غير مناسب، أو إن كانت أعراض المصاب شديدة.
ورغم أن وكالة الغذاء والدواء FDA قد أجازت استخدام مضاد الاكتئاب الثلاثي الحلقات «كلوميبرامين» clomipramine («أنافرانيل» Anafranil) لعلاج اضطراب الوسواس القهري، فإن هذا العقار قد يتسبب في ظهور أعراض جانبية مضادة لمادة الكولين side effects anticholinergic، مثل جفاف الفم، غشاوة الرؤية، تأخر البول، وتسارع نبضات القلب.
ولذلك توصي جمعية الأمراض العقلية الأميركية بالبدء بواحد من أدوية مثبطات استرجاع السيروتونين لأن أعراضها الجانبية يمكن تحملها بشكل أفضل.
- وكل أدوية SSRI هذه فعالة: رغم أن بعض المصابين قد يستجيبون بشكل أفضل لدواء دون آخر.
كما يمكن المرور في مرحلة التجربة والخطأ للتعرف على أفضل دواء لكل مصاب. وعموما فإن 40 إلى 60 في المائة من المصابين باضطراب الوسواسالقهري سيتعرضون إلى انحسار جزئي في الأعراض بعد العلاج بأدوية SSRI، ومع ذلك فالكثير منهم سيظلون يعانون من الأعراض المتبقية للاضطراب.
ولعلاج اضطراب الوسواس القهري، تكون جرعات أدوية SSRI في العادة أعلى من الجرعات المستخدمة لعلاج الكآبة.
كما أن هذه الأدوية تحتاج إلى فترة أطول لتخفيف أعراض الاضطراب. فبينما يحتاج المصابون بالكآبة الشديدة إلى ما بين أسبوعين إلى ستة أسابيع للاستجابة إلى أدوية SSRI، يحتاج المصابون باضطراب الوسواسالقهري إلى ما بين 10 إلى 12 أسبوعا. وأكثر الأعراض الجانبية شيوعا لهذه الأدوية، هي تلبّك الجهاز الهضمي، الحركة الدائمة، الأرق، واختلال وظائف الجنس (مثل قلة الشهوة الجنسية، ضعف الانتصاب، وعدم القدرة على الوصول إلى ذروة النشوة).
وقد يتعرض اختيار الدواء المنتقى إلى تغييرات بسبب الوضع الصحي للمصاب واستخدامه لأدوية أخرى. ودواء «باروكسيتين» Paroxetine («باكسيل» Paxil) مثلا، هو من أدوية SSRI التي تتسبب، في الغالب، في زيادة الوزن وفي حدوث الأعراض المضادة لمادة الكولين.
ولذلك فإن جمعية الأمراض العقلية الأميركية لا توصي باستخدامه كخيار أول للمصابين السمينين، أو المصابين بداء السكري من النوع الثاني، أو المعانين من التردد في التبول أو من الإمساك.
علاج الإدامة
وهذا العلاج المسمىMaintenance therapy هو لصيانة المصابين الذين عولج الكثير منهم بنجاح، ويحتاجون إلى مواصلة الاستفادة من الأدوية حتى النهاية.
وقد أجري عدد قليل من الدراسات حول وقف المصابين باضطراب الوسواس القهري لتناول الأدوية، إلا أنها أغلبها رصدت عودة أعراض الاضطراب لدى التوقف عن تناول SSRI. ومن المحتمل أن يتم تقليل جرعات الأدوية في فترة علاج الإدامة.
إلا أن ذلك لا يزال غير واضح، وأحد الطرق لتقليل عودة أعراض الاضطراب يتمثل في توفير توليفة من العلاج بالأدوية مع علاج «التعريض مع الوقاية من الاستجابة»، بحيث يمكن للمصابين التعامل بشكل أفضل مع المثيرات المحيطة بهم، عند توقفهم عن تناول الدواء.
تغيير العلاج
متى ينبغي التفكير في تغيير العلاج؟ كقاعدة عامة فإن جمعية الأمراض العقلية الأميركية توصي بأن يمنح الأطباء والمرضى فسحة من الوقت للتعرف على نجاح العلاج الأولي، قبل أن التفكير بتغييره.
وإن لم تحقق فترة 13 إلى 20 أسبوعا من جلسات العلاج السلوكي ـ أو 10 إلى 12 أسبوعا من العلاج بالأدوية ـ تخفيفا كافيا للأعراض، فينبغي التفكير باستراتيجية جديدة.
استراتيجيات علاجية إضافية
تعزيز العلاج للمرضى الذين خفّت أعراضهم جزئيا فقط بعد خضوعهم للعلاج الأولي، ربما يكون أكثر فاعلية من تغيير العلاج بعلاج آخر.
وقد أثبت الزمن أن هذه الاستراتيجية حصيفة. فالتحول نحو دواء آخر وحيد ربما يتطلب فترة 10 إلى 12 أسبوعا لإظهار نتائجه.
أما تعزيز أحد أدوية مثبطات استرجاع السيروتونين SSRI بدواء آخر، فقد يؤدي إلى ظهور النتائج خلال 4 أسابيع.
خيارات تعزيز العلاج
إن أحد الخيارات هو تعزيز واحد من أدوية SSRI مع دواء مضاد للذهانantipsychotic drug.
وخيارات الأدوية هنا تشمل الأدوية المضادة للذهان من الجيل الأول أو الثاني، إلا أن الدلائل تشير إلى فاعلية أدوية الجيل الثاني منها.
وتشير الدراسات إلى أن ما بين 40 و55 في المائة من المصابين باضطراب الوسواس القهري من الذين لم ينجح العلاج الأولي لهم، تتحسن حالاتهم لدى إضافة دواء مضاد للذهان إلى واحد من أدوية SSRI التي يتعالجون بها ـ رغم أن الأعراض المتبقية يمكن أن تظل موجودة.
وإن لم ينفذ الدواء المضاد للذهان مهمته، فإن جمعية الأمراض العقلية الأميركية توصي بتجربة دواء آخر.
وعليك أن تعرف أن الدواء المضاد للذهان الذي يستخدم لتعزيز علاج اضطراب الوسواس القهري، يجب أن يوصف طبيا بجرعات منخفضة تقع في النطاق الأدنى لجرعات استخدامه.
فالجرعات العليا من الأدوية المضادة للذهان ـ وكذلك لدى استخدامها لوحدها ـ قد تزيد من سوء اضطراب الوسواس القهري.
azxsdc654