إن ما نحن فيه الآن وما يشكوا الناس في كل مكان حدَّث عنه وأنبأ عنه وخبَّر عنه النبي صلي الله عليه وسلم وتحدَّث عن أحوالنا وكأنه بيننا يعلم كل ما يدور بيننا في بيوتنا وفى بلادنا وفى شوارعنا وفى أسواقنا وفى مُدننا وذلك بالبصيرة النورانية التي تفضَّل بها عليه مولاه والتي أمره أن يُعرفنا بها فيقول لنا أجمعين كما نزل في كتاب الله: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} يوسف108
ويتساءل الناس في هذا الزمان:
لماذا زادت المعاصي عن الحد؟ ولماذا أصبح الناس ينفقون الأموال فيما يُغضب الله؟ ولماذا عدم البر من الأبناء للآباء؟ وخفتت القيم من الصغار إلى الكبار والشفقة والحنان من الكبار على الصغار ولماذا ظهرت هذه الأمراض التي لم نكن نسمع عنها؟ وغيرها من الأمور التي حدثت في عصرنا
والنبي صلي الله عليه وسلم نظر إلى هذا الزمان ونظر إلى مشكلات هذا العصر والأوان وحدَّد داءه وعنده كما أنزل عليه مولاه في كتاب الله وفى سنته شفاءه
فقال صلي الله عليه وسلم في أسباب أمراض هذا الزمان المعنوية ومشكلاته الفردية والجماعية والاقتصادية والسياسية وكلها { َيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ لا يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ أَعَزُّ مِنْ ثَلاثٍ: دِرْهَمٌ حَلالٌ أَوْ أَخٌ يُسْتَأْنَسُ بِهِ أَوْ سَنَةٌ يُعْمَلُ بِهَا}[1]
فقد رأينا رأى العين جميعاً في هذا الزمان كيف استحلّ المصلون والصائمون والتالون لكتاب الله والذاكرين لله جلّ في عُلاه الحرام ويجنون أرزاقهم من حرام من يُطفِّف في الكيل ومن يسرق في الميزان ومن يغُش في أي أمر من أمور المسلمين في أي زمان ومكان {مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا}[2]
ومن يخدع إخوانه المؤمنين ليأخذ منهم دراهم قليلة وهى أرزاق حرام لأنها خداعٌ ومكرٌ ودهاء ومن يضحك على البُسطاء ويبيعهم السلعة بأضعاف ثمنها استغلالاً بجهلهم وعدم معرفتهم بهذه السلعة ومن يُبيح الرشوة ويقول إنها لابد منها للوصول إلى مصلحتي ومن يتاجر فيما يُغضب الله يتاجر في البَانجُو ويتاجر في الَحشِيش ويتاجر في الخَمر، وهي تجارة نهى عنها الله ولعن رسول الله صلي الله عليه وسلم كل من مسّها
{لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَلَعَنَ شَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وَآكِلَ ثَمَنِهَا}[3]
وحتى الجالس على مائدة تُدار عليها الخمر قال صلي الله عليه وسلم {مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمَ الآخِرِ فَلَا يَقْعُدُ عَلَى مَائِدَةٍ تُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ}[4]
وغيرها من أمور الرزق الحرام التي تفشّت في هذا الزمان والناس يأخذونها ولا ينتبهون إلى أنها تُغضب الله لأنهم يتناولونها ثم يذهبون للمساجد للصلاة ويصومون الأيام الفاضلة تقرباً إلى الله بل بعضهم يأخذها ويذهب إلى الحج والعمرة في بيت الله وتناول اللقمة الحرام والأرزاق الحرام فيه ما فيه نذكر منها بعض ما فيه لنرى ما نحن فيه الآن إذا أكل الإنسان لقمة حراماً واحدة لا يقبل الله منه عملاً ولا دعاءً
قال صلي الله عليه وسلم {الرَّجُلُ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَقَدْ عُدِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ }[5]
إذا أكل الإنسان لقمة حرام جعلت جسمه وأعضاءه تسارع إلى الذنوب والآثام وتجمد وتتوقف عن الإستجابة للطاعة التي أمر بها الملك العلام ولذلك يشكوا العُلماء من أن الناس لا يريدون سماع العلم في هذا الزمان وإذا سمعوا كأنهم لا يعون فقلت لهم: كيف يسمعون إلى العلم وقد تشبَّعت الأجسام بالمطعم الحرام؟ إن المطعم الحرام يجعل الإنسان لا يستمع إلا بالأذن ولا يصل الكلام إلى القلب
لا يصل الكلام إلى القلب إلا إذا حرص الإنسان على الغذاء الحلال فينفعل القلب ويأمره بطاعة الله وينهى الأعضاء جميعها عن معصية الله وإذا تغذَّى الأولاد من المطعم الحرام كانوا غير بررة لآبائهم وأمهاتهم
رأى رجلاً من الصالحين شاباً يضرب أباه فقال من حوله: إنه ولد حرام أي أن أمه زانية فقال الرجل الصالح: مهلاً لا تخوضوا في أمه ولا تقذفوها لعله تكوَّن في ظهر أمه لقمة حرام لعله تغذَّى بعد ظهوره في الدنيا من مطعم حرام فيجعله غير حريص على برّ الأبوين ولا طاعتهما ولا العمل على إرضائهما لأن أعضاءه لا تستجيب عند المطعم إلا لمعاصي الله