الأسلوب الأخلاقي في التعامل بين الناس
الرّفق والمداراة والكلمة الطيبة
أساليب التّعامل بين النّاس
يسعى الإنسان، بحكم مشاعره وأحاسيسه، أن يجذب النّاسَ إليه، ليحصل على حبّهم، وعلى علاقةٍ مميّزةٍ معهم. ولكن كيف يتمّ ذلك؟
هناك أسلوبان في طريقة لقاء الإنسان بالإنسان، وخطابه له؛ فهناك أسلوب الرّفق واللّين، وذلك بأن تدرس مشاعره وإحساساته، وما يحبّه وما ينفتح عليه؛ وهناك أسلوب العنف والقسوة، وذلك بأن يتحدّى الإنسانُ الآخر، ويخاطبه بشدّةٍ ويهين كرامته.
ومن الطبيعيّ أنّ الله تعالى يريد للنّاس أن يتحابّوا، وأن ينجذب بعضهم إلى بعض، ليتحقّق التّواصل بين شعور هذا الإنسان وشعور الإنسان الآخر، وليتحوَّل هذا التّواصل إلى تعاون، لأنَّ الله تعالى يريد للمجتمع أن يكون مجتمعاً يلتقي فيه الإنسان بالإنسان، سواء كان هذا اللّقاء من خلال أن يُقنع الإنسان الآخر بفكرته ليتوحّد الفكر بينهما، أو ليقنع الآخر بقضيّةٍ ما، فيكون التّعاون في إطار هذه القضيّة، أو ليقنع الإنسان الإنسانَ بهدفٍ ما ليحصل التّوافق على تحقيق هذا الهدف.
خلقُ الأنبياء الدَّعوة باللِّين
وهكذا، نرى كيف أنَّ الله تعالى وجَّه رسله وأنبياءه إلى أن يأخذوا النّاس بالرّفق، وأن لا يأخذوهم بالعنف، حتى إنّ النبيّ ـ أيّ نبيّ ـ عندما يفقد النّجاح في التّجربة، يبادر قومَه ليقولَ لهم: {وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}[الأعراف:79]، أنا جئت إليكم ناصحاً من أجل أن أنقذكم، ومن أجل أن أيسّر أموركم وأفتح عقولكم على ما يرفع مستواكم، وما يقرّبكم إلى الله، أميناً على حياتكم وأوضاعكم.
وقد تحدّث الله تعالى عن خُلق النبيّ(ص)، وكيف كانت أخلاقه مع أصحابه. يقول تعالى في كتابه المجيد: {فَبِمَارَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران:159].
إنَّ الله سبحانه رحمهم كما رحمك، بأن كنت ليّن القلب معهم، فقلبك يخفق وينبض بمحبّة النّاس، وليّن اللّسان، فلا يتحرّك لسانك إلا بالكلمة الطيّبة، وهذا هو الذي حبّب النّاس بك وجذبهم إليك، وجعلهم يقتنعون بدعوتك، لأنَّ كلمتك الطيِّبة الحلوة الليّنة، ولأنَّ قلبك المفتوح عليهم وعلى مصالحهم؛ هو الّذي جعلهم يقتنعون بما تدعوهم إليه.
وقد ورد عن النبيّ(ص) وهو يفرّق بين الرّفق ـ وهو اللّين ـ والعنف، قوله: "إنّ الرّفق لم يوضع على شيءٍ إلا زانه ـ إلا زيّنه وحسّنه ـ ولا نزع من شيءٍ ـ بحيث استبدل الرّفق بالعنف ـإلا شانه"، إلا عابه وأسقطه. ويقول(ص): "لو كان الرفق خَلْقاً يُرى ـ لو أنّ الله تعالى أراد أن يصوِّر الرّفق، فكيف ستكون الصّورة؟ ـما كان مما خَلَقَ الله شيءٌ أحسنَ منه"، لأنّه في منتهى الجمال والرَّوعة، ومنتهى ما ينجذب إليه الإنسان ويعشقه.
أجر مداراة النّاس
وورد عنه(ص) وهو يتحدّث عن النّاس الّذين يترافقون فيما بينهم: "ما اصطحب اثنان ـ في سفرٍ أو في أيّ موقعٍ من مواقع الصّحبة ـإلا كان أعظمهما أجراً، وأحبّهما إلى الله عزّ وجلّ أرفقهما بصاحبه". وعنه(ص): "أعقلُ النّاس أشدُّهم مداراةًٍ للنّاس". وليس معنى المداراة النّفاق، بل أن تدرس صاحبك الذي تصاحبه أو تعيش معه أو تتحمّل مسؤوليّته، فتفهم ذهنيّته وطبعه وظروفه وأوضاعه، فتداري ذلك ولا تعمل على أن تُسقط ما عنده. وذلك ما يمكن أن ينطبق على الإنسان مع عائلته، فعلى كلّ فرد في العائلة أن يدرس طبعَ الآخر، وما يحبّه أو يبغضه، وأن يدرس ظروف الآخر، فيداريه.
وقد ورد عن رسول الله(ص): "أمرني ربّي بمداراة النّاس، كما أمرني بأداء الفرائض"، لأنّ مداراة النّاس تؤدّي إلى التقاء النّاس وتواصلهم، فلا يُسقط أحدنا الآخر. وعنه(ص): "الرّفق نصف المعيشة"، لأنّه هو الّذي يحسّن معيشتك من خلال علاقتك بالآخرين.
الرّفق بالكافر
وورد عن النبيّ(ص) وهو يخاطب زوجته عائشة، بعد أن مرّ عليهما يهوديّ أساء إلى النبيّ(ص) وقال له: السّام عليك ـ يعني الموت ـ إذ أراد أن يردّ عليه النبيّ السّلام، ليسخر بعدها منه أمام قومه. ولكنّ النبيّ(ص) اكتفى بالردّ عليه بكلمة: "وعليك"، ولما سمعته عائشة، قامت إلى اليهوديّ وشتمته، فقال(ص): "يا عائشة، إنّ الله رفيقٌ يحبّ الرّفق، ويعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه".
الرّفق بالحيوان
ويتحدّث النبيّ(ص) عن الرّفق بالحيوان. يقول(ص): "إنّ الله يحبّ الرّفق ويعينُ عليه، فإذا ركبتم الدّوابَّ العُجْفَ ـ المتعَبة ـ فأنزِلوها منازلَها ـ حتى تأكل من عشب الأرض ـ فإن كانت الأرضُ مجدِبَةً فانْجُوا عنها، وإن كانت مُخْصِبَةً فأنْزِلوها منازلها". وعنه(ص): "الرّفق رأس الحكمة. اللّهمّ مَن وَلِيَ شيئاً من أمور أمّتي ـ بحيث كان مسؤولاً في أيّ موقعٍ من مواقع المسؤوليّة السياسيّة أو الاجتماعيّة أو الدينيّة أو الاقتصاديّة ـ فرَفَقَ بهم فارفِقْ به، ومن شقَّ عليهم فاشْقُقْ عليه".
إنّنا نعيش في مجتمعاتنا الكثير من حالات العنف:
العنف في البيت، وفي المجتمع، وفي الصّراع على مستوى السياسة والأوضاع الاجتماعيّة، وهذا ما يأتي لنا بالكثير من المشاكل، ويوقعنا في الكثير من الأوضاع السلبيّة. فعلينا أن نتعلّم كيف يرفق بعضنا ببعض، وكيف نعيش اللّين في الكلمة، واللّين في القلب، واللّين في الحياة |
|
|