كان الخليفة المأمون أول خليفة مارس خلافته على طريقة الملوك، حيث كان لا يخرج إلا بموكب وحرس وحاشية، وفي أحد الأيام كان يتفقد رعيته في شوارع بغداد والحرس والحشد حول موكبه الذي كان يخطف أنفاس العامة. فإذا برجلٍ عادي من عامة الناس يهرول وراء الموكب وحوله، حيث كانت له مظلمة ويريد أن ينتهز تلك الفرصة ليقابل الخليفة ويشتكي له مظلمته، ولكن هيهات أن يصل إليه في ذلك الجمع الخفير والحراسة المشددة، وفجأة حصل الرجل على فرصةٍ خاطفة ولكن بمجرد أن انتبه له الخليفة دفعه أحد الحراس بعيداً فضاعت تلك الفرصة النادرة، وفي تلك اللحظة المحبطة، صعد الرجل على مكان عالٍ وصرخ بأعلى صوته بشكل لفت أنظار الجميع بمن فيهم الخليفة نفسه حيث صرخ قائلاً: ((يا أمير المؤمنين... يا خليفة رسول الله...لقد استوقف الله سبحانه وتعالى الملك سليمانَ لنملة، فما أنت بأعظم من سليمان ولا أنا بأحقر من نملة)). عم الصمت في ذلك الجمع من الناس لوهلة... وظن الناس أن ذلك الرجل هالكٌ لا محالة، ولكن الخليفة اقترب من ذلك الرجل ودعاه، وقال له ما مظلمتك؟ أطلب تجب، وأمر له بقضاء مظلمته مهما كانت... وزاده على ذلك خيراً. فسبحان من تجلى لدعوة المظلوم وخاطبها قائلاً:
((وعزتي وجلالي لأنصُرنكِ ولو بعد حين))،
وقد عرف عن المأمون سعة صدره وحلمه وعلمه.