مدخل :
عن حذيفة قال : القلوب أربعة قلب مصفح فذلك قلب المنافق
، وقلب أغلق فذاك قلب الكافر ، وقلب أجرد كأن فيه سراج يزهر ،
فذاك قلب المؤمن ، وقلب فيه نفاق وإيمان ، فمثله مثل قرحة يمدها
قيح ودم ، ومثله مثل شجرة يسقيها ماء خبيث وطيب ، فأيما غلب
عليها غلب) صححه موقوفاً الألباني.
قلب المؤمن واحة خضراء لا مكان فيها للأحقاد والضغائن والشهوات والرِّياء والكراهية
وصاحب هذا القلب تراه دوماً قرير العين ، راضياً بقضاء الله وقدره
لا يعرف الحزن له طريقاً ولا تنال منه الهموم مهما تكاثرت
راحته في الصلاة وطمأنينته في ذكر الله والاستغفار
وقد امتدح الله أهل الجنة بقوله : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} الحجر / 47.
وعندما ننظر بعين بصيرة لأحوال النَّاس في عصرنا الحاضر نتعجب ونرأف لحالهم :
فهذه تشكو من أقاربها وإخوتها وقسوة والديها ..!!
وتلك تحكي معاناتها من عقوق أبنائها ..!!
وأخرى تتمنى الموت لكي ترتاح من الدُّنيا ومتاعبها ..!!
وغيرها فارق النوم جفنها وحاصرتها الهموم من كل حدبٍ وصوب.. !!
و الكثير من المشاكل والتي يطول الحديث عنها
فماهي الأسباب التي جعلت أقوى الروابط تتفكك ..؟؟
والمعاناة تشتد وتزداد
والأحزان تعرف قلب الصغير قبل الكبير
إن من أبرز الأسباب :
- ضعف الدِّين بالنُّفوس فيبدأ الشيطان ببذر بذور الحقد والضغينة والحسد بداخلها
- حب الدَّنيا والإقبال عليها بكل حرص واهتمام
- التعالي والتكبر على الخلق بسبب ماوهبهم الله من نعم
- الغيبة والنَّميمة والكذب والافساد بين النَّاس
- الغضب وسرعة الإنفعال
وغيرها من الأسباب التي يصعب حصرها .
فهل نترك قلوبنا هكذا ، ونقضي حياتنا في حزن وشقاء ؟
أم أنَّه لا بد من البحث عن علاج ؟
لكي نحصل على قلوب سليمة لابد من مجاهدة النَّفس وزرع بعض الأمور المهمة بها :
1/ الإخلاص لله عزوجل في كافة أعمالنا ، واحتساب الأجر من الله
فلا نقدم للنَّاس معروفاً وننتظر منهم مقابلاً لأن بعض النَّاس من طبعهم الجحود
فالله سبحانه وتعالى وهو المنعم والمتفضل على الخلق يغفل الكثير عن شكره والثناء عليه
بل يستغلون نعمه في معصيته , فكيف بحالهم معنا ..!!
2/ الزهد في الدنيا والرغبة فيما أعده الله لعباده الصَّالحين ، وتذكر الآخرة ومافيها من النَّعيم المقيم .
3/ الدُّعاء والتضرع لله عزوجل بأن يمنحنا قلوباً خاشعة وينزع منها الغل والحسد.
4/ أن تُحب لأخيك المسلم ماتحبه لنفسك.
5/ التماس العذر لأخيك المسلم وعدم التَّصيد لهفواته وأخطائه
والتسامح والعفو عن النَّاس ، قال تعالى { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } الشورى / 40.
6/ الرضا بأقدار الله ، والصبر على أنواع الابتلاء
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :
( قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات و الأرضين بخمسين ألف سنة) صححه الألباني .
7 / أن نجعل من نبينا الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم قدوة لنا فكم تعرض هو وأصحابه الكرام رضي الله عنهم
لشتى أنواع الأذى ورغم ذلك كان العفو والتسامح من صفاتهم ، وكانت صدورهم سليمة.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :
يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من
وضوئه وقد تعلق نعليه بيده
الشمال فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم
مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى فلما كان اليوم الثالث
قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا فطلع ذلك الرجل على مثل حاله
الأولى فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو
فقال إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى
تمضي فعلت قال نعم قال أنس فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث
الليالي فلم يره
يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تعار تقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر
حتى صلاة الفجر قال عبد الله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا فلما مضت
الثلاث الليالي وكدت أن أحتقر عمله قلت يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب
ولا هجرة ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا ثلاث
مرات يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث المرات فأردت أن
آوي إليك فأنظر ما عملك فأقتدي بك فلم أرك عملت كبير عمل فما الذي بلغ بك
ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما هو إلا ما رأيت
قال فلما وليت دعاني فقال ما هو إلا ما رأيت غير أني
لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ولا أحسد أحدا على خير أعطاه
الله إياه فقال عبد الله هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق )
مجمع الزوائد - رجال أحمد جال الصحيح .
- أما أبو دجانة رضي الله عنه فقد دُخل عليه وهو مريض فرأوا وجهه
يتهلل (منور) فكلموه في ذلك فقال: "ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنين:
كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى كان قلبي سليمًا للمسلمين".
8 / شغل الأوقات بما يفيد والابتعاد عن مجالس اللهو .
9/ كظم الغيظ ، واتباع الهدي النبوي عند الغضب .
وغيرها من الأمور ..
اللهم اسلل سخيمة صدورنا ، ولا تجعل في قلوبنا غلاً ولا حقداً ولا حسداً
لأحدٍ من المسلمين .
مخرج :
قيلَ لرسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - :
( أيُّ الناسِ أفضلُ ؟ ! قال :
كلُّ مخمومِ القلبِ، صدوقِ اللسانِ،
قالوا : صدوقُ اللسانِ نعرفُهُ،
فما مخمومُ القلبِ ؟ ! قال : هو النقيُّ التقيُّ،
لا إثمَ عليهِ، ولا بغيَ، ولا غلَّ،
ولا حسدَ ) صححه الألباني .