لا يستغني الناس في هذه الحياة عن بعضهم البعض، فلا يستطيع إنسان
أن يعيش وحده. ومعنى ذلك أن هذا الإنسان سيؤدي إلى الآخرين بعض
ما يحتاجون إليه، كما إنه سيأخذ منهم بعض ما يحتاج إليه. وقد وجه النبي
صلى الله عليه وآله وسلم أمته إلى الاعتراف بالجميل وعدم نكرانه، فعن جابر
بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: "من أُعطيَ عطاءً فوجد فليجْز به، ومن لم يجد فليثن فإن مَن أثنى
فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلَّى بما لم يُعْطَهْ كان كلابس ثوبَي زور".
أما أن يحسن الآخرون إلى أحدنا فلا يجدون إلا نكرانًا فهذا دليل على خِسَّة
النفس وحقارتها؛ إذ النفوس الكريمة لا تعرف الجحود ولا النكران، بل إنها على الدوام وفية معترفة لذوي الفضل بالفضل:
ولقد دعتني للخلاف عشيرتي.. ... ..فعددت قولهم من الإضلال
إني امرؤٌ فيَّ الوفـــــاء سجيـة.. ... .وفعــال كل مهـذب مفضـال
أما اللئيم فإنه لا يزيده الإحسان والمعروف إلا تمردًا:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته.. ... ..وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
فحين لا يقر الإنسان بلسانه بما يقر به قلبه من المعروف والصنائع
الجميلة التي أسديت إليه سواء من الله أو من المخلوقين فهو منكر للجميل جاحد للنعمة.
أخوك من صدقٌك لا من صدقك، الصديق إما أن ينفع أو يشفع، جواهر الأخلاق تصفها المعاشرة.
نماذج ساقطة لا تستحق الحب ولا التضحية من أجلها لأنها تعشق الإساءة وتنتظر اللحظة القاسية التي نحتاجهم بها فينسحبون بقناع الخيانة وعدم التضحية.
إنها لَلَحظات ضائعة من حياتنا أن نعطي الكثير .. فلا نأخذ إلا ( القيل والقال)
وإنه لشعور بغيض لا يليق بمَنْ أفنى دهراً من دهره في خدمة الآخرين و( المراهنة ) عليهم ..
وليتنا نتمثل قول الحق في كتابه الحق :
( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟ ) صدق الله العظيم .
ولا أدري ما أقول وما نفع الكلمات :
لقد أسمعتَ إذ ناديتَ حياً * * * ولكن لا حياة لمَنْ تنادي !
ولكننا نبقى كالنخلة المثمرة :
يضربها الناس بالحجر ، فتُلقي إليهم بالثمر ..
ويبقى الحق أبلجاً ولو حاول الآخرون إخفاءه ..
ما من شك أننا نعيش في زمن يحتم علينا التغير بين الحين والآخر ،
وفي تسابق جم نحو الحياة المترفة ، وما فيها من زخم هائل لمبادئ ساقطة وأخرى قويمة !!
وهو ما يجعلك تقف وقوف المنكسرين العاجزين !!
عندما تشعر أن الرصيد الأخلاقي والإنساني عند أناس أحببتهم ، وأخلصت لهم قد نفد !!
بل قلبوا لك ظهر المجن بكل خسة وحقارة ،
وهذا امتداد للجحود الإنساني الذي يتخذ أشكالا وصفات عدة في مجتمعات العالم بأسره .