السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرسوم المتحركة .. مالها وماعليها !!
لكل شىء ايجابيات وسلبيات - فالكمال لله وحده - والمعرفة هى التى
تحدد النسبة التى يتم على اساسها تقييم الشىء والتعامل معه ..
الرسوم المتحركة : هي أفلام تعتمد على الصورة المرسومة، سواءً كان الرسم
يدوياً – كما كان من قبل- أو بالحاسوب.
وتتحول من الصورة الجامدة إلى المتحركة عبر آلية خاصة تسمح بأن يمر
أمام العين في الثانية الواحدة من(16)إلى(24)صورة،
فساعتئذٍ تبدو الرسوم متحركة،
فنرى أن اليد ارتفعت مثلاً، أو سار الشخص..
هذه الرسوم الكرتونية مَكَّنَتهم من تجاوز آفاق كثيرة لا يَسمح بها الواقع،
فالشخص لا يستطيع أن يطير، ولا تستطيع التفـاحة أن تتكلم،
لكن في أفلام الكرتون تستطيع التفـاحة والموزة أن تتكلما..
فكان الكرتون فضاء واسعاً للانتقال بخيال الطفل، وإخصابه،
كما كان مجالاً واسعاً جداً لتجسيد القضايا النظرية للطفل؛
لأن تفكير الطفل ماديٌّ.
فمثلاً إذا حدَّثتَ طفلاً صغيراً عن الله، وعن صفاته وقدرته..
ترى هذا الطفل يسألك: هل الله مِثلُك له لحية.؟!!
تعالى الله I عن ذلك علواً كبيراً..
فلضعف التفكير التجريدي لدى الطفل يبدأ يُجَسِّد حتى الله
ويمكن القول بأن الفكر المادي فِكرٌ بدائيٌ أوليٌ من أوليات الثقافة البشرية..!
فالكرتون هو البَريد الذي يستطيع أن يُقرِّبَ للطفل هذه الأشياء البعيدة،
فالمعاني المجردة التي لا يمكن أن يتصورها الطفل يمكن أن نصورها له
عبْر الكرتون، فرسوم الكرتون قد أعطتنا فسحة أكثر سعة من التصوير
السينمائي وما جاء بعده من أجيال آلات التصوير.
تعود صناعة أفلام الكرتون إلى العقد الثالث من القرن العشرين تقريباً،
عندما بدأت شركات قديمة ترسم بطريقة أولية ومجهدة، وأخذت تنشر وتروّج
شخصيات معينة عبْر أحداث درامية، كشخصية (باباي) التي يزيد عمرها على
سبعين سنة، وشخصية (توم وجيري)التي ولدت عام1946وعمرها الآن أكثر
من ستين سنة..ولم يكن الكرتون للصغار فقط، بل كان للصغار والكبار معاً،
ومازال كذلك إلى الآن في كثير من الدول.
في ثقافتنا فأفلام الكرتون للأطفال وليست للكبار..!
على كل حال نحن نقرأ في هذه العجالة أثر أفلام الكرتون في
الصغار.
أثر أفلام الكرتون في أطفالنا
ليس من الإنصاف أن نعطيَ حكماً واحداً لأفلام الكرتون بأنها سيئة أو جيدة،
لأنها تتراوح بين الحسن والسوء..
لذا سنحرص على أن نبين ما لأفلام الكرتون من سلبيات وإيجابيات، وسنبدأ بالآثار السلبية..
الآثار السلبية لأفلام الكرتون:
تعددت سلبيات أفلام الكرتون وكانت كثيرة جداً، ويمكن أن نجمعها في الجوانب الآتية:
1.ما كان متجهاً إلى الأخلاق مباشرة.
2.ما كان متجهاً إلى الهوية.
3.ما كان متجهاً إلى العقيدة.
4.ما كان متجهاً نحو الفطرة.
لقد أَثَّرت أفلام الكرتون سلبياً في الأخلاق،
وأثرت في الهوية، ومثل ذلك في العقيدة والفطرة.
سبب الخلل في أفلام الكرتون:
قبل أن أتناول هذه الأمور الأربعة: الأخلاق والهوية والعقيدة والفطرة..
أود أن أبيِّن شيئاً في غاية الأهمية، وهو:
لماذا جاء هذا الخلل في أفلام الكرتون..؟
لقد جاء الخلل من أمرين:
الأول:
إن هذه الأفلام قد صُنِعت لغيْر بلادنا، وفي غير بيئتنا، ولثقافةٍ غير ثقافتنا،
وفي مجتمعات تختلف عن مجتمعاتنا. صنعها اليابانيون، صنعها الأمريكان،
صنعها الأوروبيون. وأكبَر مراسم الكرتون كانت في اليابان،
ومِن قبلها كانت في شركات (تيرنر، وورنر، وحنا بربارة) في أمريكا،
وشركة (والت ديزني) في الفترة الأخيرة.
هذه الشركات كلها غير عربية، وأفلام الكرتون تُحاكي ثقافة أصحابها،
فهي لحاجات الإنسان الغربي، لحاجات الطفل الغربي، لحاجات البيئة الغربية،
لحاجات الثقافة الغربية..
ولا يخفى أن بيننا وبينهم خلافاً ثقافياً، ولاسيما في كون الوحي أحد مصادر
المعرفة في ثقافتنا الإسلامية، بينما لا نجد للغيب مكانة في بنائهم المعرفي،
وأعني بالغيب غيب الأديان، وغيب الوحي، وقد اكتفوا بالتجربة والحس مصدراً
وحيداً للمعرفة. فابتكروا العَلمنة في بلادهم وأعلنوها
مرجعية ثقافية لأجيالهم.
ولاشك في أن العلمانية قد قدمت لهم أشياء كثيرة،
ولكنها لم تقدم لنا ما قدمته لهم؛
لأنهم كانوا بسبب استبداد مفاهيم الغيب غير الصحيح في حاجة إلى الاعتماد على
منهج حسي، إضافة إلى تصحيح مفاهيمهم الغيبية،
ومن أجل هذا قدمت لهم العلمانية شيئاً جديداً، لا لأنها المنهج الأمثل،
بل لكونها تخلصهم من استبداد فكر غيبي مغلوط.
وأما مجتمعاتنا الإسلامية فعلى الرغم من تخلف معظمها لم تكن تعاني من
إنكار لمنهج الحس والتجربة، وإن لم تكن بارعة فيه، ولم تكن تعاني من تسلط مفاهيم
الغيب الخرافي، بل كانت تصدر في معظم أحكامها الغيبية عن غيب الوحي؛
لذا لم تظهر عليها الحاجة إلى العَلمانية، مع أن بنياننا الثقافي قد تغرَّب بسبب
بعد أكثر المجتمعات الإسلامية عن المفاهيم المعرفية الإسلامية، الأمر الذي
يستدعي حصول تصحيح فكري في عقل الأمة وبنائها المعرفي،
ولا شك في أن العَلمانية ليست هي الحل،
ولا الحاجة أو الضرورة المعرفية.
لقد انعكست هذه القضية على جوانب حياتنا بالجملة، ومنها الآثار السلبية
لأفلام الكرتون، فهذه الأفلام قد صُنعت لهم لا لأولادنا..
دور أفلام الكرتون السلبي في الهوية :
نقصد بالهوية:السمة العامة للأمة، ولا نقصد السمة السياسية، أو الاجتماعية،
أو سمة فئة معينة، أو سمة عِرق، أو مذهب..
وإنما نتكلم عما يُعبِّر عن هذه المجموعات كافة..
ولا أرى أنه يمكن لكل بيت من مجتمعنا أن يوسَم بصفة بقدر ما يمكن أن
يوسم بالإسلام؛ ذلك أن الإسلام لا يعبِّر عن الدين فقط، الإسلام دين للمتدينين من
أتباعه، والإسلام ثقافة لهم أيضاً، ومعظم من عاش في المنطقة الإسلامية ثقافته
إسلامية شاء أم أبى، ومهما كان الأمر، ففيمخزونه الثقافي يكتنـز مفردات
الثقافة الإسلامية، بتاريخها وأدبها وحضارتها، شاء أم أبى،
ولو كان متأثراً فكرياً بالغزو الثقافي الوافد من خارج البلاد..
فالإسلام يُمثل بالمجموع ثقافة وديناً، للمسلم ديناً وثقافةً،
ولغيْر المسلم حضارةً وثقافة..
ومن أهم آثار أفلام الكرتون على الهوية ما يأتي:
أ- التمرد على القيم:
يُمثل التمرد على القيم جزءاً من الثقافة الغربية، فكل جيل ينبغي أن يتمرد
على قيم الأجيال السابقة؛ حتى تتصارع البشرية وتسير في الاتجاه الصحيح،
حسب ما يتصورون، وهكذا يرون الحياة.
وقد انعكست هذه الفلسفة على صناعة الكرتون،
فتجد في كل أفلام الكرتون تقريباً إشارة إلى التمرد على القيم السائدة؛
لأن الفضيلة الأولى في الغرب هي الحرية، أما في بلادنا فالعدل هو الفضيلة الأولى،
فبناء على ذلك لابد عندهم من التمرد على القيم؛ لأن الحرية تقتضي أن يتخلص
الناس من كل قيد، ولو كان قيم الأمة ..!
وهذا الأمر لا يناسب بيئتنا، فنحن نقوم بتنميط أجيالنا على الفضائل،
وننطلق في ثقافتنا وتربيتنا الإسلامية من الغيْريَّة، وليس من الذاتية، بينما هم
ينطلقون من الذاتية؛ أي: (أنا أولاً، وبعد تحقيق ذاتي أسأل عن الناس..)
أما في التربية الإسلامية فالمهم أن تحس بغيرك، وآخر شيء أن تهتم بنفسك..
فتربيتنا غيْرية، والتربية الغربية ذاتية.. فجاءت أفلام الكرتون، وغيرها
من أعمال (الميديا) وفَتحت لنا خروقاً واسعة في التربية؛ بسبب ما تحمله
من فيروسات الغزو الثقافي والفكري والاجتماعي.
ومن الأعمال التي ظهر فيها التمرد على قيم الأمة ما يأتي:
1.القناع (musk) فهذا العمل انتشر بين الأطفال وشاع،
وهو يسيء إلى القيم، ففيه أشياء محرجة،
مثلاً يصدر البطل أصواتاً منكرة، ويشمم الناس رائحة جواربه، ويقوم بأفعال
فيها نوع من الحرج اجتماعياً، كإخراج الريح، وغير ذلك من الأفعال المحرجة
اجتماعياً، فتجد هذا العمل يستخف فيها، ويحطم كل الحواجز..
وأنصح المربين ألا يتركوا أبناءهم يتابعون هذا العمل،
على الرغم من كونه مضحكاً يُقَدَّم بثوب تهريجي جداً، لكن في النهاية يَنْكُتُ نكتاً
سوداء في قلوب الأطفال، ويحطم القيم أيضاً..
2.ريمي فيه أيضاً تحطيم للقيم، فالأسرة في قيمنا أهم لبنة اجتماعية، وريمي([1])
الذي يبحث عن أمه بكل ما يستطيع، ويعرض المسلسل أحداثاً مأساوية تواجهه
في سبيل ذلك، وعندمايلتقي بها يتركها، ويبحث عن شيء جديد..
فأين قيمة الأسرة؟!
وإذا كان طوال الحلقات يبحث عن أمه، ثم عندما يجدها يعرض عنها..
فما الذي يبحث عنه إذاً..؟؟
إنه يبحث عن شيء آخر، سأذكره بعد قليل..
ب- ترسيخ حق اليهود:
في الشهر الرابع عام1996صدرت مقالة([2]) في أمريكا بمناسبة مرور خمسين
سنة على تشكيل (توم وجيري)، وهما شخصيتان أنتجتهما شركة (تيرنر) اليهودية.
وقال كاتب المقالة اليهودي: صَنَعْنا توم وجيري؛ لأننا كنا نريد أن نُكرس
حق اليهود في فلسطين.
إنهم يريدون من وراء توم وجيري أن يُروِّجوا لقضية حق اليهود في فلسطين،
وذلك من خلال التأثير على اللاشعور؛ فكل الناس يُفضلون صاحب البيت،
ولا يفضلون الوافد، وهم أرادوا المشاهد باللاوعي أن يتقبل الوافد ويقدمه
على صاحب البيت، وما الذي يربيه الناس في بيوتهم،
القط أم الفأر..؟
طبعاً القط، لكن أرادوا أن يقدموا الفأر بصورة أفضل؛ ماكر، ذكي، شيطان،
عفريت، يصنع المقالِب بصاحب الأرض، الذي هو القط،
وحتى أصبح أصحاب البيت يطردون القط.!!
فهم يريدون أن يكرسوا هذه القضية، وهذا من كلامهم،
فقال: كنا نريد أن نكرس أحقية الوافد على صاحب الدار من خلال التركيز
في اللاشعور على هذه القضية..
وأظن أنه يصعب أن يصل الشيطان إلى مثل هذا التفكير..!!
ج- البحث عن الأرض بصيغة الأم :
وهذه الفكرة من العقائد اليهودية التي تبث في أفلام الكرتون، ففي كتبهم الدينية:
\"إن أمّكم الأرض.. \" يعنون بذلك الأرض المقدسة!!
لذلك كان الذي يبحث عنه ريمي الولد ليس الأم، بل الأرض،
فكم من عام وهو يبحث عن أمه !!
(بمبم) يبحث عن أمه، (زينة ونحول) يبحث البطل عن أمه،
(بيل وسباستيان) يبحث عن أمه..
وعندما يلتقي معظم هؤلاء بأمهم الجسدية يتركونها..
إذاً مَن هي الأم..؟؟ إنها الأرض.!!
لقد كان هذا الأمر يُغرس في ثقافة أبناء الغرب، في اللاوعي، في اللاشعور،
وهو الذي أسهم في صبغ العقل الغربي بالنزعة المتصهينة،
أفرز المحافظين الجدد، فهم لم يأتوا من فراغ.
إنها تربية متأصلة عاشت عليها أجيال وأجيال، وطغت حتى وصلت إلى أن
تكون صبغة للفكر والثقافة الغربية، وانعكست دعماً بلا حدود للدولة الغاصبة
في فلسطين المحتلة، فليس الأمر كما نتصوره ببساطة،
لا.. إنه عمق تربوي، قد ضرب جذوره في أصل العقل الغربي، يتجاوز
التصرفات الانطباعية، وأظن أن من عنده هذا التخطيط العميق سيسود..
الثاني:
إن الكثير من المؤسسات التي اهتمت بدوبلاج الكرتون، وتعريبه،
لم تُعرِّبِ الأخلاق..
إذ يأتي الفيلم كما هو في بيئته، وتقوم (الاستوديوهات) في المنطقة العربية
بعملية الدبلجة؛ أي: إضافة صوت عربي بدل الصوت الغربي،
وتكون مهمتهم أنهم عربوا الصوت ولم يعربواالأخلاق ولا الفكرة..
فلا تزال تغزونا هذه الأفكار..
فالخلل جاء من ناحيتين: المنشأ بداية،
ثم من عملية الدبلجة والتعريب التي كانت قاصرة.. كانت غير دقيقة..
كانت مشوهة في الغالب..لذلك نجد ما نجده من التناقضات عامة.