في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع قال :
(لما نزلت : ) وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ( كان من أراد أن يفطر ويفتدى ، حتى نزلت الآية : ) فمن شهد منكم الشهر فليصمه ( متفق عليه ). وفي هذه المرحلة الإلزامية جاء التشريع على مرحلتين أيضاً ، كان في الأولى التشديد ، وفي المرحلة الثانية تخفيف ورحمة . فكان الصائم يأكل ويشرب ويباشر زوجته ما لم ينم أو يصل العشاء فإن نام وصلى العشاء لم يجز لهم شئ من ذلك حتى الليلة التالية . وقد وقع لرجل من الأنصار أنه كان يعمل طوال يومه ، فلما حضر وقت الإفطار انطلقت أمراته لتطلب له الطعام ، فلما حضرت وجدته قد غلبته عينه من الجهد ونام دون أن يتناول طعاماً وعندما انتصف النهار في اليوم الثاني غشىعليه من شدة المشقة وقلة الطعام . وكذلك روى أن بعض الصحابة (وقيل منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ) قد أصابوا من نسائهم بعد ما ناموا ، أو نامت نساؤهم ، وشق عليهم ذلك ، وشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله الآية الكريمة التي تمثل الجزء الثاني من المرحلة الثانية والتي استقر عليها أمر الصيام إلى وقتنا هذا ، وهي قولة تعالى ) أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وانتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وانت عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون ( صدق الله العظيم .(البقرة :187). هكذا نرى المنهج الحكيم الذي اتخذه الإسلام في تشريعاته ، سواء في فرض الفرائض ، أو تحريم المحرمات ، وهو منهج التدريج في التشريع الذي يقوم على التيسير لا التعسير . خير الزاد ليوم القيامة أن يتوب المرء من خطاياه ، وأن يعتزم فعل الخير ، ويقدم على ربه بقلب سليم ، ويستفيد من صيام هذا الشهر وقيامه ، رغبة في ثواب الله ، وخوفاً من عقابه. فشهر رمضان هو شهر الخير والإقبال على الله سبحانه وتعالى ، كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب دعا الله أن يبلغه شهر رمضان فيقول : (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان ، وبلغنا رمضان) . وذلك حباً وكرامة لرمضان ، وينبغي على المسلم – كل مسلم – في هذا الشهر المبارك أن يكون له برنامج عمل ، يحاول بما يستطيع أن ينهل منه ، ويفوز بعظيم ثوابه . وها نحن نستعرض معا نقاط هذا البرنامج بشكل موجز : 1- التوبة النصوح هي أساس البرنامج وأول بنوده ، ومن شروطها الإقلاع عن الذنب ، والندم عليه وعدم العودة له ، والعمل الصالح مع الإيمان ، ورد الحقوق المادية والمعنوية إلى أصحابها . 2- حفظ السمع والبصر واللسان عن المحرمات في نهار رمضان ولياليه . 3- المحافظة على السنن والنوافل . 4- المحافظة على صلاة الجماعة للفروض الخمسة في المسجد . 5- الحرص على شهود الآذان ، وتكبيرة الإحرام مع الإمام ، والوقوف في الصفوف الأولى . 6- المحافظة على صلاة التراويح ، وكذلك صلاة الشفع والوتر . 7- المحافظة على قيام الليل . 8- قراءة جزء من القرآن – على الأقل – يومياً . 9- حفظ بعض آيات القرآن يومياً . 10- حفظ حديث شريف أو اكثر يومياً . 11- صلة الرحم ، ومشاركة المسلمين أحوالهم . 12- ذكر الله وتسبيحه في كل وقت ، مع المحافظة على أذكار الصباح والمساء. 13- التبرع بإفطار صائم أو أكثر كل يوم ، ولم بشق تمرة . 14- تقديم صدقة لمسكين أو محتاج كل يوم ، ولو بأقل القليل . 15- المحافظة على صلاة الضحى . 16- صلاة ركعتين بعد كل وضوء . 17- حضور دروس العلم . 18- تعلم باب في الفقه كل يوم . 19- قراءة مختصرة في السيرة النبوية والعقيدة . 20- محاولة إصلاح ذات البين . 21- الدعاء عند الإفطار بجوامع الكلم . 22- الكرم والبذل والسخاء ومساعدة الآخرين . 23- الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . 24- نصرة المسلمين المجاهدين في كل مكان . 25- تعجيل الفطور وتأخير السحور . 26- بر الوالدين والأقربين ، الأحياء منهم والموتى . 27- اعتكاف العشر الأواخر من الشهر . 28- أداء العمرة ، فعمرة رمضان تعدل حجة مع الرسول صلى الله عليه وسلم. 29- المحافظة على أداء صلاة العيد مع المسلمين . 30- صيام الستة البيض من شوال . ليلة القدر ، أفضل ليلي السنة ، لقوله تعالي: (إنا أنزلناه في ليلة القدر · وما أدراك ما ليلة القدر · ليلة القدر خير من ألف شهر ) . أي العمل فيها ، من الصلاة والتلاوة ، والذكر ، خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر . أخرج البخاري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من صام رمضان إيماناً واحتساباً ، غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً ، غفر له ما تقدم من ذنبه ). وسميت بليلة القدر : لعظم قدرها وشرفها . استحباب طلبها ويستحب طلبها في الوتر ، من العشر الأواخر من رمضان ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في طلبها في العشرة الأواخر . أخرج الشيخان ، عن عائشة رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان ) أخرجه البخاري ومسلم . قال ابن حجر في الفتح – بعد أن أورد الأقوال الواردة في ليلة القدر- : وأرجحها كلها ، أنها في وتر من العشر الأخيرة ، وأنها تنتقل كما يفهم من أحادث هذا الباب .. وأرجاها أوتار العشر ، وأرجى أوتار العشر عند الشافعية ، ليلة أحدى وعشرين ، أو ثلاث وعشرين ، على ما في حديث أبي سعيد وعبدالله بن أنس .. وأرجاها عند الجمهور ، ليلة سبع وعشرين . قال العلماء : الحكمة في إخفاء ليلة القدر ، ليحصل الآجتهاد في التماسها ، بخلاف ما لو عينت لها ليلة لأقتصر عليها . قيامها والدعاء فيها روى أحمد ، وأبن ماجه والترمذي ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : (قلت يارسول الله ! أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ، ما أقول فيها ؟ قال قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ).