كلمات الله الخالدة مِن رَوائع القرآن الخالدة المجيدة المتفردة تفرُّدَ الحي القيوم الذي لا يموت - قولُ الحق سبحانه: ﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [لقمان: 27]، فالأرض ببساطتها أقلُّ وأدنى مِن بَساطة كلمات الله حين تمتزج بشَغاف القلب المؤمن وقد أرخى لها قلبه قَبل سمعه، فيأخذ الأمر كما هو نصًّا ورُوحًا ليعمل به ويتعايش معه ببساطةٍ، بعيدًا عن التكلُّف والتعقيد، مُنطلقًا وَفق هدي الوَحي ذاته: ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص: 86]، وقول الوحي الخالد ذاته: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]. والتيسير من معانيه التبسيط، ولا يجتمع نقيض البساطة وتيسير التذكير المتضمن للحفظ قراءة وفهمًا وعملًا، فما أروعَ كلمات الله! وهي ببساطة التيسير منهاج للحياة، يفوق هذه الأرض التي افترشها الإنسان، وتظل تملأ عليه وله عِلمًا وتوجيهًا لن يقدر على حصرها وعدِّها، وإن ملَكَ من أدوات العدِّ والإحصاء ما يملك، فلن يَزداد إلا إيمانًا ويقينًا أن كلمات الله من البيان والإحاطة والشمول والغزارة والتوسع المطَّرد ما تَنْفَد عبثًا في الإحاطة بجزءٍ مما لا عدَّ له من جزءٍ مما لا عد له من كلٍّ، كمقدار شجرةٍ من أشجار الأرض من الأقلام وتمده مع ذلك وبعده سبعة أبحر مدادًا، وتكون النتيجة بعد كل هذا أن تنفد الأرض بما فيها من الأشجار والأقلام والبحار وتبقى كلمات الله الخالدة خلودَ الحي القيوم الذي تفنى كلُّ المخلوقات، ويبقى وجهه الكريم - جل وعز. إن هذا الوحي المكنون وهو يملأ الآفاق وتتردد صداه أقضيةً وأقدارًا كونيَّةً، تتنَزَّل على هذا الإنسان الضعيف البسيط بساطة الأرض التي تؤويه بقدَر الله المُبرم، تُلازمه وتَحوطُه توجيهًا وعلومًا بغزارة من يلاحق كل العلوم ليجمعها وليس بقادر، بل تفنى به الحياة ولم يجمع منها إلا بالقدْر الذي ملَّكه الله به وامتنَّ به عليه، مع أن ما جمعه ليس كل العلوم، كما أنها ليس كل ما جمعه يعود عليه نفعًا في دينه ودنياه، أما كلمات الله الخالدة، فدلالة لفظةٍ واحدة منها تظلُّ حيَّةً متجددةً تتوسع فيها الفهوم والمدارك والأحكام والدلالات جيلاً إثر جيل، فما أعظم وأعظم وأعظم مَن هذه كلماتُه، لك الحمد ربي والعُلى والمجد والثناء الذي ترضاه لنفسك عددَ كلماتك التي لا تَنفد، وسبحانك يا مَن وهبت لمن أحببت مِن عبادك فَهم بعضٍ من كلماتك! أسألك بعظمتك التي لا تنفد، وجُودك الذي لا يُحدُّ، أن تهب لنا من رحماتك وغفرانك ما تدخلنا به جنتك، ونرى به وجهك الكريم الذي تستنير بها الوجوه وتنعم!
اللهم آمين م/ن
دمتم بحفظ الرحمن |