قال الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ(19) )
وقال تعالى:
(وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ).
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
(حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر، ( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية )..
وقد مدح الله تعالى أهل طاعته بقوله:
(إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون، والذين هم بآيات ربهم يؤمنون، والذين هم بربهم لا يشركون، والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون، أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون)..
وعن عائشة رضي الله عنها قالت :
(سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن هذه الآية فقلت: أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرقون؟ فقال: "لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون، ويتصدقون، ويخافون ألا يتقبل منهم، أولئك يسارعون في الخيرات )
الترمذي وابن ماجه واحمد.
أخي المسلم:
هكذا كان سلفنا الكرام، يتقربون إلى الله بالطاعات، ويسارعون إليه بأنواع القربات، ويحاسبون أنفسهم على الزلات، ثم يخافون ألا يتقبل الله أعمالهم..
فهذا الصديق رضي الله عنه: كان يبكي كثيراً، ويقول: ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، وقال: والله لوددت أني كنت هذه الشجرة ، تؤكل وتعضد..
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قرأ سورة الطور حتى بلغ قوله تعالى:
(إن عذاب ربك لواقع ).
فبكى واشتد في بكاؤه حتى مرض وعادوه. وكان يمر بالآية في ورده بالليل فتخيفه، فيبقى في البيت أياماً يعاد، يحسبونه مريضاً، وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء..
وقال له ابن عباس رضي الله عنهما:نَصّر الله بك الأمصار، وفتح بك الفتوح وفعل، فقال عمر: وددت أني أنجو ، لا أجر ولا وزر..
وهذا عثمان بن عفان ـ ذو النورين ـ رضي الله عنه:
كان إذا وقف على القبر بكى حتى تبلل لحيته،
وقال: لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي، لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير..وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان كثير البكاء والخوف، والمحاسبة لنفسه. وكان يشتد خوفه من اثنتين: طول الأمل واتباع الهوى. قال: فأما طول الأمل فينسى الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق.
تصور أخي المسلم
إذا مات ابن ادم من غير توبة وهو يسحب على وجهه وهو أعمى في نار حرها شديد، وقعرها بعيد، وطعام أهلها الزقوم وشرابهم فيها الصديد
(يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ). يسحب على وجهه في ناروَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ).
قبل ان تغرغر يا ابن آدم:النار وما أدراك ما النار..
ســـــوداء مظلمة شعثاء موحشـة دهماء محـــرقة لواحة البــــشر
فيهــــا الحيّات والعقارب قد جُعلت جلودهم كالبغال الدهم والحمــــر
لهـــــا إذا غلـــت فـــــور يقلبهـــم ما بين مــرتفع منهــــا ومنحــــدر
يا ويلهم تحــرق النيران أعظمهم بالموت شهوتهم من شدة الضجر
وكل يوم لهم في طــــول مـــدتهم نزع شديد مـــن التعذيب والسعــر
فيها السلاسل والأغلال تجمعهم مع الشياطين قسراً جمــع منقهر
فتذكر رحمك الله :
( إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ، فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ )..
تذكر أخي :
يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا )..
تذكر أهل النار:
(لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ، لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ.
) وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً)..
أهل النار ( لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ)..
أهل النار (يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ، سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ)..
أهل النار ( قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ، يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) ..
أهل النار (وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ..
استمع إليهم ( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ )
..يقولون.. فاسمع ما يقولون
(قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ، رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ، قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ )
..ينادون فانظر من ينادون
(وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ، لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ).
إخواني:
(وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ) ؛
وقال الحسن البصري: ( إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة، يقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي، وكذب، لو أحسن الظن لأحسن العمل)..
وروي في أخبار آدم عليه السلام أنه لما أكل من الشجرة تحركت معدته لخروج الثفل، ولم يكن ذلك مجعولاً في شيء من أطعمة الجنة إلا في هذه الشجرة فلذلك نهيا عن أكلها، قال فجعل يدور في الجنة، فأمر الله تعالى ملكاً يخاطبه فقال له: قل له أي شيء تريد؟ قال آدم: أريد أن أضع ما في بطني من الأذى، فقيل للملك: قل له في أي مكان تريد أن تضعه, أعلى الفرش؟ أم على السرر؟ أم على الأنهار؟ أم تحت ظلال الأشجار؟ هل ترى ههنا مكاناً يصلح لذلك؟ اهبط إلى الدنيا.
( كتاب ذم الدنيا).
يا ابن آدم: إن دنياك التي تحرص عليها ما هي إلا قمامة (أجلكم الله) ومكباً للنفايات..
مرّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه على مزبلة فاحتبس فيها, فكأن أصحابه تأذوا بها فقال: هذه دنياكم التي تحرصون عليها أو تتكلون عليها!!! ؛
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إن الله تعالى يقول: يا بن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غِنى وأسُدُّ فقرك، وإلا تفعل ملأت يديك شُغلاً ولم أسدَّ فقرك).
رواه أحمد في مسنده .
تفرغ يا ابن ادم لعبادة الله قبل أن تغرغر, وخير ما عبد به الله حمل الدعوة الإسلامية عمل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وعلى رأسهم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم..واعلموا عباد الله أن فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد كما قال عليه الصلاة والسلام.
فيا من بدنياه اشتغل وغره طــــول الأمـل
الموت يأتـــــي بغتة والقبر صندوق العمل
فإلى نبذ الدنيا ادعوكم أيها المسلمون..
إلى حمل الدعوة والعمل لاستئناف الحياة الإسلامية كي نُحكم بشرع الله على عباد الله وفي أرض الله
أدعوكم أيها المسلمون..
دخل ابن السماك يوماً على أمير المؤمنين هارون الرشيد، فوافق أن وجده يرفع الماء إلى فمه ليشرب فقال: ناشدتك الله يا أمير المؤمنين أن تنتظر به قليلاً. فلما وضع الماء قال له: أستحلفك بالله تعالى، لو أنك مـُنعت هذه الشربة من الماء، فبكم كنت تشتريها؟ قال: بنصف ملكي، قال: اشرب هنأك الله، فلما شرب قال: أستحلفك بالله تعالى، لو أنك منعت خروجها من جوفك بعد هذا، فبكم كنت تشتريها؟ قال: بملكي كله. فقال: يا أمير المؤمنين إن ملكا تربو عليه شربة ماء، وتفضله بولة واحدة، لخليق ألا يـُنافس فيه، فبكى هارون الرشيد، حتى ابتلت لحيته.
فقال الفضل بن الربيع، أحد وزرائه، مهلاً يا ابن السماك، فأمير المؤمنين أحق من رجا العاقبة عند الله بعدله في ملكه، فقال ابن السماك، يا أمير المؤمنين، إن هذا ليس معك في قبرك غداً، فانظر لنفسك، فأنت بها أخبر، وعليها أبصر، وأما أنت يا فضل، فمن حق الأمير عليك، أن تكون يوم القيامة من حسناته، لا من سيئاته، فذلك أكفأ ما تؤدي به حقه عليك. لا شيء أجل من العافية، ولا يدوم ملك إلا بالعدل، ولا ينفع نفساً إلا ما قدمت، يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً، ويوم لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا يا الله..اللهم كره الدنيا في أنفسنا وحبب إلينا الموت يا الله
(وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْو،ٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ).