ماذا نقصد بالتقويم؟ وما الفرق بينه وبين القياس ؟
أجاز مجمع اللغة العربية في القاهرة أن يُقال " قيّمت " الشيء تقييماً بمعنى حددت قيمته وقدره، وذلك للتفرقة أو إزالة اللبس بين هذا اللفظ وبين " قوّمته " بمعنى طورته وعدلته وجعلته قويماً أو مستقيماً، وهذا يعني أن التقويم يتضمن في ثناياه الحكم على الشيء، ويتجاوز حدود هذا الحكم إلى التحسين والتطوير. وفي هذا يقول الخليفة العادل: " من رأى منكم في اعوجاجاً فليقوّمه ".
في المجال التربوي: يمثل إصدار الحكم على مدى تحقيق الأهداف التربوية ما يُطلق عليه التقييم التربوي، وهذا يمكن أن يتبعه إجراءً عملياً يتعلق بتحسين وتطوير العملية التربوية، قد يكون في صورة برنامجاً علاجياً مثلاً، وهذا كله بالطبع يتجاوز معنى " التقييم التربوي " إلى معنى " التقويم التربوي ".
وهذا يعني أن التقويم التربوي في معناه التربوي الواسع يُقصد به: " عملية منظمة لجمع وتحليل المعلومات، بغرض تحديد درجة تحقيق الأهداف التربوية، واتخاذ القرارات بشأنها لمعالجة جوانب الضعف وتوفير ظروف النمو السليم المتكامل من خلال إعادة تنظيم البيئة التربوية وإثرائها ".
وعلى مستوى المدرسة يُقصد بالتقويم: " عملية منظمة لجمع وتحليل المعلومات حول البرامج المتعلقة بالمتعلم والمعلم والإدارة والأهداف ومحتوى المقررات والوسائل والنشاطات التعليمية والمرافق، وذلك لمعرفة مدى تحقيق الأهداف واتخاذ القرارات بشأن هذه البرامج.
أما على مستوى غرفة الصف فإن التقويم: عبارة عن عملية منظمة لجمع وتحليل المعلومات لتحديد مدى تحقيق الأهداف التعليمية من قبل المتعلمين، واتخاذ قرارات بشأنها. ويشير هذا التعريف ضمناً إلى ضرورة صياغة الأهداف التعليمية: المعرفية والنفسحركية والوجدانية كخطوة أولى في عملية التعليم لأنها عملية هادفة.
وفي المجال النفسي: يمثل إصدار الحكم على طفل معين بأنه متخلف عقلياً مثلاً يدخل في باب " التقييم النفسي " إن لم يتجاوز إصدار الحكم على المستوى العقلي، وهذا أمر نادر في الممارسة السيكولوجية، لأن الشـائع إن يتبـع ذلك " إجراءً عملياً " من نوع ما كإلحاق الطفل بمدرسة للتربية الفكرية وتعليمه بطرق تتناسب مع مستواه العقلي وكل هذا من نوع" التقويم النفسي"، أي أن التقويم النفسي هو القاعدة، والتقييم النفسي هو الاستثناء.
* ما معنى القياس النفسي ؟
القياس في العلم عامة وفي المجال التربوي خاصة هو: " قواعد استخدام الأعداد بحيث تدل على الأشياء أو الظواهر بطريقة كمية ". ومعنى ذلك أن القياس يعتمد في جوهره على استخدام الأعداد.
ولكن بعض خصائص الإنسان ما زال يستعصي على التناول الكمي المباشر. وسواء لجأنا إلى الوصف " الكمي " أو " الكيفي " للسلوك الإنساني، فإن ذلك يُعد من قبيل البيانات التي لا بد أن تتوافر للمعلم قبل أن يُصدر أحكامه، أو يقترح الإجراءات العلاجية والتصحيحية.
هذا يعني أن القياس يوفر للباحث البيانات والمعلومات الكمية التي يعتمد عليها عند القيام بعمليات التقويم، ولكنه ليس مصدر البيانات الوحيد، فقد تستعصي الظاهرة على التناول الكمي وهنا لا بديل عن الطرق الكيفية في جمع المعلومات.
* ومعنى ذلك أن التقويم أكثر عمومية وشمولاً من القياس.
* أنواع القياس:
(أ) قياس مباشر: كما يحدث عندما نقيس طول الطفل، أو وزنه.
(ب) قياس غير مباشر: كما يحدث حين نقيس درجة الحرارة بارتفاع عمود الزئبق في الترمومتر، أو حين نقيس تحصيل المتعلمين في موضوع معين باختبار تحصيلي أُعد لهذا الغرض.
* ما أهمية القياس والتقويم ؟
- عملية ضرورية للمتعلم وللمعلم وللقائمين على التربية والتعليم وللمجتمع بعامة.
(أ) للمتعلم: بتقويم المتعلم لأدائه يستطيع أن يتبين مستوى أدائه، ويقارن بين هذا المستوى وبين ما بذل من مجهود، الأمر الذي يحفزه إلى مزيد من التحصيل والتقدم العلمي والدراسي، ودراسة المتعلم المعلم لهذا المجال تمكنه من وضع واستخدام أساليب التقويم الفعّال.
(ب) للمعلم: تفيد المعلم في التعرف على مستويات تلاميذه العقلية والنفسية، وهذا بدوره يمكنه من مساعدتهم وتوجيههم في دراستهم، كما تفيده هو في تطوير وتحديث معلوماته وأساليبه التدريسية.
(ج) للقائمين على أمر التربية والتعليم: لأنها تؤدي إلى معرفة مدى تحقيق نظم التعليم القائمة أهدافها، وإلى أي مدى تتفق النتائج مع ما بُذل من جهد، وما وُفر من إمكانات.
(د) للمجتمع: تفيد في التعرف على مدى مساهمة نظام التعليم في نقل ثقافة وفكر وفلسفة وعقيدة المجتمع إلى الناشئة فيه.
هذا فضلاً عن دور هذا موضوع التقويم والقياس النفسي والتربوي في مساعدة طلاب الدراسات العليا مستقبلاً وتدربهم خلاله على استخدام القياس الموضوعي كطريقة من طرق البحث العلمي.
* العوامل التي تؤثر في القياس:
يتأثر القياس بعوامل مختلفة نذكر منها:
1- الشيء المراد قياسه أو السمة المراد قياسها: يؤثر في نوع القياس والأداة المستخدمة في القياس، فهناك أشياء تُقاس بطريقة مباشرة كأطوال المتعلمين عند الكشف الطبي عليهم، ولكن الاستعدادات العقلية والسمات المزاجية والشخصية تُقاس بطريقة غير مباشرة، ولذلك اختلفت مقاييسها عن مقاييس الطول في طبيعتها ودرجة دقتها، وليس من شك أن القياس المباشر أسهل وأدق من القياس غير المباشر.
2 – أهداف القياس: تؤثر في الطريقة التي نستخدمها في القياس، فحين يكون الهدف من القياس عمل تقويم سريع لتحصيل المتعلمين في خبرة معينة مثلاً، اختيرت الطريقة التي تناسب هذا الهدف، وحين يكون هدف القياس عمل تقويم شامل ودقيق لظاهرة معينة رُسمت خطة دقيقة للقياس واختير المقياس بدقة، وكذلك القائمون بالقياس ممن تدربوا على العملية تدريباً دقيقاً.
3 - طبيعة الظاهرة أو السمة المُقاسة: فبعض السمات يمكن التحكم فيها وقياسها بدقة مثل الذكاء والاستعدادات العقلية، ولكن يصعب التحكم في سمات أخرى كالسمات المزاجية وسمات الشخصية، كما يصعب تحديدها وتصميم المواقف التي تمثلها بدقة بسبب تعقدها، وتأثرها بعوامل ذاتية عديدة يصعب استبعادها.
* مبادئ عامة ينبغي مراعاتها في التقويم:
1 - ضرورة تحديد الغرض من التقويم: إذا لم يكن الغرض من التقويم واضحاً، فإنه من الصعب الحكم على جدوى عملية التقويم، كما يصعب التأكد من صحة الخطوات اللاحقة لهذه العملية، كاختيار أسلوب التقويم المناسب، والأدوات المناسبة لجمع المعلومات.
فهدف ترتيب المتعلمين طبقاً لتفوقهم، يختلف عن هدف التنبؤ بمدى نجاحهم في تخصص معين مستقبلاً، وهذا يختلف بدوره عن هدف تشخيص جوانب الضعف في مهارات القراءة والكتابة والحساب.
2 – الاهتمام باختيار وإعداد أدوات التقويم المناسبة: للغرض من التقويم وهي التي تتسم بالصدق والثبات والموضوعية.
3 – ضرورة وعي المعلم المقوّم بمصادر الأخطاء المحتملة في عملية التقويم: ومنها:
(أ) خطأ العيّنة: وهو الخطأ الذي ينتج من عدم تمثيل عينة الأسئلة في الاختبار، فقد تكون الأسئلة غير كافية من حيث العدد، أو من حيث تغطيتها للموضوعات الدراسية، وقد تكون الأسئلة متحيزة لوحدة معينة على حساب الوحدات الأخرى، وربما كانت متحيزة لمستوى عقلي معين (كالتذكر في مستويات بلوم) على حساب المستويات الأخرى..
(ب) أخطاء التخمين والتورية: يقصد " بالتخمين " هنا تخمين المتعلم للإجابة، ويرتبط هذا الخطأ بالأسئلة الموضوعية. أما خطأ التورية فينتج عند محاولة المتعلم كتابة أي شيء عندما لا يعرف الإجابة فعلاً في حالة الأسئلة المقالية.
(ج) أخطاء التحيز الشخصي أو أثر الهالة: وقد ينتج هذا الخطأ من تكوين المعلم مثلاً صورة معينة عن تلميذ في موقف معين بشكل يؤثر على تقديره له في مواقف أخرى،وقد يكون الأثر سلبياً أو إيجابياً.
(د) أخطاء التزييف والرغبة الاجتماعية: وتنتج هذه الأخطاء من محاولة المفحوص أن يزيف إجابته بحيث يعطي صورة معينة عن نفسه مغايرة للحقيقة، فقد يرتاح المتعلم عندما يعكس نفسه بصورة شخصية متواضعة وهو عكس ذلك، أو يظهر اتجاهاً إيجابياً نحو مادة معينة في مقياس الاتجاه نحو التخصصات المختلفة لأغراض التوجيه والإرشاد.
(هـ) أخطاء البنية الشخصية: وقد ينتج هذا الخطأ من البنية الشخصية للمعلم، أو البنية الشخصية للتلميذ: فقد يتصف معلم بالليونة، وآخر يتصف بالقسوة، وثالث يميل نحو الوسطية ويظهر ذلك جلياً في تقديره لإجابات المتعلمين الإنشائية وفي التقارير.
أما بالنسبة للتلاميذ فعند تطبيق مقاييس التقدير عليهم (مثل: موافق بشدة، موافق، حيادي، أعارض، أعارض بشدة) بعضهم يميل إلى الحياد، وبعضهم إلى الوسطية، والبعض يميل إلى التطرف.
4 – الوعي بخصائص عملية التقويم: وأهم هذه الخصائص الشمولية لجميع أوجه النمو والخبرات، والاستمرارية.
5 – التأكد من أهمية البرنامج المقوّم، والالتزام بأخلاقيات عملية التقويم. ويمكن توضيح المقصود من خلال تقويم التحصيل الأكاديمي، فالمعلم يجب أن يكون حريصاً على أن يضمّن اختباراته الأسئلة التي تقيس الأهداف الأساسية بدلاً من التركيز على الأهداف الهامشية.
وقد يُوجه التقويم سلفاً للخروج بنتيجة إيجابية سواء من خلال إهمال جوانب أساسية في موضوع التقويم، أو التقليل من وزنها، أو من خلال الاختيار السيئ لفريق التقويم نفسه.
وقد لا يلتزم المقوّم بأخلاقيات عملية القياس والتقويم، كأن لا يحافظ على سرية المعلومات إذا تطلب الأمر ذلك، أو يستخدمها في التشهير والتجريح والتوبيخ، وهذه نقطة هامة بالنسبة للمعلم وللمرشد النفسي والأخصائي الاجتماعي.
6 – ضرورة احتواء تقرير التقويم على معلومات كاملة وافية بشكل يمكّن صانعي القرار من اتخاذ القرار المناسب أو الاختيار من بين بدائل القرارات.
منقوووول